الخميس 20 شباط (فبراير) 2014

الوعد الزائف بالديمقراطية الرقمية

كاتينكا باريش
الخميس 20 شباط (فبراير) 2014

تعود أغلب الناس على التفكير في الإنترنت باعتبارها قوة للخير . وكان من المفترض أن تسمح لنا، ليس بالتسوق والبقاء على اتصال بزملاء الدراسة السابقين والبحث عن مطعم “السوشي” الجديد فقط؛ بل كان من المفترض أيضاً أن تعمل على تمكيننا سياسياً من خلال السماح للمحرومين من حقوقهم بإسماع أصواتهم ومساعدة الناشطين في تعبئة الأنصار وتمكين المواطنين العاديين من نشر أدلة الفساد الرسمي أو وحشية الشرطة .
ولكن الشكوك بدأت تتسلل إلى الناس، وليس فقط منذ الكشف عن استخدام هيئات حكومية الإنترنت للتجسس علينا وعلى زعمائنا وعلى بعضها بعضاً . والواقع أن تأثير الإنترنت في السياسة بالغ الغموض . وما لم تتحول الإنترنت إلى حيز حيث يتم تطبيق القواعد والحقوق كما يحدث في العالم الحقيقي فمن غير المرجح أن يتغير هذا الواقع .
كان أوائل المتحمسين يحلمون بأن مجرد الوصول إلى الإنترنت من شأنه أن يساعد على نشر الديمقراطية . ولم يحدث هذا . وفي نهاية تسعينات القرن العشرين، كان نحو 4% من سكان العالم يستخدمون الإنترنت؛ واليوم يستخدمه ما يقرب من 40% من سكان العالم . ولكن حصة البلدان التي صنفتها منظمة مراقبة الديمقراطية “فريدوم هاوس” باعتبارها “غير حرة” أو “حرة جزئياً” لم تتغير إلا بالكاد على مدى الفترة نفسها . وفي المعركة الدائرة بين الشبكات والكيانات ذات التراتب الهرمي يبدو أن الغَلَبة تكون للكيانات الهرمية غالباً .
ومن بين الأسباب وراء ذلك أن الحكومات أصبحت على القدر نفسه من براعة الناشطين في استخدام الإنترنت وتكنولوجيا الاتصالات الحديثة . وتستخدم الحكومات الاستبدادية الإنترنت لتعقب قادة المحتجين وزعماء المعارضة، كما رأينا مؤخراً في أوكرانيا . وهي توظف جيوشاً من الناس لمراقبة وفحص المحادثات على الإنترنت . ويزعم بعض الناس أن الإنترنت تعمل كصمام تنفيس سياسي يساعد الحكام المستبدين على البقاء في السُلطة .
ولكن حتى أشد الطغاة عزماً لا يستطيع أن يفرض سيطرته الكاملة على الأنشطة السياسية على الإنترنت . إذ يميل الشباب البارعون في استخدام التكنولوجيا إلى التحايل على محاولات الرقابة الرسمية . ورغم هذا فإن الناشطين على الإنترنت لا يكتسبون المزيد من القوة بالضرورة .
إن الحركات التي تحركها شبكة الإنترنت لا تخلف تأثيراً دائماً عادة إلا إذا نجحت في توليد نشاط سياسي تقليدي، مثل احتجاجات الشوارع أو إنشاء أحزاب سياسية . ولهذا فإن هذه الحركات تحتاج إلى زعامات، وهو ما يميل الناشطون إلى رفضه لأنهم يعتبرون أنفسهم حركات شعبية نقية . وفي غياب استراتيجيات صالحة للبقاء وتوجهات واضحة فإن أغلب الانتفاضات التي تؤججها شبكة الإنترنت سرعان ما تتبدد وتختفي .
وبالتالي فقد تبين أن الإنترنت أقل قوة مما كان متوقعاً في المعركة ضد الطغيان . ولم يكن تأثيرها في الديمقراطيات الراسخة مباشراً صريحاً . وبالرغم من أن الديمقراطيات أصبحت أكثر حيوية في نظر البعض فإن السياسات التي تنتهجها أصبحت أكثر تقلبا .
ولنتأمل هنا وسائل الإعلام . إن نحو 16% فقط من الأمريكيين في الأربعينات من عمرهم يُقبِلون على قراءة الصحف (المطبوعة) هذه الأيام؛ ولا تتجاوز النسبة بين الشباب في العشرينات 6% . وتوفر وسائل الإعلام الرقمية قدراً أعظم من التنوع، فضلاً عن سهولة الوصول وفرصة التعليق . ولكنها تشجع الناس على استرجاع المعلومات والتعقيبات التي تناسب وجهات نظرهم القائمة فقط . وفي حين تستطيع وسائل الإعلام التقليدية أن تقدم لقرائها تغطية متوازنة، فإن وسائل الإعلام الرقمية قد تغذي الاستقطاب السياسي .
فضلاً عن ذلك، فإن مثيري القلاقل السياسية والشعبويين والمتطرفين، من بيبي غريلو في إيطاليا إلى أعضاء “حزب الشاي” في الولايات المتحدة، يستخدمون وسائل الإعلام الاجتماعية والمدونات على شبكة الإنترنت لالتماس واستمالة المؤيدين المحتملين بشكل مباشر . وتسمح شبكة الإنترنت للعديد من المحدثين في عالم السياسة بجمع أعداد كبيرة من الأتباع بسرعة، فقط لكي ينفضّ هؤلاء الأتباع بنفس السرعة بعد حين . ولكن هذا المد والجزر من الممكن أن يزعزع استقرار السياسة الراسخة، على سبيل المثال، عندما تتحرك أحزاب الوسط إلى اليمين لاجتذاب الناخبين بعيداً عن الأحزاب الأكثر تطرفاً .
ومن ناحية أخرى، يبدو أن الشباب يتصورون أنهم أتموا واجباتهم المدنية بمجرد وضع التغريدات أو إنشاء المدونات . فلم يعد الشباب ينضمون إلى السياسية والنقابات المهنية والعمالية وغير ذلك من جماعات المصالح . والواقع أن متوسط عمر أعضاء الأحزاب في ألمانيا يتجاوز الخمسين عاماً . وفي المملكة المتحدة سنجد أن احتمال انضمام متقاعد بعد سن الستين إلى النقابات المهنية أكبر من احتمال انضمام شاب تحت الثلاثين إليها . وفي غياب منظمات المجتمع المدني تصبح السياسة أكثر تفتتاً وأقل تماسكاً، ويصبح التوصل إلى حلول وسط قابلة للتطبيق أشد صعوبة .
إن الكشف عن تجسس وكالة الأمن القومي في الولايات المتحدة على المواطنين سوف يعمل على التعجيل بالوصول إلى تقييم أكثر واقعية لتأثير الإنترنت في السياسة، وهذا من شأنه أن يوفر فرصة طيبة للنظر في ما حصل من خطأ وما يمكن تقويمه وتصحيحه .
وهناك العديد من الخطوات الصغيرة التي قد تساعد في هذا السياق، مثل إعطاء الحركات المناصرة للديمقراطية التكنولوجيا اللازمة لتحاشي القيود التي تفرضها الحكومات الاستبدادية، وتقديم وسائل الإعلام الرقمية بطريقة متوازنة، وجعل الأحزاب السياسية أكثر تجاوباً مع أعضائها . ولكن التحدي الأساسي هنا يكمن في نشر الإنترنت بالقواعد والحقوق والقيم نفسها التي تسود ديمقراطياتنا .
إن الحرية من غير الممكن أن تكون مطلقة، سواء على شبكة الإنترنت أو خارجها . ولابد من احترام حقوق الإنسان، وليس حق الخصوصية الشخصية في الفضاء الإلكتروني فقط . ولأن أي هيئة أو حكومة لا يمكنها أن تتولى منفردة وضع القواعد التي تحكم الإنترنت بالكامل، فإن أي مدونة سلوك أو ميثاق شرف رقمي لابد أن ينشأ من القاعدة الشعبية، وهو بالتالي سوف يكون منقوصاً إلى حد كبير . ولكن لعل وكالة الأمن القومي ساعدت على بدء المناقشة: فبالرغم من أننا قد لا نعرف على وجه التحديد القواعد التي نريدها فربما اكتسبنا الآن القدرة على تكوين فكرة أفضل كثيراً عن القواعد التي لا نريدها .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 12 / 2176587

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2176587 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40