الثلاثاء 25 شباط (فبراير) 2014

سورية ـ أوكرانيا ـ فنزويلا... وحدة المعركة

:نسيب أبو ضرغم
الثلاثاء 25 شباط (فبراير) 2014

الناظر إلى الأزمتين الأوكرانية والفنزويلية لناحية التوقيت، لا بد من أن يربط الحدثين بالحرب المفتوحة على سورية منذ ثلاث سنوات.
السؤال الذي يطرح نفسه: لِمَ تلازم وقوع الأزمتين؟ هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية، لِمَ افتعالهما بعد السنوات الثلاث من عمر الأزمة السورية؟
إن التحالف الصهيو ـ أميركي يدرك أن إرهاصات قيام نظام دولي جديد يعقب هزيمة أميركا في العراق وأفغانستان أخذت تتلاحق، والنظام المشار إليه هو بالتأكيد لمصلحة منظومة دول البريكس التي تتهيأ لأخذ موقعها في هذا النظام، لذا قام بحربه الاستباقية على طريقة جورج بوش الابن، ليضرب شروط قيام هذا النظام من ناحية، وليفرض واقعاً جيوسياسياً وجيواستراتيجياً من ناحية ثانية.
هيّأ الساحة السورية وأعد لها كل الشروط الضرورية لإسقاط الدولة في سورية، من منظومات إعلامية، إلى تنظيم إرسال مرتزقة، فالتمويل، إضافة إلى افتعال إرباكات وأشراك دولية، بينها اتهامات المحكمة الدولية، وقبلها اغتيال الرئيس الحريري وتحميل مسؤولية اغتياله للدولة السورية. كل ذلك كان بمثابة إعداد لمسرح الدم الذي قرر التحالف الصهيو ـ أميركي مع غالبية العرب إقامته في سورية، تمهيداً لإسقاط الدولة، وتقسيم سورية، وافتعال حروب إتنية وطائفية لا تنتهي، وكل ذلك لضمان أمن «إسرائيل» وتأمين سرقة الثروات السورية، وضرب الوعي القومي أولاً وأخيراً.
أعدوا عدّتهم جيداً ، وحشدوا مئة وعشرين دولة وراءهم، وقادهم ذلك إلى الاقتناع الراسخ بأن الدولة في سورية لن تصمد أكثر من ستة أشهر.
تصوّرهم لسقوط الدولة السريع شجع كثراً على الانخراط في المؤامرة، ذلك أن السقوط السريع الذي تصوّروه لا يحمّل أحداً منهم أيّ تبعة سياسية أو مالية أو عسكرية، وإن هو إلاّ تجارة رابحة حكماً.
فاجأت سورية المعتدين عليها. سورية الشعب والجيش والقيادة. كما فاجأت العالم أجمع، إذ كيف تصمد دولة محاصرة ومتآمر عليها من أقوى تحالف في التاريخ التحالف هو الصهيو ـ أميركي وكيف تصمد وتسقط أوهام المتآمرين وتعيد خلط الأوراق، ليس على المستوى الإقليمي فحسب بل على المستوى الدولي؟!
أوصل الصمود السوري حلف المعتدين الصهيو ـ أميركيّ إلى موقع حافة الهاوية، أي أنه ترك سورية من دون ضرب، قوة لمحور المقاومة يعمل الزمن لمصلحته والهزيمة أمام سورية انتصار استراتيجي لها سيكون له أبعاده خلال الأعوام المئة المقبلة، على المستوى المشرقي والعربي والعالمي. والانتصار على سورية ثمنه أكبر وأعظم بكثير مما كانوا يظنون،
إنهم لا يطيقون انتصار سورية، وهم يدركون جيداً معنى هذا الانتصار من الوجهة الاستراتيجية.
وهم لا يطيقون سورية مرتاحة مزدهرة لأن في ذلك قوة لمحور أخذ يفعل في صيرورة المنطقة برمتها، لذا أخذوا بحرب الضغوط الدولية، الضغوط على الحلفاء.
رأوا في أوكرانيا إمكان إرباك لروسيا، وأوكرانيا عتبة روسيا الجنوبية، علّهم يجرون مقايضة بين أوكرانيا وسورية، من ناحية، ويعمدون إلى محاصرة روسيا ومحاصرة امتداداتها الاستراتيجية على مدى العالم، بتفجير عتبة البيت الروسي من ناحية ثانية.
اليهودي لا يهتمّ بمصير الشعوب والدول، بل يعلم أن حربه على سورية منذ ثلاث سنوات هي آخر حروبه، فإن خرج منها مهزوماً تكون نهاية وجوده بدأت عدّها العكسي، ولأن الأمر كذلك لا يتورع عن إشعال العالم لتحقيق مصالحه. يدرك اليهودي أن الروسي يعتبر مصالحه الاستراتيجية في أوكرانيا أساسية، ولا يرى خطأ إن استفزّ موسكو وأدخلها في صراع مع أوروبا وأميركا. ما يرمي إليه هو سورية الطبيعية، أن تكون له بأرضها وخيراتها، ولا بأس إن كان ثمن ذلك اشتعال العالم.
ما فعله التحالف الصهيو ـ أميركي في أوكرانيا هو ربط نزاع مؤسس على إمكان انفجار دولي، ورغم وجود مثل هذا الإمكان، لم يتورع التحالف المذكور عن اللعب بالنار الأوكرانية، فالخسارة التي ستقع على هذا التحالف، لو تجاوزت سورية محنتها، وخرجت منها، موحدة بأرضها وشعبها ودولتها، خسارة ستخلق تداعيات كما أسلفنا سلبية على الوجود اليهودي في فلسطين.
استنفر التحالف الصهيو ـ أميركي جميع قواه على امتداد العالم وهيأ للضرب في موقعين، أوكرانيا وفنزويلا، ذلك أن الدور الفنزويلي مقرر بالعمق في كامل الاتجاه التحرّري الذي تعيشه أميركا الجنوبية، وضرب هذا الدور ينهي بشكل أو بآخر المدّ الثوريّ التقدميّ الذي أخذ يترسخ كثقافة شعبية لدى شعوب أميركا الوسطى والجنوبية، الثقافة عينها التي تدفع شعوب القارة الأميركية إلى الوقوف بجانب سورية في مواجهتها الحرب اليهودية عليها، سواء على المستوى الديبلوماسي الدولي أو على المستوى المادي.
أميركا المتفوّقة بالنقاط على تحالف البريكس، تدرك أن من الممكن أن تخسر نقاطها الواحدة تلو الأخرى إذا استمرت المعادلات الدولية التي سبقت حرب اليهود على سورية منذ ثلاث سنوات كما هي. وأميركا عينها تدرك أيضاً أنه يعد صمود ثلاث سنوات، وتقدم الدولة السورية في صراعها مع الأدوات الصهيو ـ أميركية في الداخل، لا بد من رفع وتيرة الصراع في الاتجاهات كلّها ، إذ من غير المقبول أن تشهد الأرض السورية انتصار الوعي القومي وانتصار استراتيجيات معادية أخذت تتصدى للأحادية الأميركية بشكل حاسم.
نعتقد أن التحالف الصهيو ـ أميركي لن يتوقف عن الاستمرار في حربه ضد سورية، ولن تكون حربه واحدة في شكلها ومضمونها وموقعها... التحالف الصهيو ـ أميركي، يخوض حرباً استراتيجية، خسائرها استراتيجية ومكاسبها استراتيجية، وعندما تكون المسألة مسألة انتصار استراتيجيات وانهزام أخرى ينبغي توقع كل شيء.
لن تُسلّم أميركا بالنظام الدوليّ التعدديّ إلاّ مرغمة، وإرغامها أمر يتمّ بعد حروب بدأنا نشهد اندلاعها، إضافة إلى سورية، في أوكرانيا وفنزويلا، ومَن يدري غداً أين تشتعل نيران حرب جديدة.
الخطوة الشرسة التي فعلتها الإمبريالية الصهيونية ـ الأميركية في أوكرانيا هي إشارة عن طبيعة هذه الإمبريالية، وعن مشاريعها، وعن خطورة ما ستقدم عليه لاحقاً، كما هي إشارة إلى رعبها من شبح خسارتها الحرب على سورية.
العالم أمام مفترق، إمّا أن تُقرّ الولايات المتحدة الأميركية بالنظام الدولي الجديد المتعدّد الطرف، النظام الذي سيدير مصالح العالم، أو نحن على عتبة حرب عالمية ثالثة.
إني أعتقد جازماً بأنّه إذا ما تركت الولايات المتحدة الأمر لليهود، فإن الحرب العالمية الثالثة واقعة حتماً، فهذا سلوكهم عبر التاريخ.
أو أن تعمد الولايات المتحدة من خلال ثقافتها البراغماتية إلى الإذعان والاعتراف بقيام عمالقة جدد، وبالتالي قيام عالم جديد ستبقى هي فيه الدولة الأعظم.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2179059

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2179059 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 28


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40