السبت 8 آذار (مارس) 2014

أيباك نتنياهو أو نتنياهو أيباك

السبت 8 آذار (مارس) 2014 par علي عقلة عرسان

في المؤتمر السنوي لأيباك 2ـ 4/3/2014 قال نتنياهو “إنه آن الأوان ليقرَّ العرب عامة والفلسطينيون خاصة بحقيقة إسرائيل التاريخية التي تعود لثلاثة آلاف سنة؟! وزاد في الطين بلة فقال: “إن اليهود ودولتهم يمثلون الخير في منطقة الشرق الأوسط”؟! ولا أخفي أنني شعرت بالإقياء، لأن هذا الشيء المسمى نتنياهو لا يتجرأ على الأخلاق والتاريخ والبشر فقط، بل يتجرأ على كل قيمة فاضلة وكل حقائق الواقع في الحياة فيتعامل معها بجهل وغطرسة وعنصرية قذرة هي سمات صهيونية راسخة، ويلوث التاريخ والوجود بوجوده بشرًا بين الناس”!!
إن العودة إلى التاريخ تشير إلى أن العربي الكنعاني هو الذي “تأزَّل، على غرار تأبَّد” في سوريا الطبيعية، بلاد الشام، التي تقع فلسطين في الجزء الجنوبي الغربي منها، وفي ذلك التكوين قبائل عربية ذكرها التوراة الذي يفترَض باليهودي أن يعرفه!!.. وأن اليهودي الذي خرج مع موسى عليه السلام في الربع الأخير من القرن الثاني ق. م هربًا من فرعون وخوفًا، وتاه في صحراء سيناء أربعين سنة، ولم يبق مخلصًا في أثناء ذلك التيه على رسالة موسى بل عبد عجل السامري، ثم راوغ بين الموسوية المدرجة وصاياها العشر في لوحين هشمهما موسى في ثورة غضبه على أخيه هارون لأن بني إسرائيل ارتدوا إلى الوثنية في غيابه، وبين الوثنية وعبادة الأصنام بأشكال وأشكال. وقاد موسى اليهودي من صحراء التيه “سيناء” باتجاه الجزء الجنوبي من سوريا الطبيعية، ومات في الطريق ولم يبلغ أرض فلسطين.. وبعد موسى قاد اليهود يشوع بن نون، ودخل أرض الكنعانيين محاربًا أهلها وكانت كما جاء في توراتهم المحرفة على لسان الرب: “.. وأعطيتكم أرضًا لم تتعبوا فيها ومدنًا لم تبنوها فأقمتم بها وكرومًا وزيتونًا لم تغرسوها وأنتم تأكلونها فاتقوا الرب واعبدوه بكمال وإخلاص وانزعوا الآلهة التي عبدها آباؤكم في عِبرِ النهر وفي مصر واعبدوا الرب.” العهد العتيق ـ سفر يشوع ـ صـ402
وقد دخل يشوع جنات الكنعانيين وأرض الحضارة دخول الرعاة الهمج مبتدئًا بإحراق أريحا وقتل البشر والحيوانات وتدمير المدينة، وتابع مع قومه المتخلفين ممارسة التخريب واللصوصية وتلويث البيت المدني الكنعاني .. ودافع الكنعانيون هناك عن مدنهم وقراهم ومزارعهم، وبقيت الحرب بينهم وبين قوم يشوع سجالًا لعقود وعقود من الزمن، ولم تقم لهم في فلسطين “دولة مدينة”، كما هو عرف ذلك الوقت، إلا مدة سبعين سنة تقريبًا هي مدة حكم داود الذي اقتحم حصن “قلعة” اليبوسيين العرب في يبوس “وهي القدس اليوم”.. “.. وسار الملك ورجاله إلى أورشليم إلى اليبوسيين سكان الأرض فكلموا داود وقالوا إنك لا تدخل إلى هنا حتى لا تبقي منا أعمى ولا مقعدًا أي لا يدخل داود إلى هنا فأخذ داود حصن صِهيون وهو مدينة داود ومنَّى داود في ذلك اليوم كل من يقتل يبوسيًّا وكل من يبلغ إلى القناة وإلى أولئك العرج والعمي المبغَضين من نفس داود. فلذلك يقولون لا يدخل البيت أعمى ولا أعرج وأقام داود في الحصن وسماه مدينة داود وبنى داود حوله من مِلُّوِ فداخلًا” العهد العتيق ـ سفر الملوك الثاني ـ صـ526 .. ولم يخرج اليبوسيون العرب وهم فخذ من الكنعانيين ومعهم قبائل عربية أخرى لم يخرجوا من: يبوس، أور سالم أو أورشليم، أيلينا كابيتولينا، القدس..” مطلقًا، وفعل مثل ذلك الكنعانيون الآخرون في فلسطين: “.. وأما اليبوسيون سكان أورشليم فلم يقدر بنو يهوذا على طردهم فأقام اليبوسيون مع بني يهوذا في أورشليم إلى هذا اليوم.” العهد العتيق ـ سفر يشوع ـ الفصل الخامس عشر ـ صـ387ـ 388..
وخلف بعد داود ابنه سليمان على ما سمي يهوذا والسامرة، وانتهت دولته ودولة أبيه في حوالي 923 ق.م ولم يكن اليهود أساس قوة دولة سليمان الوحيدة فقد كان معه من الكنعانيين والآراميين الكثير، وهكذا لم تدم دولة “يهودية في فلسطين” على ما سمي يهوذا والسامرة أكثر من خمس وسبعين سنة تقريبًا.. وبقي من بقي من يهود في فلسطين أشتاتًا يمارسون الإرهاب إلى أن سباهم الفرس وأبعدوهم إلا قليلًا منهم، إلى فارس، ثم طرد من عاد منهم إلى فلسطين من السبي الفارسي بدفع من كورش الذي أعلن لهم ذلك، وربما يدخل ذلك في الوقائعية التخيلية لقصة إستر اليهودية زوجة هامان وملكة فارس”، التي أعطيت هالة قدسية؟! أنظر مايكل فوكس وكتابه عن إستر.. ولليهود أساطير وخرافات أكثر من أن تحصى ألبسوها لبوس المقدس؟! أقول طرد اليهود من “ايلينا كابيتولينا أو ايليا كابيتوليا Aelia Capitolia ـ القدس” على يد الإمبراطور هدريان الروماني پوبليوس أيليوس ترايانوس هارديانوس Publius Aelius Traianus Hadrianus الذي قضى على عصابات يهودية إرهابية بقيادة باركوخبا Bar Kochba (132-135م) في فلسطين، ومنع اليهود من دخول مدينة القدس التي حملت اسم أيليا حتى الفتح العربي ـ الإسلامي لولاية سوريا الفلسطينية Syria Palaestina. حسب التسمية الرومانية حيث كان هدريان إمبراطورًا على سوريا .. وقد انقطعت صلة اليهود بفلسطين، إلا من مقرَّين أو ثلاثة مقرات كهنوتية .. واستمر ذاك بصورة تامة مدة تزيد على ألف وخمس وعشرين سنة، كان من ضمنها السنوات التي شهدت تسلم الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه عام 15هـ لمفاتيح القدس من مطرانها صفرونيوس الدمشقي الذي طلب من عمر ألا يساكن المسيحيين في القدس يهودي، وقد تتضمن العهدة العمرية ذلك .. ولم يسمح لليهود بدخول القدس وسكنى فلسطين إلا بأمر من الفاتح صلاح الدين الأيوبي الذي حرر القدس وبلاد الشام من الغزو الصليبي سنة 583 هـ/1187م).
ومن جاء من اليهود إلى فلسطين بعد مؤتمر بال/بازل بسويسرا 1897 جاء في الإطار الاستعماري المستهدِف للشعب الفلسطيني بقوة الشر ووسائل الإرهاب، وتمهيدًا لوعد بلفور 1917 الذي عمل الصهاينة على استصداره منذ ذاك المؤتمر، ومن ثم تتابع مجيئهم بعد صدوره وتولي الاستعمار البريطاني تنفيذه بغطاء من عصبة الأمم، وهو مخطط استعماري واسع بدأ التفكير فيه في عام 1861 تقريبًا لفصل عرب آسيا عن عرب إفريقيا بزرع كيان يهودي يخلص الأوروبيين من شرورهم ويصب تلك الشرور على العرب وتصبح فلسطين قلعة استعمارية متقدمة يحميها الغرب. وتم تنفيذ وعد بلفور المشؤوم بمخطط استعماري بريطاني ـ فرنسي قسمت بموجبه سوريا الطبيعية إلى أربع دويلات حسب معاهدة سايكس ـ بيكو 1916 لتكون فلسطين وطنًا قوميًّا لليهود، على حساب سكانها الأصليين من العرب الكنعانيين وأحفادهم ومن كان يقيم في القدس وفلسطين من القبائل العربية “بمسلميهم ومسيحييهم” .. وهذا كله من وقائع التاريخ التي أشرت إلى بعضها بنصوص من التوراة ذاتها، أما ما يتصل بالتاريخ الاستعماري الغربي الحديث فوثائقه أكثر من أن تحصى فيما يتعلق بالحديث عن القدس وعن وقائع كثيرة في فلسطين جُلب إليها اليهود من أصقاع العالم ليتم تنفيذ ذلك بحماية ورعاية غربية وشرقية في آن معًا، حيث كان الفارق بين اعتراف الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفييتي بكيان الدولة الصهيونية دقائق قليلة فقط، ورقص ممثلو البلدين مع الوفد اليهودي في أروقة الأمم المتحدة فرحًا بتكريس الشر والإرهاب والعنصرية دولة في فلسطن وعلى حساب شعبها..
وإن معظم من جاؤوا إلى فلسطين بحماية الاستعمار من اليهود، لا سيما في أثناء الحرب العالمية الثانية وما بعدها، هم من يهود الخزر “الأشكينازيم” الذين انتشروا في أوروبا الشرقية على الخصوص وفي الدول الأوروبية الأخرى بعد حروب مع البيزنطيين والقياصرة، و”قد سقطت إمبراطورية الخزر حينما قام سفياتوسلاف الأول، دوق كييف، بهزيمة جيوشهم في عام 965.”، ولا صلة لشذاذ الآفاق أولئك بأسباط بني إسرائيل الذين قضى معظمهم في التيه وما تلاه، ولا بحروب يشوع بن نون ومن تلاه وبدولة داود وسليمان وبما تتالى بعدها من أحداث السبي والنفي، ولا بفلسطين بطبيعة الحال .. وما هذا “النتنياهو” الذي يتحدث عن التاريخ والخير إلا من يهود الخزر أولئك الذين اختاروا الدخول في اليهودية عام 740م تهربًا من دفع الجزية للمسلمين الذين غلبوا على أمرهم في تلك البلاد، حيث تهود ملكهم فتهودوا .. وقد فصَّل في تاريخهم وتكلم عن جذورهم اليهوديُّ آرثر كوستلر في كتابه “القبيلة الثالثة عشرة”، إشارة منه إلى إضافتهم إلى الاثني عشر سبطًا من أسباط بني إسرائيل .. ومعظم ما ذكره اليهود في تاريخهم مشكوك فيه ومدخول بالخرافات والأساطير وفي المكذوب والمشوه من الوقائع والحقائق.
أما حديث نتنياهو أمام مؤتمر أيباك الصهيوني العنصري المتطرف في عدائه للفلسطينيين والعرب والمسلمين، الذي يخشاه كل صاحب كلمة حق وشرف وإنصاف في الولايات المتحدة الأميركية، لأنه ساقط في أساليبه ووسائله وفي مستواه الأخلاقي القائم على “الغاية تبرر الوسيلة” في إيذائه كل من يقول كلمة حق تفضح إسرائيل وممارساتها غير الأخلاقية وغير الإنسانية، وكلامه عن أن دولته التي “تمثل الخير في منطقة الشرق الأوسط”؟! فهو أوهى ادعاء يقدمه شخص مسؤول وأبعد الكلام عن الحقيقة وأدخله في الافتراء، وليس هذا بغريب أو مستغرب من شخص أستاذه العنصري برنارد لويس، ومستشاروه من فصيلة دانيال بايبس، ونظراؤه من أمثال باروخ جولدشتاين وأفيجدور ليبرمان، ومن فلاسفته الإرهابي الصهيوني برنارد هنري ليفي المتنقل من فتنة إلى فتنة .. والقائمة تطول وتطول عندما يتعلق الأمر بنتنياهو وأشباهه .. الذي لا نرى فيه إلا الشر مثلث الشعب، ولا في أفعاله سوى العدوان وممارسات عصابات “إسرائيل”، وإرهابها المترسخ في التكوين الفردي والجمعي منذ التأسيس وإلى يوم الناس هذا، ويمكن أن نرى في تلك العصابة إلا دولة الإرهاب المحمية بإمبراطورية الإرهاب الأميركية الأكبر التي لا تتقن سوى التمييز العنصري وإبادة والإرهاب والعقوبات والمعتقلات السيئة الصيت مثل جوانتانامو وأبو غريب وباجرام.. إلخ، وليس في سياساتها سوى مفهوم محاولة إخضاع الآخرين والتآمر عليهم؟!
قال نتنياهو لأيباك “أنا جئتكم برسالة من القدس الموحدة الى الأبد” وفي هذا قضاء على كل أمل في سلام مع مفاوضين فلسطينيين له يقولون بالقدس عاصمة لدولة فلسطين المنشودة، ولقي كلامه ذاك هتافًا وتصفيقًا من جمهور أيباك المعادي للسلام؛ وقال نتنياهو: “أنشأت إسرائيل مستشفى ميدانيا للجرحى السوريين، وأنه زاره وتحدث إلى سوريين”، وفي ذلك تعبير صريح عن مشاركة في العدوان على سوريا والتدخل الإسرائيلي في الشأن الداخلي السوري، ولقي هذا أيضًا هتافًا وتصفيقًا، وقال: “إن العالم كله يطرق باب إسرائيل التي هي الأفضل في العالم”، ولا يوجد أكذب من ذلك الادعاء ولا أوقح منه .. ولقي كلامه رعدًا في القاعة وصراخًا إعجابيًّا من ممثلي أيباك: “لن نتخلى أبدا عن أمن إسرائيل..”؟! وكل ذلك الكذب والدجل والادعاء والمضي في لغة الغطرسة والعدوان والاستعمار والاستيطان واحتلال أرض الآخرين، وتعزيز مواقف دولة السجون والمعتقلات التي يبقى فيها المعتقل الفلسطيني ثلاثين سنة وأكثر لأنه دافع عن نفسه وطلب الحرية، وتلد النساء الحبالى فيها أولادهن فيسجنون معهن، ودولة نهب أرض الشعب الفلسطيني وخيرات وطنه وحرية أبنائه وحقهم في تقرير مصيرهم في وطنهم التاريخي فلسطين .. دولة الإبادة المنظمة البطيئة والقهر المستمر.. إلخ تلقى تأييدًا من لوبي عنصري يخشاه المسؤولون الأميركيون لنذالة منتسبيه وسقوط أساليبهم واستباحتهم لكل فعل يؤدي إلى هيمنتهم الشريرة على القرارات والمؤسسات؟! .. وهذا أمر يدعو إلى العجب والاستغراب والاستهجان، ويرى فيه حتى بعض اليهود العقلاء من أمثال جدعون ليفي سقوطًا لنتنياهو ودولته ولكل ادعاء بالأخلاق والحق والسلام تقول به..



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 49 / 2165424

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165424 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010