الجمعة 4 نيسان (أبريل) 2014

أردوغان.. وغاز غزة

الجمعة 4 نيسان (أبريل) 2014 par نافذ أبو حسنة

وسط الارتكابات الكبيرة والمتعددة التي تقوم بها حكومة أردوغان التركية، مر تصريح وزير الخارجية داود أوغلو، حول العلاقات بين تركيا وبين كيان الاحتلال الصهيوني، دون أن يثير ما يتناسب معه من الانتباه والتعليق.

تحدث أوغلو عن أن “الهوة قد تقلصت كثيراً بين تركيا، وإسرائيل”، مشيراً إلى تخطي الكثير من العقبات بين الجانبين، ومع أنه يصعب كثيراً تصور حجم “الهوة في العلاقة بين الجانبين” التركي والصهيوني، فمن الضروري التوقف عند دلالات تصريح أوغلو، مضموناً وتوقيتاً، ومعرفة الأسباب التي أسهمت في تقليص “الهوة” المشار إليها.

من المعروف أن علاقات وثيقة ومميزة جداً، قد ربطت بين تركيا وبين كيان الاحتلال الصهيوني منذ قيام الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، وكانت تركيا من أوائل الدول التي أعلنت الاعتراف بالدولة الغاصبة، وتجسدت تلك العلاقات باتفاقات سياسية واقتصادية وعسكرية، وفي المجال العسكري سُجلت أشكال متعددة ومتنوعة من التعاون والتنسيق، بما في ذلك التدريبات والمناورات المشتركة.

حكاية “مرمرة”.. ووهم البطل

لم يتأثر التعاون العسكري بوصول نجم الدين أربكان إلى رئاسة الوزراء في تركيا، وعملياً لم يمهل الرجل طويلاً لتبين وجهة نواياه النهائية، ورغم النبرة الخطابية التي تبناها أقطاب في حزب “العدالة والتنمية”، حول التوجهات الجديدة، فقد شهد التعاون العسكري مع كيان الاحتلال الصهيوني نمواً كبيراً، وازدهرت العلاقات الاقتصادية بين الجانبين، قيل دوماً إن “العدالة والتنمية” لا يستطيع مواجهة تيارات مؤثرة تريد استمرار العلاقة القوية بين تركيا وكيان الاحتلال، وظلت العلاقة قوية جداً وأساسية، رغم ما بدا من تحولات في السياسة التركية، تجسدت في انفتاح على عدة دول عربية.

ثم جاءت حادثة سفينة “مرمرة” ليحدث تغيير ظاهري كبير في المشهد، وملخص الحكاية أن سفينة تركية، تحركت نحو قطاع غزة في سياق التحركات الدولية، ذات الطابع المدني، والهادفة لكسر الحصار الذي يتعرض له القطاع، وفي المياه الدولية، قبل اقتراب السفينة من الشواطئ الفلسطينية، تعرضت لهجوم ضار من قوات الاحتلال، واستشهد عدد من المتطوعين الذين كانوا على متنها من جنسيات مختلفة، ومن بينهم تسعة متطوعين أتراك.

علت الأصوات التركية المطالبة بالثأر من المعتدين، ثم المطالبة بالاعتذار والتعويض، وفي خضم إطلاق التهديدات من قبل “العدالة والتنمية” وتحديداً أردوغان، بدأت صناعة صورة البطل الذي سيثأر من الصهاينة، ويرفع الحصار عن غزة.

مع الوقت كان الصوت يعلو إعلامياً، وينخفض في الأداء الدبلوماسي الفعلي، طلبت الولايات المتحدة من حليفيها طي صفحة الخلاف الطارئ، وهكذا كان، فقد عادت الأصوات الصاخبة لتنخفض بشكل تدريجي، ثم جاءت الأحداث الزلزالية في الوطن العربي، وما سمي بـ“الربيع” لتعيد موضوع العلاقات التركية مع كيان الاحتلال إلى مؤخرة الاهتمامات، حتى مع ظهور تطابق في المواقف التركية – الصهيونية من العدوان على سورية، وصولاً إلى ما جرى الإعلان عنه مؤخراً سواء من خلال تصريحات أوغلو، أو الحديث عن زيارة قريبة يقوم بها أردوغان إلى كيان الاحتلال.

حقائق “مرمرة”

نجحت الدعاية المركزة في الربط بين “حادثة مرمرة”، وسقوط شهداء على متنها وبين صورة البطل التي أرادها أردوغان لنفسه، ما غيبته وسائل الإعلام عمداً أن حكومة “العدالة والتنمية”، كانت قد منعت كافة منتسبي الحزب، وأعضاء البرلمان التركي عن الحزب أيضاً، من الصعود إلى السفينة، رغم أن عدداً من هؤلاء كانوا قد أدرجوا أسماءهم ضمن المتطوعين الذين يريدون التوجه إلى قطاع غزة.

وبعد أشهر من الواقعة التي تجسد فيها إجرام الصهاينة المعهود على نحو واضح، تحرك ناشطون من أجل تسيير سفينة أخرى لكسر الحصار، بالاستفادة من الزخم الذي خلفته جريمة الصهاينة بالتعرض لسفينة مدنية في المياه الدولية، والإدانة الواسعة لجرائم الاحتلال، من قوى دولية رسمية ومدنية.

ظن الناشطون أن تركيا وحكومة “العدالة والتنمية” تحديداً، ستبدي حماسة كبيرة لتحرك السفينة الجديدة، وحسبوا أن الجعجعة التركية قد تعطي طحيناً، وتبدي تحدياً للاحتلال الذي سبق له واعترض سفينة تركية وقتل مواطنين أتراكاً.

لكن هؤلاء فوجئوا بمنعهم من استخدام أي ميناء تركي لرسو سفينتهم، أو الانطلاق بها نحو قطاع غزة، ويذكر من تابعوا تلك التحركات، كيف توجه الناشطون نحو الموانئ اليونانية، ومنعوا من التحرك أيضاً، وأمضوا بعض الوقت على الجزر هناك، قبل أن تطوى الحكاية كلها، ودون أن ينبس أحد ببنت شفة، حول الموقف التركي المتناقض مع الخطابات العنترية عن “معاقبة إسرائيل” وتلقينها درساً.. الخ.

الاتفاق: غاز غزة

تدحرجت المطالب التركية من الثأر إلى الاعتذار ومنح تعويضات لعائلات الضحايا، رفضت حكومة نتنياهو تقديم اعتذار، بل وتعرض السفير التركي لدى كيان الاحتلال للتوبيخ والإهانة، وفي الأثناء لم يحدث توقف فعلي للعلاقات بمستوياتها وأشكالها المختلفة.

ظلت الوساطة الأميركية فاعلة لطي صفحة الخلاف بين الحليفين نهائياً، وبرزت نقطتان تعيقان الوصول إلى اتفاق نهائي: التعويضات، ورفع الحصار عن قطاع غزة، فقد أظهرت وسائل الإعلام التركية وتصريحات المسؤولين الأتراك على نحو مفاجئ مسألة رفع الحصار عن قطاع غزة شرطاً لازماً لإتمام الصفقة.

خُيِّل لكثيرين أن المطلب التركي برفع الحصار يتعلق بآلية تقليدية تشمل فتح المعابر وإدخال المواد الغذائية، ومستلزمات البناء وغيرها من المواد التي يواجه القطاع نقصاً حاداً فيها، واحتسبه آخرون في خانة المسعى التركي المستمر لتسجيل مكاسب إعلامية، وتعزيز صورة أردوغان المهتزة على وقع فضائح الفساد، لكن ما تناهى إلى مسامع أوساط فلسطينية، على صلة بمقربين من “العدالة والتنمية”، يدور حول صيغة جديدة، ونص مركب.

النص في النقطة المتعلقة برفع الحصار عن القطاع يقول بـ“ضمان وصول تركيا إلى شواطئ قطاع غزة”، لهذا النص معنى أساسي واضح ومحدد، ربما تحمل سفن تركية بعض المواد المطلوبة للقطاع، لكن الهدف الرئيس يبقى هو: غاز غزة.

أمام شواطئ القطاع، مثلما هو الحال في الشاطئ الشامي كله، حقل غاز واعد، وبالطبع فإن كيان الاحتلال الذي بدأ في استخراج الغاز من الشواطئ الفلسطينية، يحظر على الفلسطينيين استثمار ما تبقّى لهم، وفي المنفذ الوحيد الباقي من الشاطئ الفلسطيني في غزة.

يتطلع الأتراك إلى السيطرة على هذا الحقل، ويحققون بذلك هدفين في آن واحد: هدف دعائي يتعلق بإنهاء الحصار المفروض على القطاع، وهدف أساسي باستثمار حقل الغاز الفلسطيني، والمشاركة من خلاله في حصة من الثروة الغازية الواعدة في المتوسط.

مضت أسابيع على تداول هذه المعطيات في الأوساط الفلسطينية التي تقول: إن النص المشار إليه كان طلباً تركياً، وإن حكومة الاحتلال لم تعط إجابة نهائية بالموافقة عليه، لكن التطورات الأخيرة وفق المصادر ذاتها قد تشي بحدوث اتفاق فعلي يتيح لتركيا غاز غزة، فارتفاع منسوب التورط التركي المباشر في العدوان على سورية، هو مؤشر هام، وكان لافتاً للانتباه أيضاً تزامن تصريحات أوغلو، عن تقليص الهوة مع كيان الاحتلال، والحديث عن زيارة قريبة يقوم بها أردوغان للكيان الصهيوني، مع التورط المباشر في الهجوم على كسب شمال سورية، فمن خلال الخطوتين المتزامنتين تؤكد أنقرة على حقيقة دورها وتموضعها.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 17 / 2165248

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع وفاء الموقف  متابعة نشاط الموقع نافذ أبو حسنة   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2165248 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010