السبت 15 شباط (فبراير) 2014

خطة كيري للتصفية

السبت 15 شباط (فبراير) 2014 par أمجد عرار

في العمل السياسي تجوز المناورة ليأخذ هذا العمل وجهه الدبلوماسي، وهو يحتمل بعض الالتفافات وتدوير الزوايا، ويستوعب كذلك أن نطلق بدل ال “نعم” المباشرة بعض القيود والشروط التي تجعلها بمثابة “لا” . لكن حين يتعلق الأمر بخطة سياسية كارثية تأخذ كل شيء ولا تعطي إلا الفتات المسموم، لا يحتاج أي مسؤول سياسي إلى كل هذا الكم من الدبلوماسية . كلمة “لا” مباشرة وواضحة وقاطعة تكفي . هذا بالضبط ما ينبغي فعله مع خطة أمريكا للتسوية أو التصفوية على نحو أصح، والمسماة “خطة كيري” .
لكن حتى لو قفزنا على وجاهة الرفض المبدئي، فإنه يجب رفض الخطة تسعية النقاط من حيث التفاصيل أيضاً . بالنظر إلى ما نشره الإعلام “الإسرائيلي” ولم ينفه أي مسؤول فلسطيني، فإن هذه الخطة تستند إلى ما سمي إطار الحلّ المطروح إلى الوثيقة التي “اتفق” عليها بين رئيس الوزراء “الإسرائيلي” السابق إيهود أولمرت والرئيس الفلسطيني محمود عباس عام 2008 . لم نسمع عن ذلك الاتفاق في حينه، وإذا كان هناك اتفاق، لماذا لم يبن عليه شيء؟ . الخطة أيضاً تتعامل مع الأرض الفلسطينية كعقار إذ تنص على ضم “إسرائيل” ستة وثمانية أعشار في المئة من أراضي الضفة، مقابل أن تسمح للفلسطينيين بالسيطرة على خمسة ونصف في المئة من أراض بديلة . المقصود بالأراضي التي ستضمها “إسرائيل” الكتل الاستيطانية الكبرى، وهنا لا يمكن لاعتبارات المساحة أن تجعل من التبادلية إجراء منطقياً، إذ إن بقاء الكتل الاستيطانية يعني تمزيق الضفة الفلسطينية وتحويلها إلى كانتونات ومعازل، أي أنها لا يمكن أن تصلح لإقامة أي كيان سياسي أو بنية مجتمعية، فضلاً عن أن التواصل الجغرافي المطروح بين الضفة وغزة هو عبارة عن إقامة ممر أمني، ويرجّح تسيير قطار سريع بينهما، ويدور خلاف بين وجهتي نظر “إسرائيل” التي تريده بين مدينتي غزة والخليل والسلطة الفلسطينية التي تريده بين غزة ورام الله . لم تتحدث الخطة عن السرعة القصوى والدنيا المسموحة للقطار، لكنّها تتضمن منح “إسرائيل” مزيداً من الأراضي بدل تلك التي سيمر فيها القطار! .
القدس التي وحّدها الاحتلال واتخذها “عاصمة أبدية”، وتبرّع الخطاب الرسمي الفلسطيني بتقسيمها إلى شرقية وغربية، تأتي خطة كيري لتقسيم الشطر الشرقي أيضاً، وتتباهى الخطة أنها تتجاوز الخلاف الذي ثار في “كامب ديفيد الثانية” حين طرح الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلنتون تقسيم الحرم القدسي إلى أبجديات على غرار اتفاق أوسلو، ويضاف الآن تشكيل لجنة دولية يشارك فيها بعض العرب لإدارة المدينة .
وإذ تتضمن الخطة استبدال الاحتلال “الإسرائيلي” للأغوار باحتلال أمريكي، فإن اللاجئين الفلسطينيين الذين يشكّلون صلب القضية الفلسطينية وقلبها ومعناها ومنطلقها الأول، هم الخاسر الأكبر من هذه الخطة التصفوية بامتياز، إذ إن حق العودة سيشطب من خلال الحديث عن عودة بعض الفلسطينيين تحت عنوان لم الشمل، وإنشاء صندوق دولي لتوطين “من يريد” من الفلسطينين في استراليا .
هذه ليست خطة سياسية لتسوية، حتى بطبعتها الأكثر قبحاً . هذا سيناريو لكوميديا سوداء تحوّل القضية الفلسطينية إلى جنازة يسير فيها الضحايا أنفسهم ويقام بيت عزائها في الجامعة العربية لأجل غير مسمى . عظّم الله أجركم .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 25 / 2165433

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165433 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010