الاثنين 3 آذار (مارس) 2014

واشنطن و“حقوق الإنسان”

الاثنين 3 آذار (مارس) 2014 par محمد عبيد

لم تكن واشنطن معنية يوماً بحقوق الإنسان بمفهومها العام وبعدها العالمي، غير القابل للتجزئة أو التقسيم والتصنيف حسب المصالح والأهداف والأجندات السياسية، لكنها مع ذلك “تكحّل” عيوننا بتقارير عن حالة حقوق الإنسان، تستهدف دولاً بعينها أولاً، وتتبع فيها نهج الكيل بمكيالين ثانياً، وتحاول من خلالها ثالثاً، وهذا الأهم إخفاء سوءتها كواحدة من القوى العالمية الداعمة لمنتهكي حقوق الإنسان، والمتورطة في انتهاكات كثيرة .
للقاهرة الحق أن ترفض ما جاء في التقرير الأمريكي حول حالة حقوق الإنسان في مصر، الذي جاء كما لم يكن مستبعداً، فهو حافظ على القوالب ذاتها التي تصوغ الإدارة الأمريكية من خلالها وسائل الهجوم على الدول ومحاولات المساس بسيادتها، ولم يخرج عن نطاق تلك الاسطوانة المشروخة التي يعيدها ويكررها المسؤولون الأمريكيون عما يسمونه “إطاحة حكومة منتخبة”، و“إغلاق فضائيات متهمة بالتحريض” .
ولعل لاستمرار هذه الهجمة الأمريكية المكشوفة أكثر من سبب، على رأسها فشل مراهنتها على البديل الذي كانت تريده لمصر ولدول عربية أخرى، ممثلاً ب“جماعة الإخوان المسلمين” التي وجدت من واشنطن تنسيقاً ولقاءات ودعماً غير مسبوق، وما عناه السقوط المدوي لهذه الجماعة من فشل أمريكي ذريع في فهم المنطقة أولاً، وفي إيجاد الحلفاء “المناسبين” فيها ثانياً، وتضاف إلى أسباب الهجمة الأمريكية على مصر، مسألة توجه القيادة المصرية الجديدة شرقاً، وبدء مرحلة بناء علاقات تحالف وتعاون مهمة مع روسيا، ما يعني فقدانها ورقة ضغط كبرى .
الرد المصري على التقرير الأمريكي كان متوازناً ودبلوماسياً، على عكس التقرير بالتأكيد، فالخارجية المصرية أكدت أن تقرير نظيرتها الأمريكية غير متوازن وغير موضوعي، وشددت على أن التقرير “يعكس رغبة أمريكية بأن تنصب أمريكا نفسها حكماً ومدافعاً وحيداً عن حقوق الإنسان”، وفي هذا توصيف حقيقي للواقع العالمي، لكن التوصيف وحده لا يكفي .
اللغة الوحيدة التي تفهمها واشنطن، هي لغة القوة، ولهجة الند للند، ومع أن ذلك قد يكون مبكراً لمطالبة القيادة المصرية بانتهاجه، خصوصاً أنها قيادة انتقالية، إلا أن بعض الردود القوية تكون ضرورية مهما كانت الظروف والتطورات والمستجدات أمراً داهماً ومصيرياً، ذلك أن الإدارة الأمريكية تدرك تماماً أنه الوقت المناسب لمواصلة الضغط، ومحاولات التدخل والتعدي على السيادة المصرية، في ظل هذه المرحلة الحساسة من تاريخ مصر وشعبها .
على أي حال، لم يكن منتظراً من الخارجية الأمريكية أن تصدر تقريراً يتحدث بموضوعية عن حقوق الإنسان، لا في مصر وحدها، بل في مختلف أنحاء الأرض، ولو أننا نظرنا إلى جارة مصر الشرقية، فلسطين المحتلة، لوجدنا أن الاحتلال “الإسرائيلي” يرتكب أبشع الجرائم بحق الإنسانية، ويمارس انتهاكات بحق البشر والتاريخ والمقدسّات، من دون أن يكون لباراك أوباما وإدارته موقف تجاه الأمر، غير نهجهم الثابت طبعاً، في دعم كيان العنصرية والتوسع والتهويد، وتبني جرائمه وتبريرها .
ليس منتظراً أيضاً أن تغير الولايات المتحدة سياستها تجاه مصر في المدى المنظور، فالواضح أنها ترى علاقات مفقودة، ونفوذاً ضائعاً، وتدخلاً منحسراً، في الساحة المصرية، وكونها لا تؤمن بعلاقات الاحترام والندّية، فإنها لن تحاول تغيير توجهاتها .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 31 / 2181842

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

7 من الزوار الآن

2181842 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 8


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40