الخميس 27 شباط (فبراير) 2014

الشبكة العنكبوتية ساحات حروب المستقبل

الخميس 27 شباط (فبراير) 2014 par غسان العزي

بعد ربع قرن على وجودها أضحت الشبكة العنكبوتية وسيلة لأهداف معقدة ومتعددة الاشكال والوجوه لاسيما أن عدد مستخدميها بات يربو على المليارين من كل الجنسيات . وقد كشفت “الثورات العربية”، في العام ،2011 عن قدرة التكنولوجيا الرقمية على التحريك والاستنفار في وقت أضحت إدارة الشبكة والتحكم فيها أحد رهانات العلاقات الدولية . وانخرط في “الصراع” على السيطرة على الإنترنت لاعبون حكوميون ومن القطاع الخاص وشركات كبرى ومنظمات غير حكومية وغيرها . وباتت سيادة الدول محل تساؤل أمام نفوذ الأفراد والشركات في الساحة الرقمية الممتدة على مساحة المعمورة .
هذا التساؤل يفرض نفسه إزاء الدول المعتادة على العمل بطريقة مركزية وعمودية وفي الظهور المستجد للشبكات غير المركزية التي تتحرك أفقياً من دون اعتبار للحدود . وعلى عكس الموارد الطبيعية فإن “الموارد الرقمية” لا تقبع في حدود وأراض وطنية ،وبالتالي لاتخضع لمنطق السلطة الكلاسيكي رغم أن الجيوش أخذت تتسلح بمثل هذه الموارد وتستخدمها في عمليات عسكرية .
وقد اتفق ظهور الشبكة العنكبوتية وتطورها مع بداية أفول الغرب وانتقال الثقل العالمي إلى آسيا-الباسيفيك . ولم يعد النقاش حول الاقتصاد الرقمي منحصراً في الدائرة الأطلسية، بل إن روسيا والصين والهند أدركت مكامن علاقات القوة في الفضاء السيبرنيتي فبدأت بالتخطيط للدفاع عن فضاءاتها الرقمية والتأثير في فضاءات الغير . وتتسبب مسألة الأمن المعلوماتي باضطراب في العلاقة الأمريكية-الصينية إذ باتت السيطرة على الفضاء الرقمي أحد الرهانات المركزية في العلاقة بين الجبارين .
ولكن إذا كان الإنترنت يمثل على المستوى الخارجي، رافعة للقوة بالنسبة لموسكو وبكين فإنه يمثل تحدياً حقيقياً لكل منهما على المستوى الداخلي . في الصين بعد حادثة قطاري وانزهو في يوليو/تموز 2011 نجح مئات الآلاف من المدونين على الشبكة العنكبوتية في إحباط جهود السلطات الصينية الساعية للتخفيف من أهمية الكارثة . في روسيا أضحت “شبكة المواطن” لاعباً مؤثراً بقيادة المحامي المدون الكسي نافالني الذي يفضح قضايا الفساد التي تتورط فيها السلطات الروسية، وذلك عبر عدد من المواقع المرتبطة بشبكته واسعة الانتشار . ويبين تعاطي السلطات الصينية مع المدونين عن حنق شديد تترجمه محاولات اسكاتهم، في حين أن روسيا تسمح بمساحة، ولو ضيقة، من الحرية الرقمية . وفي الحالتين يمكن القول إن أشكالاً سياسية جديدة تتبلور عن طريق الشبكة الرقمية وتفرز المزيد من الاضطرابات في العلاقة بين الحكام والمحكومين .
وليس دقيقاً القول إن ثمة صراعاً على المستوى العالمي، بين الدول الديمقراطية والدول الاستبدادية للسيطرة على الشبكة العنكبوتية، فالدول الديمقراطية، كما الاستبدادية، تهتم بتنظيم ومراقبة فضاءاتها الرقمية وبالطريقة نفسها تقريباً . يكفي التذكير بما تقوم به وكالة الأمن القومي الأمريكي، التابعة لدولة ديمقراطية كبرى من حيث المبدأ، من تجسس على الأفراد والدول حتى الحليفة منها ،وهذه كانت فضيحة حقيقية فجرها العميل السابق في هذه الوكالة سنودين الذي حصل على اللجوء السياسي في روسيا .
من هذا المنظور يمثّل دخول لاعبين مثل غوغل وفيسبوك وتويتر وغيرهم على الساحة الدولية مساراً لارجعة فيه إلى الوراء، وهو ما يزيد من حجم التحديات لسيادة الدول .
في الشرق الاوسط يشكل المجال الرقمي إحدى وسائل الدول الساعية للدفاع عن مصالحها . ولكن لا تملك دول المنطقة القدرات نفسها ولا الاستراتيجيات نفسها في هذا المجال . حكومة نتنياهو ،على سبيل المثال، جعلت من الإنترنت أولوية استراتيجية وحركت مبالغ مالية هائلة لتطوير قدراتها الدفاعية والهجومية في هذا المضمار . ووضع “الإسرائيليون” مشروعات عدة لحماية بناهم التحتية المدنية والعسكرية ولتدريب طلابهم وجنودهم .
من جهتها إيران، ومنذ اكتشاف ستوكسنت (فيروسة أضرت بالبرنامج النووي الإيراني وعرقلت تقدمه)، جندت مبالغ كبرى لتعويض تأخرها في هذا القطاع ووضعت عدة بنى تحتية مدنية في تصرف الحرس الثوري ،كما أن الباسيج أنشأ “مجلس الفضاء السيبراني” المتخصص .
من جهتها قامت دول الخليج العربي باتخاذ عدة إجراءات لتحسين طرق حماية بناها التحتية مثل شراء أجهزة متطورة تتيح حماية أفضل للأنظمة المعلوماتية والتعاون في ما بينها عبر مركز إقليمي للأمن المعلوماتي تم إنشاؤه في مارس/آذار 3002 ومركزه في عمان .
والدول ليست اللاعب الوحيد في الفضاء الرقمي في الشرق الاوسط . فهناك جماعات عدة تقوم بنشاطات ملحوظة في هذا المجال من دون أن تهدد سلامة الدول . لكن هناك حركات وأحزاب مثل حماس وحزب الله أو القاعدة تحاول الاستحواذ على قدرات حقيقية لاسيما هجومية في المجال الرقمي . فبمساعدة إيران صار لحزب الله معرفة فاجأت “الإسرائيليين” في حرب يوليو/تموز 2006 . والمنظمات الثلاث المذكورة أعلاه تشترك في ما بينها في أن لها الاستخدام نفسه للإنترنت في خمس مجالات على الأقل مرتبطة بنشاطها: تجنيد وتدريب عناصرها وتمويل تنظيمها والبروباغاندا والاتصال والاستخبارات .
وكان تنظيم القاعدة قد طلب من أنصاره، في العام ،2012 شن هجوم سيبرنيتي كبير ضد البنى التحتية الحساسة في الولايات المتحدة لاسيما الشبكات الكهربائية . وإذا كان هذا الطلب لم يتحقق وقتها إلا أنه يشي بأن الحروب المقبلة، غير المتساوقة، ستكون حروباً سيبرنيتية على الأرجح، ساحاتها الفضاءات الرقمية .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2182193

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

26 من الزوار الآن

2182193 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40