الأربعاء 26 آذار (مارس) 2014

مخاطر القبول الفلسطيني بيهودية “إسرائيل”

الأربعاء 26 آذار (مارس) 2014 par غسان العزي

لم يسبق، في تاريخ العلاقات الدولية، أن اعترفت دولة أو مجموعة دول أو منظمة دولية، بالطابع الإيديولوجي أو القومي أو الديني لدولة حديثة الولادة أو سابقة الوجود . وليس في القانون الدولي والمعاهدات والمواثيق الدولية وغيرها ما يفرض مثل هذا الاعتراف . فالدولة حقيقة قانونية قائمة بمعزل عن طابعها الإيديولوجي أو الديني أو غيره والذي هو من المتغيرات، بدليل أن دول أوروبا الشرقية والوسطى التي كانت، حتى العام ،1989 شيوعية تعتنق الاقتصاد الموجه وتدور في فلك الاتحاد السوفييتي (الذي اختفى من الوجود)، أضحت ليبرالية رأسمالية عضواً في حلف الناتو . وعندما اعترفت الولايات المتحدة بالاتحاد السوفييتي، في العام ،1933 اعترفت به كدولة وليس كنظام سياسي أو إيديولوجي . وعندما اضطرت منظمة التحرير الفلسطينية للاعتراف ب“دولة إسرائيل” بموجب اتفاقيات أوسلو، في العام ،1993 وتبادل الرسائل الذي تلاها،لم يطلب أحد منها الاعتراف بطبيعتها الصهيونية . وفي المقابل عندما اعترفت “إسرائيل” بالمنظمة كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني لم تعترف بأي طبيعة إيديولوجية أو دينية أو قومية للمنظمة .
إنها سابقة خطيرة أن تفرض “إسرائيل” على الفلسطينيين والعرب الاعتراف بيهوديتها شرطاً لتقدم المفاوضات معهم . ما يهدف إليه نتنياهو من وراء هذا الشرط هو تفجير المفاوضات وكل مسار السلام، والذي إذا ما قاد إلى اتفاق فمن الأرجح أن يفرض تفكيكاً لمستوطنات ووقفاً للاستيطان في المناطق التي تدخل ضمن الدولة الفلسطينية . نتنياهو يدرك استحالة اعتراف الفلسطينيين بيهودية “إسرائيل” لأنهم عندئذ يعلنون على الملأ بأنهم كانوا على خطأ طيلة سنوات نضالهم، وبالتالي فهم المعتدون، وبأن الحركة الصهيونية هي التي كانت على حق منذ نشأتها، وبالتالي فهي المعتدى عليها . اعترافهم بيهودية “إسرائيل” يعني قبولهم بأنها ستكون وقفاً على اليهود فحسب، أما غير اليهود فسيغدون مجرد رعايا أو تابعين يحملون جنسية الدولة والتي يمكن أن يفقدوها بذريعة (أمنية على سبيل المثال لا الحصر) أو بأخرى . وبالطبع يلغي هذا الاعتراف حق الفلسطينيين بالعودة والذي أقرته الاعلانات والقرارات الدولية ومنها القرار 191 . إنه يعني نزع السلاح الديمغرافي، وهو الوحيد المتبقي في يد الفلسطينيين الذين تقول الاحصاءات بأنهم سيشكلون أكثر من نصف السكان في القدس في غضون السنوات العشر المقبلة . إنه يعطي ل“إسرائيل” الحق بالاستمرار في الاستيطان بلا هوادة، وهو ما لا يقر أحد في العالم، بمن فيهم الحليف الأمريكي، بقانونيته أو شرعيته . وفي هذا الصدد فتمسك نتنياهو وحكومته بالاستيطان بات من الثوابت،إذ إن أوباما فشل في إقناعه ليس بوقف الاستيطان بل حتى بتجميده لأشهر معدودة .
وعندما يتقبل جون كيري هذا الشرط “الإسرائيلي” فهو ينسى بأن الوسيط الذي عينه لإدارة المفاوضات هو اليهودي مارتن أنديك . فإذا كانت “إسرائيل” دولة اليهود فمعنى ذلك أنها وطن مارتن أنديك، تمثله كما يمثلها، شاء الرجل أم أبى، فكيف يمكن له الاستمرار عندئذ في دور “الوسيط” في المفاوضات الفلسطينية-“الإسرائيلية”؟ ثم ما هو موقع ملايين اليهود الأمريكيين في وقت تتصادم فيه الحكومتان الأمريكية و“الإسرائيلية” حول الكثير من المواضيع الخلافية؟ إلى أي جانب ينبغي أن يقفوا؟
ويقترح نتنياهو أن يبقى آلاف المستوطنين حيث هم فيصبحون مواطنين في الدولة الفلسطينية المزمعة، لهم ما للمواطنين الفلسطينيين من حقوق وعليهم ما على هؤلاء من واجبات، تماماً كما هي حال الفلسطينيين الذين يعيشون في الكيان . هذه الاطروحة تلقى تجاوباً واضحاً في الدول الغربية حيث القوانين يتساوى أمامها الجميع وحيث قدر كبير من الديمقراطية واحترام حقوق الاقليات وغيرها .لكن الحقيقة أن الفلسطينيين، الذين يعيشون داخل ما يسمى “إسرائيل” هم أصحاب الأرض الحقيقيين ورثوها من آبائهم وأجدادهم الذين كانوا هنا منذ آلاف السنين قبل أن يأتي يهود صهاينة في ظروف دولية مشبوهة ويحتلوها عنوة ليقيموا عليها دولة هي رأس جسر للاستعمار الجديد . أما المستوطنون فهم متعصبون مدفوعون بإيديولوجيا فاشية أتوا من الخارج ليحتلوا أرضاً ليست لهم ويطردوا سكانها وأصحابها . وهم يكرهون العرب ويعتبرون أن لا ضير من قتل أطفالهم قبل أن يكبروا ويصبحوا “إرهابيين” . هذا ما لا يخجل بعض حاخامات المستوطنين من قوله علانية . فكيف لهم أن يعيشوا مواطنين صالحين في كنف دولة فلسطينية ناشئة؟
ما يسعى إليه نتنياهو من وراء التفاوض مع الفلسطينيين هو استدراجهم إلى المزيد من التنازلات في مقابل “اتفاق إطار” سيحتاج كل بند من بنوده إلى مفاوضات مستقبلية تكون، هي الأخرى، مناسبة جديدة للاستحصال من الفلسطينيين على تنازلات جديدة، هذا إذا تبقى عندئذ ما يتنازلون عنه . إنه بكل بساطة يسعى للاستفادة القصوى من الظرف الإقليمي الملائم والذي قد لا يدوم .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 9 / 2165612

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

33 من الزوار الآن

2165612 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010