الأربعاء 26 شباط (فبراير) 2014

ذكرى دولة الوحدة

الأربعاء 26 شباط (فبراير) 2014 par أمجد عرار

عجيب أمر بعض النخب التي ترفع لواء الثقافة في بلاد العرب . يسمي الواحد منهم نفسه مثقفاً عربياً، ثم حين تناقشه يسخر من العروبة لصالح قطرية فضفاضة ينتهي مفعولها في اللحظة التي يقترب الحديث من شواطئ الطوائف والمذاهب والأحزاب . يسخن هذا الجدل ونحن نطوي بضعة أيام على الذكرى السنوية السادسة والخمسين لإعلان دولة الوحدة بين مصر وسوريا في الثاني والعشرين من فبراير/شباط عام 1958 . تلك الخطوة لها ما لها وعليها ما عليها، لكن أولئك الذين يتناولونها بالتقريع والتجريح، لا يمثّلون حالة النقد العلمي والموضوعي للتجربة، ذلك النقد المستند إلى الحرص على الأمة وتاريخها وهويتها، وعلى الآليات والوسائل التي تسقط العيوب والأخطاء ولا تسقط المبادئ .
صحيح أن الزعيم الراحل جمال عبدالناصر وظّف كثيراً من العواطف وقليلاً من الأسس العلمية، في مشروعه الوحدوي التحرري ولذلك تعثّر، لكنّه كان صادقاً في سياسته العروبية وحريصاً على بناء مشروع وحدوي نهضوي . تلك الصورة ليست في الذهن فحسب، بل لها تجسيد ما زلنا نعيش آثاره حتى اليوم، من خلال مشاريع اقتصادية وتعليمية وثقافية عملاقة في مصر . كما أنه أسس لحالة وجدانية وسياسية جدّدت الأمل وأبقت هدف الوحدة العربية حلماً واقعياً . وإذا كان الافتراض جزءاً من الجدل، فيمكننا العودة إلى ما قبل ثورة 23 يوليو ،1952 وتخيل المسار العربي من دون تلك الثورة، وهنا يمكن الافتراض أن حالة العرب كانت ستسوء أكثر وسيواصل “سايكس بيكو” مفاعيله وانتقاله من الجغرافيا والسياسة إلى الثقافة والتكوين النفسي للأمة .
بعد ثورة 1908 في روسيا، صدرت نداءات تقول “علينا أن نعود قليلاً إلى الوراء كي نقفز بشكل أفضل” . هذا يعني أن تجربة الوحدة المصرية السورية ليست مسلسلاً تلفزيونية ينتهي مع آخر حلقة . وإذا وجد في الأمة العربية من يتقن مراكمة الإنجازات والبناء على ما تحقق وتشذيب المسار من الأخطاء والعيوب، فإن كل تجربة فاشلة أو ناجحة، يمكن اعتبارها لبنة في بناء المستقبل العربي . صحيح أن التحديات كبيرة، وأن أعداء الأمة في الداخل والخارج، لا يسمحون لها بالتقاط الأنفاس والنظر في المرايا التقييمية للتجارب، إلا أن هذه التحديات لن توقف حركة التاريخ التي لها منطقها الخاص غير المستند للرغائب والأمنيات .
مهما يكن من أمر، لن نتعلّم من شجرة يابسة أن زراعة الأشجار خطأ، ولن تمنعنا مركبة منقلبة من مواصلة الطريق، ولن ينجح مثقّف مأجور أو داعية كذّاب، في دفعنا للتقوقع والانجذاب ل “بسوس” عربية بلا حدود . العرب أمة واحدة، سواء أقرّ بذلك هذا الكاتب أو سخر ذاك، فالتاريخ لا يستشيرهم، مثلما هم يسترشدون بجيوبهم وليس بعقولهم . وحدة العرب هي المخرج الوحيد لهم مما هم فيه من مصائب وويلات وذل وهوان، وهي في هذا العصر الموغل في العولمة المتوحّشة، لن تبقى خياراً فحسب، بل ستتحوّل إلى شرط وجودي على قاعدة “نكون أو لا نكون” . علينا أن ننظر إلى أمم وشعوب تتجه للوحدة، وإلى حكومات تستخدم المال والدسائس والبلطجة لفرض وقائع كي تجرّ دولاً إلى حظيرتها، فكيف بأمة واحدة ولغة واحدة وتاريخ عريق؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 15 / 2165946

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2165946 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010