الجمعة 11 نيسان (أبريل) 2014

. . . وما زالوا يناورون

الجمعة 11 نيسان (أبريل) 2014 par عوني صادق

انتهى موعد إطلاق سراح الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين القدامى، وبقي شايلوك نتنياهو متمسكاً بالثمن الإضافي لإطلاقهم، وهو تمديد المفاوضات عاما آخر ! ولم يكن في استطاعة السلطة الفلسطينية قبول ذلك، لأنه سيسقط عن استسلامها للشروط “الإسرائيلية” آخر الأوراق . كان إجباريا أن تلجأ إلى ما كانت تهدد باللجوء إليه، وهو التقدم بطلبات الانضمام إلى المؤسسات الدولية، فجاء إعلان الرئيس محمود عباس من خلال التلفزيون، من أجل إعطاء هذه الخطوة مزيداً من التأثير والزخم . ورغم الاستحسان الذي لقيه الإعلان لدى الفلسطينيين عموماً، ولدى القوى والفصائل الفلسطينية خصوصاً، ورغم ردود الفعل المستاءة والمتشنجة “الإسرائيلية”، إلا أن ما يجب قوله هو أن خطوة الرئيس عباس لم تأت خروجاً على منهجه السياسي، أو على قواعد لعبته . بمعنى آخر، إنها تأتي خطوة في إطار المناورة، من أجل المحافظة على المفاوضات، وهو ما جاء على لسانه أثناء إعلان خطوته . وقد سبق لرئيس الوزراء “الإسرائيلي”، نتنياهو، وبعض وزرائه وأعضاء حزبه، أن أعلنوا أكثر من مرة، أنهم يهدفون إلى إفشال المفاوضات وتحميل فشلها للسلطة الفلسطينية . وسبق للرئيس عباس والناطقين باسمه أن فهموا ذلك، واعتبروا ما يجري ليس سوى “تفاوض على التفاوض”، وأنهم يتفاوضون لأنهم لا يريدون أن يتحملوا فشل المفاوضات أمام الإدارة الأمريكية .
من هنا، كان إخلال حكومة نتنياهو بالاتفاق حول الأسرى فرصة للسلطة الفلسطينية لتعطي قدراً من المصداقية لما تعلن أنها تتمسك به من “ثوابت”، وتغطية على التنازلات التي سبق أن قدمتها، لكن من دون أن يحمل ذلك نية في وقف المفاوضات، أو التخلي عنها كأسلوب وحيد للتعامل مع الكيان الصهيوني أو الحقوق الوطنية . إنها محاولة ليست لتحسين شروط المفاوضات، كما يظن البعض، بل لتحسين صورة السلطة في عيون الفلسطينيين .
أما بالنسبة للجانب “الإسرائيلي”، فقد تصور أنها فرصته لتحقيق هدفه بتحميل السلطة الفلسطينية مسؤولية إفشال المفاوضات . وقد صدر عن مكتب نتنياهو، اتهام للرئيس عباس بأن إعلانه كان “إلغاء لاتفاق أوسلو، وقفزا عن المفاوضات، وتصرف كأنه دولة مستقلة”، متوعداً بأن “عليه أن يتحمل النتائج”! هنا فقط اعترف نتنياهو بأن الضفة الغربية تحت الاحتلال، وأن السلطة نفسها تحت الاحتلال! إلى جانب ذلك، كانت هناك تهديدات، مثلما ورد على لسان زعيم “البيت اليهودي” نفتالي بينيت، من أن عباس “سيدفع ثمناً باهظاً” . وهناك من طالب بنفيه أو اعتقاله ! وسائل الإعلام “الإسرائيلية” عموما، اعتبرت الإعلان “استعراضاً” و “محاولة للابتزاز”! في الوقت نفسه بدأ اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة حملة ضد الرئيس عباس والسلطة الفلسطينية .
أما ردود الفعل الأمريكية، فجاءت إذا استثنينا إلغاء زيارة كيري إلى رام الله هادئة، والأهم أنها حملت ما آلت إليه الأمور للطرفين الفلسطيني و“الإسرائيلي”، من دون أن يعترف كيري بفشل المفاوضات . لكن مسؤولين أمريكيين، قالوا لجريدة “نيويورك تايمز”، إن الوساطة الأمريكية قد استنفدت، وأنه “من دون قرارات من الطرفين لن يكون في الإمكان إحداث تقدم” . وجاء في “الواشنطن بوست”، قولهم إن وزير الخارجية “ذهب إلى أقصى ما يستطيع من دون أن يتخذ الطرفان قرارات مهمة” . ذلك يعني أن الإدارة الأمريكية ترى الطرفين، “الإسرائيلي” والفلسطيني، مسؤولين عن النتائج التي انتهت، أو يمكن أن تنتهي إليها المفاوضات، وأنها بذلك تهدد بأن تتخلى عن مساعيها، وتحمل الطرفين مسؤولية الفشل، في محاولة لدفعهما معا لاتخاذ “القرارات المهمة” المطلوبة!
في عبارة أخرى، نستطيع أن نقول: إن الأطراف الثلاثة المعنية وصاحبة المصلحة بالمفاوضات، لا تزال تتحرك في مجال المناورة، خصوصاً أنه ما زال أمامها أكثر من ثلاثة أسابيع حتى موعد انتهاء المهلة المحددة للمفاوضات . فالمناورة بالنسبة لحكومة نتنياهو، تأتي من خلال التهديد بالإجراءات التي يمكن أن تقدم عليها بصورة أحادية، والعواقب التي يمكن أن تواجهها السلطة والرئيس عباس في رام الله جراء ذلك . والمناورة بالنسبة للولايات المتحدة، تأتي من خلال تهديدها بنفض يدها من “العملية السياسية” التي ترعاها، وأيضا بتهديد السلطة الفلسطينية بقطع المساعدات عنها، وما يمكن أن تواجهه من مواقف أمريكية على الصعيدين السياسي والدولي .
أما مناورة السلطة الفلسطينية، فحدودها لا تتجاوز الانضمام للمؤسسات الدولية . انضمام الغرض منه كما قال الرئيس عباس في كلمته بوضوح: “لا نريد استخدام هذا الحق لمناكفة أحد، أو ضد أحد، ولا نريد المواجهة مع أحد، أو الصدام مع الولايات المتحدة” . وأضاف مؤكداً: “نحن لا نعمل ضد أمريكا، ولا ضد أي طرف آخر . . . وفي الوقت نفسه، نحن مصرون على الوصول إلى تسوية من خلال المفاوضات، والمقاومة السلمية الشعبية، وليس غير ذلك”!
إنهم ثلاثتهم ما زالوا يناورون، يجمعهم الهدف والمصلحة المشتركة، ورغبتهم في تمديد المفاوضات . فهم يرون أن مصالحهم تلتقي فقط عند هذا الهدف، فعنده لا تظهر الولايات المتحدة على حقيقتها في هذه الأيام: أعجز من أن تنجح في فرض شيء على أحد في العالم! وعنده يكسب الكيان الصهيوني مزيدا من الوقت لتنفيذ برامجه ومخططاته الاستيطانية والتهويدية . وعنده تنجح السلطة الفلسطينية في البقاء، والقفز عن شرعيتها المشكوك فيها، وسياستها الفاشلة .
جون كيري مستمر في اتصالاته، ساعيا للوصول إلى صيغة يقبلها الطرفان لتمديد المفاوضات . و“الإسرائيليون” والفلسطينيون ينتظرون ما يمكن أن يصل إليه كيري، ويأملون أن ينجح مسعاه!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 15 / 2165532

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165532 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 8


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010