الاثنين 12 تموز (يوليو) 2010

في ضرورة التنمية المستقلة

الاثنين 12 تموز (يوليو) 2010 par د. كمال خلف الطويل

تضاحك عرب العولمة حتى انقلبوا على قفاهم وهم يسخرون من «متخشبي القومجية»، لرفعهم هدف التنمية المستقلة واحداً من أهداف ستة لمشروعهم النهضوي الوحدوي.. بل وأمضوا دزينة من السنين وهم يرفعون عقيرتهم تسفيهاً وتسخيفاً لمنطوق الاستقلال التنموي، ويشقّون جيوبهم غضباً من دعاته ومناصريه ... مزينين لنا وللعالمين مباهج الالتحاق بمنظمة التجارة العالمية، والانصياع لوصفات صندوق النقد الدولي، واشتهاء نيل رضا البنك الدولي، وفتح أبواب البلاد على مصراعيها لدخول وخروج رؤوس الأموال المحلية منها والعالمية، وتيسير استحواذ رأس المال الأجنبي على أصول البلاد ومواردها.. فكلها عرابين الموعود الذي سيمطر على العباد حبّات الرخاء ويسبغ عليهم آيات البحبوحة.

تعريفاً يحسن بعربنا هؤلاء أن يدققوا بتعريف العولمة : إنها حرية انسياب السلع والخدمات والأموال والبشر بين الدول من دون عوائق.

في التطبيق حُذف البشر من التعريف لتنتصب أمامهم سدود المنع على الحدود والشواطئ، حرصاً على «بياض» أوروبا وأمريكا وعدم تلوثها فوق منسوب مضبوط بجائحة الإسلام.

وأما الأموال فقد أخذت وجهتها سوق السندات الغربية وبالأخص الأمريكية لتشكل رافعة الإنفاق الأمريكي الرئيسية - مع الضرائب فيما يمّمت أموال غربية وجهة العالم الثالث بل والثاني شرق أوروبا مثلاً لتشتري أصولاً ثابتة، سواء مباشرة أم عبر صلات وصل مع أتباعها من كمبرادور مركنتيلي محلي وبأبخس الأثمان، ثم تنزح أرباحها من دون عوائق تذكر، كما حفلت به وقائع أزمة النمور الآسيوية 97.

لقد صكّت الرأسمالية الأمريكية عقد تقسيم عمل عولمياً منذ زيارة دنج هسياو بنغ واشنطن عام 78، عزمت بموجبه على نقل صناعاتها كثيفة العمالة وغير الصديقة للبيئة إلى الصين - وقبلها ومعها وبعدها إلى باقي شرق آسيا ثم جنوب آسيا ثم شرق أوروبا - معطوفاً على استقبال عوائدهم المستجدة والمتعاظمة لتصب في محفظة السندات الأمريكية.

ثم توالت هجرة مصانع الغرب شرقاً مع اتساع بيكار طيفها ليشمل حتى «النظيفة» منها كالمعلوماتية، وطالما الأجور في مستقرّات الشرق لا تصل عشر معشار سويّاتها في الغرب.

بذا يتم تعظيم أرباح أمريكا الشركات (وهي حاكم البلاد)، وتمويل «حكومتها» لتنفق على مجمع الشركات - ان دعا الداعي -، فضلاً عن قطاعه الصناعي العسكري على الدوام، وقطاعي الخدمات والبيروقراطية.

نأتي الاّن إلى السلع والخدمات : لنجد كيف أن استهلاك الطاقة وجلّها مستقر في عالم الإسلام هو في يد المستهلك عشرين ضعفاً عن منتجه، سواء لجهة التسعير (أمثلة 76 و86 تخفيضاً، و2008 رفعاً، ضمن عديد من الامثلة)، أم لجهة التبعية (الخليج كأسطع مثال)، أم لجهة الصراع عليه (قزوين وافريقيا).

ثم أمامنا الفارق المهول في الأسعار بين خامات الجنوب ومنتــجات الشــمال (من نتاج شركاته المبثوثة في الغرب أم خارجه).

كل ذلك كان جليّ القسمات عشية 2008، لكن مكابرة الليبرال العربي أشاحت بوجهها عن قراءة المنقوش بأحرف بارزة على الجدار.

والطريف أن تلك المكابرة تواصلت وإن بخفر وحيرة - مع بدء الزلزال المالي خريف ذلك العام، رغم أن شدّته جرفت مع مهول ما جرفت خرافة تلك العولمة بما عناه بها الأطالسة وألقت بها في سلة مهملات الأمم.

نعم ليس للعرب من سبيل إلا التنمية المستقلة.. ليس في هذه المقولة أي انقطاع أو نأي عن العالم، فهذا فوق طاقة أحد منذ منتصف القرن العشرين.

والتنمية المستقلة هي بالقطع - القومية لا القطرية، إذ لا مكان لقطر بمفرده في لجّة الاقتصاد الدولي، ولا بديل لأقطار العرب عن التكتل في منظومة اقتصادية موحدة تقوم على جملة قواعد منها :

1- الاعتماد المتبادل والمتكامل بين الأقطار : خامات ومصنّعات ووسائل نقل واتصال وتجارة بينية وسياحة واستثمار.

2- حظر الاستثمار الأجنبي في مجالات الاقتصاد العربي، إلا في قطاعات محددة تقتضي الضرورة السماح باستثمار أجنبي محدد فيها، وبمشاركة الدولة المعنية.

3- تأميم المصارف وشركات التأمين الكبرى، مع فرض رقابة تجمع بين الحزم والمرونة على النقد الأجنبي.

4- اعتماد التخطيط المركزي سبيلاً لترشيد منهجي لعمليات الإنتاج والتوزيع والخدمات والادخار، ينسّق ما بين القطاعات العام والمشترك والخاص والتعاوني في أوركسترا عزف واحدة.

5- إرساء أمتن الوشائج الاقتصادية مع محيط العرب الإقليمي : إيران وتركيا وإثيوبيا، وخلفها آسيا وافريقيا، ومعها روسيا (معاهدة شنغهاي مثالاً).

التنمية المستقلة تستلزم بالضرورة استئصال قوى التبعية العربية، التي تعدُل في سميّتها، بل وتفيض عن الصهيونية وعن سيّد الجمعين.. أي أشاوس الإمبراطورية.

لقد أضاعت 3 تريليونات دولار من ثروة الأمة منذ 2005 لتاريخه في مشوار سفَه لا نظير له في تاريخ الأمم، جمع النهب الفاجر والمنظم على سلاح مشترى بلا أدنى داعٍ، على ايداعات لدى السادة يستعيدون عبر عوائدها ما دفعوه لشراء خاماتها.. أي الأمة.

ينضاف هذا التبديد المتراكب فوق نهب منظم الى سلفه المتهادي ما بين منتصف سبعينات القرن العشرين وحتى منتصف ثمانيناته حين طارت 3 تريليونات دولار وحطّت في جيوب «التبعيين» وسادتهم.

ولعل نظرة طائر فوق الوطن العربي تمتد من زاوية 1970 سنة أساس وصولاّ الى 2009 سنة كارثة تري الناظر مشهداً مريعاً لما حفل به من املاق للأمة ونهب صارخ لثرواتها ونكوص بعملية التنمية، التي انطلقت عارمة منذ عام 1957، الى قاع صفصف من فوارق فلكية بين الطبقات، وتمركز مستحوذ للثروة في يد 0.5 % من خلق الله.

والطريف أن سفههم تماهى لحد الاسفاف مع طروحات معبوديهم حول الاقتصاد «الجديد» وانتاج المعرفة وكل هذا اللغو الذي أوصل الرأسمالية الغربية لحافة الانتحار.

ليس من تجنٍ القول ورغم مخاطر التعميم، ومع نفوري من اطلاق الأحكام القيَمية على عواهنها أن رأسمالية ما بعد حرب اكتوبر «العربية» هي في جملتها غير وطنية.. التحاقية.. تابعة.. طفيلية، بل ولا تستحق وصفها بالرأسمالية كما عهدناها مع طلعت حرب وسيد ياسين ووهبي الحريري ومحمد الدبس وعثمان النوري ونوري فتاح، بل وحتى أحمد عبود ونشأت شيخ الأرض.

هم سرّاق أمة ونهّابوها يحسبون أن مالهم أخلدهم، فيما الحق أن الزلزال، الذي مازلنا في أطواره الأولى، سيكون خميرة مسرّعة في انهيار تلك القوى ضمن باقي الجروف ....

والله أعلم.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 34 / 2177248

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع ملفات  متابعة نشاط الموقع قضايا اقتصادية   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

6 من الزوار الآن

2177248 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40