الأربعاء 19 شباط (فبراير) 2014

معاناة ذوي الأسرى

الأربعاء 19 شباط (فبراير) 2014 par أمجد عرار

لا تقل معاناة ذوي الأسرى عن معاناة الأسرى أنفسهم . كل عائلة أسير تطوي نهاراتها ولياليها احتراقاً وشوقاً، إن لم يكن انتظاراً لإفراج مفاجئ عن ابنها، فعلى الأقل لزيارته في الفترات القليلة التي يسمح الاحتلال بالزيارة . كانت زوجة أحد الأسرى المحكومين بالسجن المؤبّد تدرك أن ذوي الأسير وحدهم يدركون معنى أن يكون الابن أو الأب أو الزوج أو الزوجة أو البنت أو الأم، في غياهب السجون . تسأل قريبها الصحفي في كل مرة تقابله عن ثغرة في جدار اليأس، أو عن نافذة أمل من جولة تفاوض، أو من تصريح أطلقه مسؤول فلسطيني للمرة المئة بأن “الأسرى على رأس جدول الأعمال” . مع الأيام الطوال، أدرك ذوو الأسرى، ومعهم كل الشعب الفلسطيني، صحّة مثلهم الشعبي القائل “ما يخرج مع العروس لا يلحق بها”، وبما أن القيادة الفلسطينية وقعت اتفاقاً مع “إسرائيل” لم يشمل الأسرى، فإن قضيتهم ستبقى معلّقة بيد “إسرائيل”، وستبقى ورقة مساومة وابتزاز نظراً لحساسيتها لدى الشعب الفلسطيني .
كانت أم المثنى تبحث عن أية إيماءة أو تصبيرة، وكالغريق الذي يتعلّق بقشّة، تعقد الآمال على كل جولة تفاوض وكل مؤتمر صحفي، وكل تصريح رسمي أو غير رسمي، وفي الوقت ذاته لم تفوّت أية مسيرة أو مظاهرة أو اعتصام أمام مقر الصليب الأحمر، تضامناً مع الأسرى . وفي كل لقاء، يسعى قريبها الصحفي إلى تجنيبها جحيم الوهم وسراب الانتظار، ويحقنها بجرعات من الواقعية، وينصحها بأن تصبر وتحتمل ولا تراهن على أحد بشأن قضية مفاتيحها ومفاتيح السجون بيد احتلال قاس لا وجود للرحمة في قلبه ولا للإنسانية في قواميسه العنصرية . احتلال لا يكتفي بالتنكيل بالأسرى، بل لا يتورّع عن التنكيل بذويهم وامتهان كراماتهم أثناء زيارتهم السجون .
ذات يوم قابلت أم المثنى الصحفي بابتسامة مرّة بعد دفعة إفراجات، حيث لم يكن أبو المثنى بين المفرج عنهم . قالت له: كلامك صحيح، لا ينبغي التعلّق بحبال الوهم . يبدو أنه كتب عليّ ألا ألتقي زوجي إلا في الجنة بعد استشهاد كلينا . إذا استشهد في السجن سيذهب إلى الجنة، وحينها سأكون زوجة صابرة تأمل بالتعويض في الجنة .
في إحدى المرات القليلة أتيحت لها زيارة زوجها الأسير بالمصادفة مع ذكرى ميلاده . عادت الأم من الزيارة، وأبناؤها يلحّون عليها أن تعمل حفلة عائلية بالمناسبة . كان الوقت متأخراً في المساء، ولا وجود لمستلزمات “الحفلة”، لكن الأم الفلسطينية لا تعدم وسيلة تدبير أمورها في الأوقات الصعبة . أعدت العشاء وجبة مقلوبة، وهذه بطبيعتها تكون قالباً من الأرز يشبه قالب الكعكة، وبدل الشمع غرزت في “المقلوبة” أعواد كبريت بعدد أعوام عمر الأب الأسير . وعندما غنّى الأبناء “هابي بيرث دي تو يو”، رفعت يدها قائلة: هذا خطأ، فهو ليس معنا الآن، والأصح أن نغنّي “هابي بيرث دي تو هيم” . رد الابن الأكبر: الصهاينة يريدونه غائباً، لكننا نعتبره حاضراً معنا .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 31 / 2165940

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2165940 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010