الأحد 2 آذار (مارس) 2014

الحرب على الرق

الأحد 2 آذار (مارس) 2014 par أمجد عرار

كثرت خرائط الطرق منذ أطلق الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش أول خريطة للتسوية على جبهة القضية الفلسطينية، قبل أن تتبخّر الخريطة وتضيّع الطريق . رغم ذلك، ولأن مصدر المصطلح أمريكي، بات كل من يطلق خطة حتى لو لإصلاح موقد حطب، يعلن “خريطة طريق” .
هذه المرّة، تعلن المقررة الخاصة في الأمم المتحدة حول أشكال الرق المعاصرة غلنارا شاهينيان أن موريتانيا ستتبنى هذا الشهر الواقع في السنة الرابعة عشرة من القرن الواحد والعشرين، “خريطة طريق” للقضاء على الرق، في هذا البلد الواقع في غرب القارة الإفريقية التي عانت الاستعمار الغربي صاحب الباع الطولى في استرقاق سكانها .
ثمة معطيات دولية تشير إلى أن قرابة 600 ألف إنسان ما زالوا عبيداً في موريتانيا، أي نحو عشرين في المئة من السكان . أي أن هذه الظاهرة بشكلها الأصلي والحقيقي وليس المجازي لا تزال سارية في بلد المليون شاعر . إذ إن الرق فيها تقليد تاريخي يأخذ شكل الاستعباد اصطلاحاً وواقعاً، بحيث يكون فيه الأرقاء البالغون وأطفالهم مملوكين لأسياد .
الموقف الرسمي والقضاء في موريتانيا يجرمان الرق، والحكومة صدّقت اتفاقات مكافحة الرق، وثمّة محكمة خاصة للنظر في قضايا الرق، لكن هناك شيئاً غريباً يطلق عليه مصطلح “الرقيق المعترف بهم”، وقد سن قانون عام 2007 ينص على منح الحماية لهذه الشريحة . وإذا كانت الظاهرة بمجملها مرعبة، فإن مجرد وجود اعتراف بأحد أشكالها وتقنينه، يزيد من الدهشة والاستغراب .
القوانين أداة إيجابية، لكن فعاليتها مشكوك فيها مالم تسند بعملية تاريخية نشطة على شكل حملات متواصلة ومتلاحقة عنوانها زيادة الوعي وتحويل الرق في أذهان الناس إلى ظاهرة منبوذة ومرفوضة، لأن من شأن ما يرسخ في الوعي أن يتكرس في الواقع، فتصبح السخرة في العمل ظلماً بائناً وجريمة واضحة تتعارض مع الحد الأدنى لإنسانية بني البشر، وتتناقض مع الحقوق الأساسية للإنسان .
هذا يعني أن هناك حاجة إلى إرادة كبيرة لدى القادة السياسيين في الدولة والأحزاب، وجهاز التعليم وجمعيات العمل الأهلي الحقيقية، لمحاربة هذه الظاهرة وصولاً لاستئصالها بأسرع وقت ممكن، ولا بد أن تتحوّل الإرادة الواعية والتوجّهات الصادقة والجادة إلى جهود ضخمة لاستئصال الرق كظاهرة مشينة في القرن الواحد والعشرين .
المهمّة تزداد صعوبة ليس لأن الرق ليس موجوداً على سطح الواقع الموريتاني فحسب، بل لأن التقاليد والعادات في موريتانيا تدعم الرق وعدم المساواة . وإذا كان من شأن دور المنظمات الدولية والأمم المتحدة أن يكون عاملاً مساعداً على قهر هذا الوباء، فإن العامل الذاتي يبقى الأساس، وينبغي الوصول إلى حالة يكون فيها كل موريتاني متنوّر مستعداً لإحداث ثورة شخصية يقود فيها نفسه وغيره على جبهة الرق .
إذا نجحت ثورة كهذه وتوسّعت من الدور الشخصي إلى الفعل العام والشامل، فقد تصل موريتانيا إلى حالة تشبه ما حقّقته جزيرة “غوري” السنغالية التي تحوّلت إلى شاهد على التاريخ الاستعماري الوحشي للقارة السمراء ورمزاً للعبودية والاستغلال البشري، ومن مكان شهد أبشع أشكال الرق إلى مكان للذاكرة وموطن للمصالحة .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2181027

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2181027 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40