الاثنين 24 آذار (مارس) 2014

اجتماع في حدود التوقع

الاثنين 24 آذار (مارس) 2014 par عوني صادق

الاجتماع الأخير الذي جمع الرئيس الأمريكي أوباما برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، جاء ضمن التوقع، ولم يخيب ظنون الذين تابعوا سير المفاوضات التي استؤنفت قبل حوالي تسعة اشهر برعاية أمريكية . ففي هذا الاجتماع لم يقل أي من الرئيسين أي جديد، بل لم يقل أي منهما كلمة واحدة لم يكن كررها مرات في الأسابيع الأخيرة التي سبقت الاجتماع الذي أعطيت له أوصاف عدة، فقيل إنه “الاجتماع الأصعب”، و“اجتماع الفرصة الأخيرة”، و“الحاسم” . . الخ .
لم يحسم هذا الاجتماع أي أمر حتى اللحظة، وإن كان قد حسم أمراً فهو أن النتيجة الوحيدة التي وصلت إليها مفاوضات الشهور التسعة هي “تمديد المفاوضات” . فبينما كرر فيه أوباما طلبه “اتخاذ قرارات صعبة” للتوصل إلى “اتفاق سلام”، جدد فيه عباس “التمسك بالثوابت” ملمحاً إلى أنه سيقبل بتمديد المفاوضات ورابطاً ذلك بقضية إطلاق سراح الدفعة الرابعة من أسرى ما قبل أوسلو، على أساس أن إطلاق سراحهم دليل على “جدية” الحكومة “الإسرائيلية” في سعيها للتوصل إلى اتفاق . في هذا الوقت كانت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية قد رفضت، في بيان صدر بعد اجتماع عقدته برئاسة عباس، تمديد المفاوضات بل وطالبت بإنهائها، إن لم توافق حكومة نتنياهو على تجميد الاستيطان ولم تتراجع عن شرط الاعتراف ب “يهودية الدولة” .
كان تمديد المفاوضات هو الهدف “الإسرائيلي” الوحيد الحقيقي الذي سعت إليه حكومة نتنياهو مبكراً، عندما بدأ الوقت ينفد دون الاتفاق على أي من قضايا “الحل النهائي” التي وعد وزير الخارجية الأمريكي بحلها قبل نفاد المهلة التي حددها . لكن تصريحات عباس والناطقين باسمه كانت تؤكد في الفترة الأخيرة أنهم لن يمددوا المفاوضات “ولا دقيقة واحدة”، في الوقت الذي أكدوا فيه مراراً أن إطلاق سراح الأسرى لم يكن مرتبطاً بالمفاوضات، وعلى أساس أن حكومة نتنياهو تفعل ذلك كبادرة “حسن نية”، ومن أجل إسهامها في “بناء الثقة”! وكأن نتنياهو يملك شيئاً من حسن النية، أو كأن حكومات الكيان تعرف سبيلاً لبناء الثقة غير الاستسلام لمطالبها .
وبعد اجتماع أوباما - عباس، أبلغت السلطات “الإسرائيلية” عباس أنها قد لا تنفذ الدفعة الأخيرة من الأسرى، إذا لم يلتزم بمواصلة المفاوضات بعد انقضاء المهلة التي حددها الوزير كيري . وقالت رئيسة الوفد “الإسرائيلي” المفاوض، وزيرة القضاء في حكومة نتنياهو، تسيبي ليفني، في خطاب لها: “لم يكن هناك على الإطلاق التزام تلقائي بالإفراج عن الأسرى دون أن يكون مرتبطاً بإحراز تقدم في المفاوضات” . وأضافت ليفني في ابتزاز واضح: “مفتاح باب الأسرى الفلسطينيين في يدي أبو مازن” . وكان أكثر من وزير في الحكومة قد قال في الأيام القليلة الماضية شيئاً مشابهاً لما قالته ليفني بهذا الخصوص .
أما عما دار في الاجتماع نفسه، فقد وصف صائب عريقات الاجتماع، أمام “مركز ويلسون للدراسات”، بأنه “كان صعباً وطويلاً”، ووصف المباحثات التي تخللته بأنها “كانت جدية وعميقة” . وكان قد قال: “لا أحد غير الفلسطينيين سيستفيد من نجاح أوباما وكيري” . ومن الصعب تخيل معنى الكلمات التي استعملها عريقات، مثل “عميقة” و “جدية”، لكن ما لا يمكن تصديقه هو قوله: “لا أحد غير الفلسطينيين سيستفيد من نجاح أوباما وكيري” . وإنني أتساءل: كيف وجد عريقات “الجرأة”، حتى لا أقول شيئاً آخر، ليقول مثل هذا الكلام، ولمن يقوله؟ ففي الوقت الذي كان فيه أبو مازن يستعد لدخول البيت الأبيض، كان جون كيري يرد على انتقادات بعض الجمهوريين في الكونغرس قائلا: “كل جهودنا في هذه المفاوضات أساسها أمن”إسرائيل“الذي يجب تأمينه، ويشهد على ذلك رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي يمكنه إخباركم بأننا فعلنا كل شيء في هذا الاتجاه . . ونحن نعمل معه بشكل وثيق لتحقيق هذا” . هل يريد عريقات كلاماً أوضح من كلام كيري عن هدف المفاوضات التي يترأس الوفد الفلسطيني إليها ليفهم من المستفيد منها .
وفي كلمة له أمام اجتماع “المجلس الثوري لحركة فتح”، سبق ذهابه إلى واشنطن بأيام قليلة، خاطب عباس المجتمعين بقوله: “لقد بلغت من العمر 79 عاماً، ولن أختم حياتي بخيانة الشعب الفلسطيني وقضيته” . وعلى قاعدة “تفاءلوا بالخير تجدوه”، خالف البعض عقولهم ومنطق الأشياء، وكنت من هذا البعض، وتساءلوا إن كان يمكن للرئيس أن يفعلها ويرفض تمديد المفاوضات على الشروط “الإسرائيلية”؟ الآن تبين أنه لم يفعلها ولن يفعلها، وتسويغات ذلك معروفة . فالبعض يذكر “موازين القوى”، والبعض يذكر “المساعدات” الممنوحة للسلطة، والبعض يرى أن الحكومة “الإسرائيلية” مستمرة في إجراءات التهويد وعمليات الاستيطان سواء تواصلت المفاوضات أو توقفت، ولا فائدة من رفض تمديدها .
وفي كل الأحوال، لا يستطيع أي من المراقبين أن يدعي أن مخرجات اجتماع أوباما - عباس كانت خارج التوقعات . ذلك لأن أصل التنازلات موجود في العمق، وقبل “اتفاق أوسلو” الذي لم يكن إلا ثمرة للتنازلات التي سبقته . وبينما تم إلغاء “أوسلو” “إسرائيلياً” منذ أكثر من ثلاث عشرة سنة، ظل أنصاره من الفلسطينيين يتمسكون به، وسيظلون ما دامت “سلطة الحكم الذاتي المحدود” قائمة .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 22 / 2165956

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2165956 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010