خلال الأيام القليلة الماضية طفت على صفيح المخيمات الساخن ما سميت بحملة “نعم للهجرة.. نعم للتهجير”، والتي انطلقت من مخيم نهر البارد، لتبدأ في الاتساع والتمدد نحو المخيمات الأخرى، حقيقة الأمر مؤلم لما تضمنه من توجهات قد لا يدرك بعض القيمين أبعادها الخطيرة على القضية الوطنية في مرتكزها الحيوي؛ حق العودة.
وقبل أن يبدأ أحد بشجب واستنكار هذه الخطوة غير البريئة في التوقيت السياسي الذي تتعرض فيه القضية الوطنية من محاولات صهيو - أميركية من أجل تصفيتها، علينا الاعتراف أننا في مكان ما قد فشلنا وتقاعسنا وأخطأنا، فنحن لم نلامس عمق الأزمة التي عاشها شعبنا في مخيم نهر البارد ومنذ العام 2007 أولاً، ثم في بقية المخيمات، وما ورد في إحدى عبارات هذا الحراك “نريد الهجرة لنترك الجمل بما حمل للفصائل تسرح وتمرح به”، إنما يدلل على عمق الهوة بين الفصائل وشارعها، لذلك تأتي هذه الخطوة في سياق رد الفعل لما وصل إليه الحال الفلسطيني وعلى الصعد كافة، وبالتالي عندما تشعر الشريحة الأكبر والأكثر حيوية في مجتمعنا أنها مهمشة، وأصبحت في طيف واسع منها مجرد أرقام ليس إلاّ، مضافاً إليها انسداد أفق المستقبل أمام هؤلاء الشباب بسبب حرمان الفلسطينيين من حقوقهم المدنية والاجتماعية، لتصبح شهادات تخرج الآلاف منهم مجرد شيكات من دون رصيد، ويتحول هؤلاء الشباب إلى جيش عاطل من العمل، وبنتيجته يقتل الأمل والتطلع وتأمين المستقبل لديهم، وفوق كل ذلك ما تعانيه الساحة الفلسطينية من مشهد للانقسام الحاد بين الفصائل الذين هم اليوم في مجموعهم متهمون في التقصير والتخلي والإهمال، وعملية سياسية لا تستشرف في واقعها الراهن أي أفق نحو وطن سيد ومستقل يجمع ولا يفرق، يضم بين جنباته وتحت جناحيه جميع أبنائه، جميع ما سبق في مجمله نعم يشكل حالة من الإحساس بفقدان الأمن والأمان ليس لدى هؤلاء الشباب فحسب، بل لدى جموع الشعب الفلسطيني بكل شرائحه.
المطلوب من القيمين على هذا الحراك وقفه فوراً لما له من مخاطر جدية على واقع القضية، والتي هي ليست ملكاً للفصائل، بل هي ملك الشعب الفلسطيني، ولتذهب الفصائل مباشرة إلى فتح نقاش وحوار معمق مع كل شرائح شعبنا، وفي مقدمهم شبابنا عماد وقلب مجتمعنا، من أجل المشاركة في صياغة القرارات في مخيماتنا بما يحفظ عناويننا الوطنية.
وعلى هؤلاء الشباب التنبه بأن هناك من يقف خلف الأبواب من متصيدين ومستفيدين القريبين منهم والبعيدين، ومنعهم من استغلال حاجات شبابنا الفلسطيني، في ظل الجهود المحمومة من أجل شطب ملف اللاجئين، وما الحرب الإعلامية التي تُشن على مخيماتنا إلاّ في سياق هذا الاستهداف، وأختم في القول مكرراً، أن التوقيت لا يشي ببراءة الخطوة، أو على الأقل من زرع الفكرة ليحصد النتائج التي يتوخاها، وهو لن يصل إليها بوعيكم وأصالة انتمائكم.