الخميس 20 شباط (فبراير) 2014

ماذا بعد الولادة القيصرية للحكومة اللبنانية؟

الخميس 20 شباط (فبراير) 2014 par غسان العزي

أخيراً، بعد نحو أحد عشر شهراً من المخاض العسير والانتظار الأطول في تاريخ تشكيل الحكومات اللبنانية، ولدت “حكومة المصلحة الوطنية” كما سماها رئيسها تمام سلام . وإذا استمرت الأمور على حالها فإن تشكيل الحكومات المقبلة سوف يقاس بالسنوات وليس بالأشهر .
لقد عادت قوى 14 آذار إلى الحكم بعد غياب دام ثلاث سنوات حدثت خلالها تطورات شديدة الخطورة في لبنان والمنطقة . هذا التوازن النسبي الذي استعادته السلطة، بعد أن وسمت حكومة ميقاتي بالانحياز، يعكس عودة توازن إقليمي معين إلى الحكم في لبنان وهو توازن ساهم في استيلاد الحكومة .
والسؤال الذي تبادر إلى ذهن المراقبين وهم يستمعون إلى أمين عام مجلس الوزراء معلناً مرسوم تشكيل الحكومة الجديدة: هل إنها حكومة ستعيش مئة يوم تقريباً بحيث ينتهي عمرها مع انتخاب رئيس جديد للجمهورية في 25 مايو/ أيار المقبل قبل أن تتحول تلقائياً إلى حكومة تصريف أعمال بموجب الدستور في انتظار تشكيل حكومة جديدة مع العهد الجديد؟ أم إنها حكومة ستتولى ملء الفراغ الرئاسي بسبب تعذر انتخاب رئيس جديد للجمهورية؟ الاحتمال الثاني هو الأرجح حتى اللحظة في انتظار التطورات الإقليمية التي لا تقدم أسباباً جدية للتفاؤل .
وربما بسبب رجحان هذا الاحتمال تمسك زعماء الكتل (والطوائف) النيابية بمطالبهم وشروطهم كما تمسكت الدول الإقليمية الداعمة لهم بمثل هذه الشروط والمطالب لأن الجميع متيقن، على ما يبدو، بأن الحكومة العتيدة ستقوم مقام الرئيس لفترة غير محددة .
من الناحية المبدئية، والحق يقال، تتوفر في هذه الحكومة، نسبة إلى الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد، جميع العناصر الدستورية والميثاقية والتمثيلية التي تجعلها قادرة على خلق المناخ الحواري بين الاطراف الفاعلة تمهيداً لإجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها الدستوري . هذا ما قاله رئيسها تمام سلام الذي أبدى الكثير من التفاؤل لحظة خروج الطفل الحكومي من رحم الأفق الذي كان مسدوداً . وعلى الأرجح فإنها سوف تحصل على ثقة المجلس النيابي بأغلبية تقترب من الإجماع بفضل تمثيل كل قوى الثامن والرابع عشر من آذار (باستثناء القوات اللبنانية التي رفضت المشاركة) فيها بعد أن تنتهي من صياغة البيان الوزاري . وفي هذا الصدد فمن المتوقع أن تبرز عقبات، خلال صياغة هذا البيان، بسبب رفض قوى 14 آذار لثلاثية “الجيش والشعب والمقاومة” التي يحبذها حزب الله ورفض هذا الأخير، بدوره، لذكر بيان بعبدا في البيان . لكن هنا من المتوقع العثور على صيغة وسطية غامضة ترضي الجميع تسهيلاً لمثول الحكومة أمام البرلمان .
بعدها مباشرة يبدأ الاستحقاق الرئاسي المنتظر، وهنا فقد بات معروفاً للقاصي والداني أن الانتخابات الرئاسية في لبنان لا تتقرر في لبنان بل عبر توازنات إقليمية ودولية، وهذا أمر ليس بالجديد . وإذا كانت التوازنات الدولية والإقليمية الحريصة، حتى اللحظة، على استقرار لبنان قد ساهمت في تذليل العقبات أمام تشكيل الحكومة فإنها قد لا تبدي الحرص نفسه إزاء انتخاب رئيس جديد للبلاد للسنوات الست المقبلة . وقد تعود حظوظ التمديد للرئيس الحالي سليمان إلى الارتفاع بعد تراجعها بسبب تحفظ قوى الثامن من آذار .
على صعيد آخر، فإن تشكيل الحكومة الجديدة قد لا يضع حداً نهائياً للإرهاب المتنامي في لبنان، لكنه، على الأقل، يشكل غطاءً سياسياً للقوى الأمنية التي سجلت انتصارات في سياق مكافحة الإرهاب وتفكيك بعض خلاياه . فلكي يتمكن الأمن من النجاح في حربه الصعبة على الإرهاب ينبغي أن يحظى بحكومة متجانسة تلتزم سياسة واحدة واستراتيجية أمنية واحدة، أي أن تكون قادرة على تنسيق التعاون الكامل بين كل الأجهزة العسكرية والأمنية والاستخباراتية والقضائية، عبر الوزارات الثلاث المعنية مباشرة بذلك (الداخلية والدفاع والعدل) المدعومة من الجسم الحكومي ككل .
فمع عودة الحرب السورية إلى الاحتدام بعد فشل مفاوضات “جنيف2”، يبدو لبنان في أمسّ الحاجة للوحدة والتضامن في وجه التداعيات الخطرة لهذه الحرب على استقراره وأمنه (المزيد من اللاجئين السوريين ومن المقاتلين مع النظام وضده، ومن الانقسام اللبناني . . الخ) .
وهذا بدوره يحتاج إلى حكومة تسهر على تأمين عناصر مواجهة هذه التداعيات عن طريق سياسة تتصدى للبيئة الحاضنة للإرهاب .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2165440

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165440 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010