الجمعة 11 نيسان (أبريل) 2014

بعد شهور من “طحن الماء” المفاوضات في غرفة الإنعاش الأميركية

الجمعة 11 نيسان (أبريل) 2014 par عبد الرحمن ناصر

كان الغضب بادياً على وجه رئيس السلطة الفلسطينية، وهو يوقع عدداً من طلبات الانضمام إلى منظمات ومعاهدات دولية، لهذا الغضب ما يبرره، أمضى الرجل ووفده المفاوض شهوراً أخرى في طحن الماء دون تقدم يذكر على صعيد إنجاز مفردات التفاوض، والتي قدم وزير الخارجية الأميركية جون كيري تصورات عدة بشأنها، رغم أن كل تلك التصورات قد راعت مطالبات حكومة نتنياهو وشروطها، إلا أن تلك الحكومة واصلت رفض التزحزح عن مواقفها المعلنة والرافضة حتى لتقديم ما من شأنه إنقاذ ماء وجه المفاوض الفلسطيني.

على مدى الأشهر الماضية، كان الرهان يدور حول مدى العزم الأميركي على إنجاز تسوية، ولو مرحلية، باستثمار الظروف القائمة في المشهد العربي كله، كانت هناك مؤشرات وافرة عن رغبة أميركية في وضع اتفاق إطار تتم متابعة التفاوض على أساسه، وكان هناك من يقول طوال الوقت أيضاً: إن المساعي الأميركية ستصطدم بموقف حكومة بنيامين نتنياهو، لا تشعر هذه الحكومة بأنها ملزمة بالتراجع قيد شعرة عن مخططها الاستراتيجي، بابتلاع الأرض واستكمال تهويد القدس والتهيئة ليهودية الدولة الكاملة، بمعنى وضع الأساس اللازم للقيام بتطهير عرقي، أو وضع مخططات الترانسفير القديمة موضع التنفيذ، فإذا كان الأميركي يرى الفرصة سانحة لتسوية سياسية لصالح أميركا وكيان الاحتلال تماماً، فإن الأخير يعتبر الفرصة سانحة، من وجهة نظره، لتقويض الحقوق الفلسطينية بالمطلق ومرة واحدة، على دأبه في اعتبار أن المهم أساساً، هو خلق وقائع جديدة على الأرض والانطلاق منها لاحقاً.

ورقة العزاء والابتزاز معاً

وعلى مدى الوقت أيضاً، كانت السلطة الفلسطينية تتعامل بإيجابية أكثر من اللازم، مع كل العروض التي قدمت إليها، لم نسمع عن رفض جدي وحاسم لمندرجات الصفقة التي جرى الحديث عن الكثير من تفصيلاتها، وفي هذه التفصيلات كثير من التنازل عن حقوق أساسية، حتى بمقاييس التسوية البائسة ذاتها، في المقابل اعتقدت السلطة أنها تملك شيئاً من “العزاء” بالإفراج عن عدد من الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، لهؤلاء الأسرى صفة خاصة، هم في السجون قبل توقيع اتفاق أوسلو عام 1993.

كان على من وقعوا الاتفاق ألا يقبلوا بأقل من “تبييض” السجون بالكامل، خصوصاً آونة الحديث عن اتفاق تاريخي، في وصف أوسلو، بدلاً من ذلك نجح العدو في تحويل الأسرى، إلى ورقة ابتزاز سياسي، بدت النسخة الأخيرة منها شديدة الخبث، وفحواها: الربط بين استمرار التفاوض، وبين إطلاق دفعات من الأسرى الموجودين في السجون منذ ما قبل أوسلو، لم يكن الشرط استمرار التفاوض وحسب، بل أيضاً امتناع السلطة الفلسطينية التي حصلت على صفة عضو مراقب لفلسطين في الأمم المتحدة، عن التوجه إلى المنظمات الدولية طوال فترة التفاوض، معادلة مركبة تعني في آخر المطاف، ربط حرية الأسرى باستمرار المفاوضات العبثية.

تم توزيع الأسرى المنوي الإفراج عنهم إلى أربع دفعات، تولى الصهاينة، ودون أي دور للجانب الفلسطيني، تحديد الأسماء، وتعيين كل دفعة، ووقت إطلاقها، إلى أن اقترب استحقاق إطلاق الدفعة الرابعة، والمحدد له تاريخ التاسع والعشرين من آذار/مارس 2014، أي قبل نحو شهر كامل من انتهاء مهلة المفاوضات المطلوب تمديدها، ماطل الصهاينة، ثم رفضوا الإفراج عن الأسرى في الدفعة الرابعة.

كان متوقعاً أن إطلاق الدفعة الرابعة سيواجه تعقيدات كثيرة، فقوام هذه الدفعة من المناضلين الفلسطينيين، هم أبناء الأراضي المحتلة عام ثمانية وأربعين، تنظر حكومة الاحتلال إلى هؤلاء بوصفهم “مواطنين في دولة إسرائيل” لا شأن للسلطة الفلسطينية بهم، ولا يحق لها المطالبة بإطلاق سراحهم، وكنا قد أشرنا منذ بداية الاتفاق، وعلى هذه الصفحات، إلى الأزمة الكبيرة التي سترافق إطلاق الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين.

عرضت حكومة الاحتلال إطلاق سراحهم مقابل إبعادهم إلى أراضي السلطة الفلسطينية، الأمر الذي رفضته السلطة، وتزامن كل هذا مع الطلب الأميركي، بناء على الرغبة الصهيونية، بتمديد المفاوضات ستة أشهر أخرى، وهو ما واجه الرفض الفلسطيني مجدداً، إذ شعرت السلطة الفلسطينية، بفقدان ورقة العزاء، جراء السلوك الصهيوني تجاه قضية الأسرى، فقد كان من شأن الإفراج عنهم، أن يجعل السلطة في صورة من قدم إنجازاً، ولو بسيطاً ومتأخراً أكثر من عقدين من السنين، لكن الفشل في إطلاق سراح الأسرى بعد عشرين سنة من المفاوضات، جعل كل هذه العملية تبدو وأكثر من أي وقت مضى، بلا قيمة، وعديمة الجدوى، وضارة ومهينة للشعب الفلسطيني، ومرة أخرى بمقاييس التسوية البائسة ذاتها.

المنظمات الدولية

عند هذه النقطة قام رئيس السلطة، وعلى الهواء مباشرة، بتوقيع طلبات الانضمام إلى ثلاث عشرة معاهدة واتفاقية دولية، قيل لاحقاً إنها خمس عشرة، جاء إخراج الخطوة (مصورة) على هذا النحو مقصوداً، أراد القول: لا تراجع عن الخطوة التي تم الالتزام بعدم القيام بها، لقاء استمرار المفاوضات وإطلاق سراح الأسرى، لكن طلب تمديد التفاوض أطاح بكل شيء، لم يكن ممكناً العثور على مبرر للموافقة على طلب التمديد لأشهر أخرى، ودون ضمانات أيضاً.

اعتبرت حكومة الاحتلال الخطوة تحركاً خطيراً! ويقوض المفاوضات، وهددت بالرد بخطوات أحادية من بينها فرض عقوبات على السلطة الفلسطينية، سارت الولايات المتحدة في ذات الاتجاه ووصلت حد التهديد بالاستنكاف عن مواصلة الاهتمام بالتسوية.

قال جون كيري، وزير الخارجية الأميركية: “إن الولايات المتحدة تقيم ما إذا كان من المجدي مواصلة دورها في محادثات السلام في الشرق الأوسط”، وأضاف: “هذه ليست جهوداً إلى ما لا نهاية ولم تكن قط، إنه وقت العودة للواقع ونعتزم أن نقيم بدقة ماذا ستكون الخطوات المقبلة”.

بينت تصريحات مسؤولين وخبراء أميركيين، أن واشنطن لا ينبغي لها التصرف على هذا النحو، ينطلق هؤلاء من وجود فرصة يجب على الإدارة أن تغتنمها، فقد نسب إلى مستشار أوباما السابق لشؤون الشرق الأوسط، دينيس روس قوله: “هناك اضطراب كبير في المنطقة وعلى الصعيد الدولي في الوقت الحالي، هل تريدون زيادته؟ لا نحتاج لأن نرى انهيار شيء بذلنا جهداً فيه”.

بدا لافتاً أن بعض الصحف الصادرة في كيان الاحتلال، تحدثت هي الأخرى، عما اعتبرته “تداعيات كارثية” على “إسرائيل” في حال توقف العملية السياسية، فقد توقعت صحيفة هآرتس، أن تنأى الإدارة الأميركية بنفسها عن الصراع وانتهاج سياسة “الإهمال الناعم”، وقالت الصحيفة إن الإدارة الأميركية على “قناعة بأن سياسة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو هي السبب الأساسي لفشل المفاوضات، مؤكدة أن الجهود الإسرائيلية لتحميل الفلسطينيين مسؤولية فشل المحادثات لن تجد أذنا صاغية إلا في كندا”، وتضيف الصحيفة: “لن يكون الإهمال ناعماً على إسرائيل، وبخلاف ما يحاول نتنياهو وكبار مساعديه الترويج له للاستهلاك الداخلي، لا أحد عدا رئيس الوزراء الكندي ستيفن هاربر سيتهم الفلسطينيين بالمسؤولية عن فشل عملية التسوية”.

عملياً تحرص الولايات المتحدة وحكومة الاحتلال على إبقاء الملف التفاوضي كله، بعيداً عن الأمم المتحدة التي أصدرت قرارات كثيرة، يمكن اعتبارها جزئياً في صالح الحقوق الفلسطينية، ولذلك يبدي الطرفان الأميركي والصهيوني استياء من التحرك الفلسطيني نحو المنظمة الدولية.

وقد اعتبر كثير من المحللين والسياسيين الفلسطينيين أيضاً، أن المنظمة والسلطة معاً ارتكبتا خطأ كبيراً بقبول مبدأ التفاوض بعيداً عن مظلة الأمم المتحدة وقراراتها، الخطوة الأخيرة لا تغير كثيراً، خصوصاً مع ظهور رغبة في التعامل التقليدي مع موضوع الانضمام إلى المنظمات الدولية والاتفاقات التي تتم تحت رعايتها.

كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات، قال “إن إجراءات الانضمام إلى منظمات دولية قد تمت”، ولكنه عاد للربط بين الأسرى وخيار متابعة طلب العضوية في هيئات ومنظمات دولية تابعة للأمم المتحدة، فقد أضاف عريقات “هذا ليس له علاقة بالمفاوضات، فالصفقة، التي تمت مع وزير الخارجية الأميركي جون كيري وليس مع إسرائيل، تقول إنه إذا وافقت إسرائيل الإفراج عن 104 أسرى يمتنع الجانب الفلسطيني عن الذهاب لعضوية هذه المؤسسات الدولية لمدة تسعة أشهر”، وتابع: “التزمنا، وكان ثمناً كبيراً، لكن عندما رفضت إسرائيل إطلاق الدفعة الأخيرة المؤلفة من 30 أسيراً، قمنا بالانضمام إلى 15 ميثاقاً ومعاهدة، لكن هناك 48 منظمة وميثاقاً ومعاهدة أخرى لم ننضم إليها بعد، القيادة على استعداد للامتناع عن الانضمام لهذه المنظمات مقابل الإفراج عن الأسرى، وإذا لم تطلق إسرائيل سراح الدفعة المتبقية من الأسرى، فإننا في حِل من الالتزام”.

ينقل عن رئيس السلطة قوله: “إسرائيل لم تعد تخيف أحداً، ولها أن تفعل ما تريد”. لماذا الإصرار على المفاوضات وعقلية المساومة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2165538

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165538 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 5


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010