الأحد 16 آذار (مارس) 2014

فلسطين: الانفجار الشعبي حتمي . . لكن

الأحد 16 آذار (مارس) 2014 par علي جرادات

رغم استئناف المفاوضات الفلسطينية “الإسرائيلية” في نهاية يوليو/ تموز الماضي شددت حكومة نتنياهو الحصار المفروض على قطاع غزة، ووسعت الاعتداءات العسكرية عليه، وكثفت إجراءات مصادرة أراضي الضفة واستيطانها وتهويدها . هذا عوضاً عن التصعيد غير المسبوق في وتيرة تهويد القدس والاعتداء على مقدساتها ومحاولة السيطرة عليها أو تقسيمها على الأقل . بل ولم يمنع استئناف المفاوضات الأجهزة العسكرية والأمنية “الإسرائيلية” من تكثيف عمليات الاعتقال والاستدعاء والتنكيل التي لم ينجُ منها حتى الأطفال، أو من تصعيد سياسة الاغتيال الإجرامية التي طالت حياة نحو 50 مواطناً فلسطينياً .
هنا ثمة من يعزو هذا التصعيد الميداني إلى رغبة حكومة نتنياهو في جر الفلسطينيين إلى جولة جديدة من الصراع الدامي لتحميلهم مسؤولية فشل المفاوضات . ربما يكون الأمر كذلك في توقيته وبعده التكتيكي . لكن المؤكد هو أن فائض عنجهية هذه الحكومة الصهيونية يعميها ويغرقها في أوهام الاعتقاد بإمكان الفصل إلى ما لا نهاية بين المفاوضات والتصعيد الميداني الذي يفرغها من كل مضمون، ويحولها إلى مجرد غطاء لجرائم الاحتلال المتصاعدة، بل والاعتقاد أن بوسع التمادي في ارتكاب جرائم الحرب الموصوفة سيفضي إلى ردع الفلسطينيين “وكي وعيهم” المقاوم بالمعنى الشامل للكلمة . وهذه فرضية صهيونية قديمة جديدة ثبت بطلانها، حتى إن أوساطا سياسية وعسكرية وأمنية وإعلامية “إسرائيلية” ما انفكت تحذر أركان حكومة نتنياهو من مغبة التعلق أكثر من اللازم بأهداب هذه الفرضية . ما يعني أن التصعيد الميداني إن هو إلا صدى لصوت سياسة يحركها تشدد أيديولوجي صهيوني تعكسه وتكثفه التصريحات العلنية المتلاحقة لأركان حكومة نتنياهو الذي لخص الأمر برمته في آخر تصريح له حيث قال: “لن أوافق على أي اتفاق لا يتضمن إسقاط حق العودة للاجئين الفلسطينيين والاعتراف ب”إسرائيل“”دولة للشعب اليهودي“، ولن تعرض حكومتي مثل هذا الاتفاق على الاستفتاء الشعبي” . وكأن إسقاط حق العودة لا يعني تصفية جوهر القضية الفلسطينية أو أن الاعتراف ب“إسرائيل” “دولة للشعب اليهودي” لا يعني التسليم بجوهر المشروع الصهيوني وبما فرضه على الأرض من حقائق .
لكن حكومة نتنياهو الغارقة في أيديولوجيتها الصهيونية وفرضياتها الواهمة تتجاهل أن هذا التصعيد السياسي وما يفرزه من تصعيد ميداني غير مسبوق قد حول الحالة الشعبية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 إلى حالة مرجل يغلي أو إلى حالة بركان ينتظر شرارة الانفجار . فالهبات الجماهيرية المتلاحقة خلال السنوات الثلاث الماضية بما صاحبها وتوالد عنها من أعمال مقاومة متنوعة واشتباكات ومسيرات وتظاهرات واعتصامات ومظاهر احتجاج حاشدة تنذر بانفجار شامل وتدل على أن تيار مقاومة الاحتلال بالمعنى الشامل للكلمة يتدفق بغزارة في أوصال وعروق الحالة الشعبية، وعلى أن تمييع الحالة الجماهيرية عوض تصليبها إنما يعود إلى هبوط مواقف القوى السياسية الوطنية المنظمة، عموماً، وإلى الانقسام الداخلي المدمر، خصوصاً . ما يعني أنه يمكن إرجاء الانفجار الشعبي الشامل أو تمييع مقدماته الماثلة في الهبات الجماهيرية المتلاحقة، أما أن يتم إبطال مفاعيله أو التحكم بها والسيطرة عليها إلى ما لا نهاية فأمر غير ممكن . أما لماذا؟
لئن كان العامل الذاتي متمثلاً في انقسام الحركة الوطنية الفلسطينية وتدني مواقف بعض نخبها القيادية هو ما يحول دون حدوث الانفجار الشعبي الشامل، فإن العامل الموضوعي متمثلاً في سياسات الاحتلال التي تستبيح فلسطين شعباً وأرضاً وحقوقاً وكرامة هو المحرك الأساس والعامل الأهم لتحويل الحاصل من هبات جماهيرية إلى اشتباك واسع وممتد ومتصاعد . فالاحتلال لا ينفك يترجم يومياً سياسة مخططة لمصادرة الأرض واستيطانها وتهويدها وتفريغها وسرقة مياهها، عوضاً عما يرتكبه بصورة يومية أيضاً من تقتيل واعتقال واغتيالات وإذلال ومسّ بالكرامة، واعتداءات على الممتلكات والحقول، وتدمير البيوت، وإتلاف المزروعات، وتقييد الحركة والسفر، واستباحة المقدسات، ومحاولات سن قوانين السيطرة عليها وتهويدها وتغيير معالمها وتقسيمها . بل ما انفك يمارس كل ما من شأنه تفكيك أواصر الشعب الفلسطيني وضرب هويته وتدمير ميكانيزمات وجوده وتطوره وتنميته، وتعزيز إجراءات إلحاقه وتغذية استمرار انقسامه الداخلي . وكل هذا وكثير غيره لم نأت عليه إنما يضع الحالة الفلسطينية على عتبة انفجار شامل تقدم الأمر أو تأخر، ويجعل كل مقاربة خارج هذا السياق مقاربة قاصرة تتجاهل سيان بوعي أو بجهالة الحالة الشعبية الفلسطينية السائدة في الأراضي المحتلة عام 1967 تحديداً تشبه إلى درجة كبيرة نظيراتها في فترة ما قبل الانتفاضة الشعبية الكبرى عام 1987 وهبة النفق المسلحة عام 1996 وانتفاضة الأقصى عام 2000 .
بل إن كل مقاربة خارج هذا السياق هي قراءة ذاتية تتجاهل أن سياسات الاحتلال وممارساته على الأرض هي ما يحدد في نهاية المطاف توقيت اندلاع الانتفاضات الشعبية الفلسطينية وطبيعتها ومداها . هذا عوضاً عن أن الاحتلال “الإسرائيلي” هو أسوأ احتلال في التاريخ . فهو عنصري ينكر وجود شعب فلسطين وحقوقه . وهو إقصائي لم يتردد في التخطيط لإزاحة هذا الشعب من التاريخ والجغرافيا والسياسة حيث نفذ تطهيراً عرقياً دموياً شاملاً في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام ،1948 وتطهيراً عرقياً جزئياً مشابها شمل نصف سكان الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 . وهو ما انفك يتمسك بلاءاته الصهيونية التعجيزية ويرفض كل تسوية سياسية للصراع تلبي الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية . ما يعني أن هذا الاحتلال لن يرحل إلا إذا تحول مشروعه إلى مشروع خاسر بالمعنى السياسي والبشري والاقتصادي والمعنوي والأخلاقي . وهو الأمر المساوي للقول: إن خيار المقاومة الفلسطينية بالمعنى الشامل للكلمة لم يكن يوماً خياراً ذاتياً، إنما خيار مفروض ودائم تتغير أشكال التعبير عنه ومستويات تجليه ووتائر تقدمه أو تراجعه في هذه المحطة أو تلك . وبتكثيف وإيجاز شديدين التصعيد السياسي والميداني غير المسبوق لحكومة المستوطنين بقيادة نتنياهو يجعل الانفجار الشعبي الفلسطيني الشامل حتمياً تقدم الأمر أو تأخر، ما يفرض على القوى السياسية الفلسطينية المنظمة بألوانها وبمستوياتها الشعبية والرسمية التهيؤ والتوحد سياسياً وميدانياً لتلبية استحقاقاته .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 10 / 2165452

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165452 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010