عندما يقول أحد مفجّري ما تسمى “ثورات الربيع العربي” إن هناك من يدفع الأمور بعيداً عن المسار، فإن هذا الكلام إنما يصدر عن أحد أصوات الجوقة، أحد صانعي الحدث، وبلهجتنا الفلاحية “واحد من أهل العريس” . لا يهم الاسم، لكنّه واحد من المنقلبين على النظام الليبي السابق، بل أصبح من مسؤولي الصف الأول، وهو يقول إن ليبيا اليوم خطرة على نفسها وعلى جيرانها . في تفسيره لخطورة ما آلت إليه ليبيا، يرى أن استمرار المنزلق الحالي يهدد وحدتها وسيادتها واقتصادها، ويدفعها للتحول إلى مشكلة أمن قومي للدول المجاورة، وبخاصة مصر التي حذّر من أن هناك من يخطط لاستعادتها عن طريق ليبيا حيث بات هذا البلد الطافح بالفوضى والفلتان الأمني مصدراً لتهريب الرجال والمال والسلاح إلى داخل مصر .
حين يفكّر الغرب ووكلاؤه الإقليميون في ليبيا لن يكون هذا التفكير منعزلاً عن التفكير في مصر، بل ربما تكون مصر هي أساس التفكير والأخذ بعين الاعتبار في صياغة وتنفيذ أي مخطط في الشرق الأوسط، إذ إن مصر صاحبة الفعل والتأثير إيجاباً أو سلباً في المنطقة، لذلك فإن من الطبيعي أن يراد لها عدم الاستقرار .
لقد راهن الغرب على وصول “الإخوان” للحكم في مصر في محاولة لاحتواء الإرهاب الذي تصاعد انطلاقاً من الحادي عشر من سبتمبر، وفي الوقت ذاته إشغال المنطقة بفتنة مذهبية تتبدّل معها موازين الصراع ومعادلاته، بحيث تكون “إسرائيل” في منأى عنه وتتحوّل إلى “دولة طبيعية”، وربما “صديقة” .
عبر التاريخ، لا تجد الدول الكبرى غضاضة في تغيير منهجها، وأحياناً الانقلاب عليه وفقاً لما تتطلّبه استحقاقات كل مرحلة والمصالح المترتبة عليها، لكن الوكلاء الذين تطبعهم قوة العادة على السير في اتجاه واحد، يغرقون في التخبّط ويستسهلون الهروب للأمام ويزاودون على مشغّليهم في تنفيذ المخطط، ولا يستوعبون فكرة انقلاب الكبار على المخطط ذاته . من هنا رأينا الكثير من القوى الداخلية والخارجية لم تستوعب التغيير الذي حصل في مصر بعد 30 يونيو، والذي أضيف إلى فشل المشروع في مناطق أخرى، والذي نجم عنه تبديل لبعض الوكلاء نظراً للحاجة إلى تغيير الأداء وفقاً لمراهنات جديدة في ضوء تعثّر المخطط .
هذا ما يفسّر تصاعد العنف والإرهاب في سيناء على نحو غير مسبوق، فسيناء كانت هادئة طوال فترة احتلال الصهاينة لها، ثم أصبح مناسباتياً في عهد نظام مبارك، وتراجع كثيراً في فترة حكم الإخوان المسلمين لمصر . لكنه بعد عزلهم انفلت من عقاله وبات ظاهرة يومية . ليس بالضرورة أن تكون جماعة الإخوان متورطة مباشرة في الإرهاب في سيناء أو غيرها، لكنّها من خلال سياستها التصادمية مع الدولة والمجتمع وفّرت البيئة الحاضنة لهذه الظاهرة التي وجدت في الأوضاع في ليبيا منبعاً وممراً للسلاح والمال . وبعد أن أفضت هيمنة السلاح إلى حرف مسار التغيير في ليبيا بما في ذلك إطاحة نتائج الانتخابات النيابية وإسقاط الدولة لا النظام، وبعد أن باتت هذه المنطقة التي تربطها بمصر حدود طويلة تحوي 21 مليون قطعة سلاح، وتحوّلت إلى مرتع للاغتيالات والتفجيرات والصراعات الجهوية والقبلية، وظّف كل ذلك في محاولة تفكيك مصر من الداخل وإسقاطها كدولة، عبر إضعاف جيشها . لكن أصحاب المخطط الذي فوجئوا بتعثّره سيصدمون بفشله الحتمي .
الاثنين 10 شباط (فبراير) 2014
فوضى ليبيا وإضعاف مصر
الاثنين 10 شباط (فبراير) 2014
par
أمجد عرار
مقالات هذا المؤلف
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
11 /
2177895
ar أقسام الأرشيف أرشيف المقالات ? | OPML ?
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
18 من الزوار الآن
2177895 مشتركو الموقف شكراVisiteurs connectés : 17