الأربعاء 9 نيسان (أبريل) 2014

رحلة إلى أشفيتز

الأربعاء 9 نيسان (أبريل) 2014 par د. حياة الحويك عطية

اسمه محمد الدجاني وهو أستاذ في جامعة القدس . رغم ذلك فصحيفة “لوموند” الفرنسية تورد خبراً مطولاً عن تنظيمه رحلة لثلاثين من طلابه إلى معسكر أشفيتز . “اختار الحج إلى أشفيتز” على حد تعبير الكاتب عبدالله وريكات على موقع “تلفزيون وطن” .
هذا الأستاذ الفلسطيني الذي ينتمي إلى أسرة مقدسية انجبت المناضلين والعلماء، لم يكتف بأن ينظم رحلة لطلابه إلى اشفيتز وبوركينو، بالتعاون مع مؤسستين “إسرائيليتين” ومؤسسة المانية، بل شكل فريقاً من الخبراء النفسيين والاجتماعيين لدراسة أثر الزيارة في هؤلاء الفتيان . وهو يقول إنه فعل ما فعل لكي يحث السلطة الفلسطينية على تجاوز ترددها في تدريس ما يسمى “الهولوكوست” في مدارسها . السوريالي في الأمر أن أحداً لم يذكّر الأستاذ المهووس بعشق جلاّده، بأن “إسرائيل” تمنع أي ذكر للنكبة في مناهجها التربوية، بل وتمنع فلسطينيي ال 48 من أي احتفال بهذه الذكرى .
ما اراد الأستاذ (أو اساتذته) أن يقوله لهؤلاء الشباب: أنتم بألف خير، تحسسوا آلام اليهود، وسترون أن ما تمارسه “إسرائيل” بحقكم مقبول، لأن اليهودي المسكين يتصرف بردة فعل على ما أصابه من النازية . ومن المؤكد أنه لم يقل لهم إن أوروبا نفسها أصبحت تقر أكثر فأكثر بأكذوبة الهولوكوست وتقبل مراجعة الأرقام وأسطورة المحرقة . ولا ندري ما إذا كان قد شرح لهم الفقه اليهودي الذي يقول إن موت اليهود مختلف، ولا يغتفر مقارنته بأي موت آخر، وإن الموت حرقاً - بحسب هذا الفقه - يستحق تعويضاً إلهياً، وهكذا كانت فلسطين تعويض المحرقة . مما يفسّر الملاحقة المجنونة التي مارسها هؤلاء بحق كل عالم أنكر علمياً قصة أفران الغاز حتى ولو أنه أقر بعملية الإبادة . أو ضد من قال إن هناك مآسي أخرى في التاريخ . كما حصل بموازاة مؤتمر دوربان عندما خرجت تظاهرة عنيفة في باريس بقيادة المحامي كلارسفيلد، وتصدرها المغني انريكو ماسياس ورفعت شعارات واضحة: إن موت اليهود مختلف ولا تجوز مقارنته بأي آخر .
لا نورد تساؤلاتنا لإعادة مناقشة مراجعة الهولوكوست، ولكن لأن سؤالاً واحداً كبيراً يفجرها: ما مصلحة شعب فلسطين، وطلاب فلسطين في أن يحشروا في دائرة نفسية لا تؤدي إلا إلى تقبلهم ذريعة اليهود المركزية في احتلال أرضهم واضطهادهم؟ ولننتبه إلى مسألة اخضاع الذين شاركوا في الرحلة إلى دراسة نفسية لتحليل تأثيرها فيهم؟ فهل هم فئران تجارب أم عينة لتحديد معالم مشروع عريض؟
يقول الأستاذ ل “لوموند”: “لقد تعرض الشباب لانفعالات قوية وكانوا مفاجئين بما اكتشفوه في أشفيتز” ويضيف أنه سيكرر التجربة ما أمكن .
ما مصلحة السلطة الفلسطينية في أن يزج بها في هذا الأتون . وهي في حمأة مفاوضات صعبة وحرجة، وظهرها العربي مكشوف؟
إذا كان من المعروف أن توظيف عقدة الذنب تجاه اليهود في أوروبا، يشكل الوسيلة الأساسية لدفع المسؤولين الأوروبيين (خاصة الفرنسيين والألمان) إلى الاصطفاف غير المشروط إلى جانب السياسات “الإسرائيلية”، ولذلك يرتفع منسوب الاثارة الاعلامية لذكريات “الهولوكوست” كلما احتاجت “إسرائيل” لدعم موقف أو قرار ما، أو للتغطية على جريمة ما، فما مصلحة الشباب الفلسطينيين في الدخول إلى هذه الدائرة الجهنمية نفسها؟
عندما حاول من وعوا أهمية انتزاع هذا السلاح السيكولوجي المؤثر في الغرب من يد اللوبيهات اليهودية و“إسرائيل”، بدعم حركة المراجعة الأوروبية، تصدى لهم المتأسرلون والمتهودون وعلماء الكلام في العالم العربي بحجة ان هذه قضية أوروبية وليس لنا من مصلحة في التدخل فيها . فلماذا أصبحت لنا مصلحة في التدخل لدعم هذا السلاح؟ وما شأن أولادنا بجريمة لم تكن لنا يد في ارتكابها، ولم تكن لنا يد في تضخيمها وتوظيفها، لكننا كنا الضحية التي دفعت ثمنها؟
اسئلة لا تتأخر الإجابة عنها: طالما قيل لنا إن رفض تسويق “الهولوكوست” أو التعرض لأسطورته ينزع عنا الأهلية في نظر اللوبيهات القوية في أوروبا وأمريكا . وعليه فإن الانضمام إلى جوقة المسوقين، والانخراط في توظيف الأسطورة على رقبة الفلسطينيين سيحصل على رضى هذه اللوبيهات ورضى “إسرائيل”، ولا شك في أن ثمنه سيكون حفنة من الفضة بيد يهوذا وخيانة جديدة للمسيح الفلسطيني .
خطوة خطرة، هي الأولى ولكنها لن تكون الأخيرة، فمنذ أكثر من عقد و“إسرائيل” تسعى بصمت وإصرار على ادخال موضوع “الهولوكوست” على المناهج الدراسية الفلسطينية، ومنظم الرحلة المذكورة لم يخف أن غايته من هذه الرحلة الخبيثة هي حث السلطة على الخروج من ترددها بشأن هذا الموضوع .
وعليه فإن السلطة وتحديداً وزارة التربية والتعليم مطالبة باتخاذ خطوة واضحة وعملية ومعلنة بخصوص هذا المطلب الخطر، وباتخاذ إجراء واضح وحاسم بحق محمد الدجاني، إجراء يتناسب مع خطورة المخطط الذي ينخرط فيه . إجراء يتجاوز الادانة التي عبّر عنها وزير في السلطة للصحيفة الفرنسية ولكنه طالبها بعدم ذكر اسمه . إجراء يصل على الأقل إلى جراة “لوموند” في إعادة نشر ما كتبه وريكات: “نحن بشر وندين كل المجازر ولكن إنسانيتنا تجعلنا ندين كل محاولة تهدف إلى جعلنا ننسى آلام شعبنا الذي يتعرض للمجازر كل يوم” .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 51 / 2165818

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

25 من الزوار الآن

2165818 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010