الأحد 6 نيسان (أبريل) 2014

دحلان الفقاعة

بقلم:عبّاد يحيى
الأحد 6 نيسان (أبريل) 2014

لا تصلح كثير من التعليلات والتفسيرات العمليّة، أو الشعبوية، في المجال السياسي الفلسطيني، لتوضيح حالة محمد دحلان الراهنة، رجل الأمن والقيادي الفتحاوي المفصول من حركته، والذي بات الاسم الأكثر وروداً في السجال السياسي في فلسطين وخارجها، ودحلان، مثل ثرواته المالية التي يتحدث فلسطينيون عنها؛ أقرب ما يكون إلى فقاعة، مهما تضخّم حجمها وحضورها، تظل، في النهاية، محض فقاعة.
ولتفسير دحلان الفقاعة، لا بد من الوقوف عند فكرتين رئيستين؛ الأولى علاقة دحلان بأجهزة الأمن الإسرائيلية، وهذه أفصحت عن نفسها مراراً بكل الأشكال والأحجام، ويكفي الاطلاع على مواد مسجلة ومنتشرة في “الإنترنت” لحواراته، ولقاءاته مع مسؤولي أمن إسرائيليين، وعلى تصريحات إسرائيلية –أميركية، لا تضع دحلان إلا في خانة الحليف الموثوق. ولعل التراشق الإعلامي، داخل حركة فتح وقيادة السلطة الفلسطينية، يفصح، أيّما إفصاح، عما توارى سابقا من علاقات دحلان الأمنية. وفي هذا الجانب، حالته فريدة ونادرة، وتتميز عن مجمل القيادات الأمنية والسياسية الفلسطينية، ولعل تلك العلاقة هي السبب الرئيس في الحضور الفاقع لدحلان، رجلاً قوياً إلى درجة تخوّله القول، وبكل ثقة، إن عبد الفتاح السيسي في جيبه، على ما أورد أبو مازن في خطابه الشهر الماضي، أمام المجلس الثوري لحركة فتح.
وإن كان تحديد أدوار دحلان الأمنية في المنطقة خاضعاً لجملة تقديرات وتقارير صحافية وأمنية، تتسرب بين فينة وأخرى، فإنه لا خلاف على حقيقة أنه عمل على بناء تحالفات أمنية في المنطقة، يتردد أن إسرائيل كانت طرفاً فيها، في فترة رئاسته جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني، وفي الفترة الأطول بعدها، ولا يمكن فهم موقعه مستشاراً أمنياً في إمارة أبو ظبي، وممثلاً لها في اجتماعات استخبارية دولية، على ما كتب ونشر، إلا استمراراً لأدوار رجل الأمن المتشعبة في المنطقة.
وعملياً، فإن تفريغ مشغّلي دحلان، والمتعاملين معه، من صفة رجل الأمن، والقائم بأدوار استخبارية عدة، وعلى مستويات متباينة؛ سيعود به إلى مرحلة عنصر الأمن الطموح، في واقع مزدحم، وصراعات داخلية طاحنة. ولذلك، فإن عنصر القوة الأهم لدحلان، في هذه الفترة، لا يتعلق به، بل بدور يلعبه لصالح نظم، وأجهزة أمنية، والأهم أنه لا يمتلك عنصر القوة هذا، بل هو بيد المشغلين الذين يمكنهم التخلي عنه في أية لحظة.
الفكرة الرئيسة الأخرى في فهم حالة دحلان، هي فراغ لم يملأه إلا دحلان، لا لشيء، إلا لأنه قرر أن يشغله مستعيناً، بمصادر تمويلٍ، مرتبطة بأدوار أمنية، وحلفاء مستفيدين من اختراق حركة فتح والسلطة الفلسطينية. والفراغ المقصود هنا موقع القائد الفتحاوي الشاب، المناهض سياسات أبو مازن، وجيله في المنظمة وفتح والسلطة. ففي وقت بدأ فيه أبو مازن يشعر بتحركات ورثته المحتملين، وأظهر حزماً غير مسبوق، في تأكيد سيطرته على فتح والسلطة؛ قرر دحلان أخذ المواجهة إلى حدها الأقصى، واتهم أبو مازن “باختطاف” فتح والسلطة. وبدأت حملة ترويجه خياراً للجيل الشاب في فتح. وهنا، استغل دحلان مناخ الربيع العربي، للعب على طموحات شبيبة فتح، وطرح نفسه ممثلا حقها في التمثيل والقرار.
لافتٌ في هذا السياق الغياب غير المبرر لقيادات فتحاوية شابة، تعبر عن الطموح المشروع لضخ روح شابة في قيادة فتح، ما أفسح مجالا لحضور دحلان. وخطاب تمثيل الشباب نقطة الافتراق الوحيدة بين كل ما يطرحه دحلان وأبو مازن، وأي حديث عن برنامج سياسي، يحمله دحلان محض طرفة، هذا إن لم يكن برنامجه البرنامج الإسرائيلي لسلام اقتصادي تُعامل إسرائيلُ السلطة الفلسطينية، بموجبه، كنقابة عمالية مختَرقة لا أكثر ولا أقل. وبديهي القول، والحال هذه، إن قيادات فتح المستكينة تتحمل جزءاً وافراً من مسؤولية تضخيم فقاعة دحلان.
وقد يكون مهماً التنبّه إلى بعض أدوات دحلان، في عمله الدؤوب في هذه المرحلة؛ زوجة تحضّر نفسها لدور السيدة الأولى، وترعى شبكة ولاءات تحت غطاء إغاثي، ووسائل إعلام لا تكلّ عن ترويجه، وتغطية أخبار زوجته وتحركاتها، وتحاول إضفاء شيء من الكاريزما على رجل الأمن، وشبكات شبابية ممولة، ببذخ، تحاول تثبيت حضورها بين الشباب الفلسطيني، وغيرها من الأدوات المتحركة بقوة المال، هذا المال تحديداً هو ثمن الأدوار الأمنية والاستخبارية التي توكل للرجل. والخلاصة أن لا شيء من قرار دحلان، ونفوذه، بيده، بل بيد من يمكنهم في لحظات تحويل الفقاعة إلى هباء، حين يوقفون ضخ الهواء فيها.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 12 / 2178532

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2178532 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40