الخميس 15 تموز (يوليو) 2010

سفينة «الألم»..!

الخميس 15 تموز (يوليو) 2010 par أيمن اللبدي

يمكن التفكير بعدة عناوين تصلح معها الكتابة حول سفينة «الأمل» الليبية، ومنذ الآن ومع طبيعة النهاية التي خرجت بها هذه القصة، فالمادة غنية بما يكفي عندما تستحضر وقائعها ميكانيكياً مع تراجيديا السفينة «مرمرة»، والمجال رحب للمقارنات والمقاربات وما بينهما دون أن نسقط بالطبع تفاعل ذلك كله، مع حديث رجل الشارع العربي ونظرته الخاصة حول هذه القصة الجديدة. لكن من المفيد مع نهاية القصة إضافة ما احتوته مقابلة صحفية مع صاحب مشروع السفينة «الأمل»، حيث تغدو هذه العناوين أكثر إثارةً عندما لا تكتفي بالاعتماد على التحليلات ومحاولة فهم السيناريوهات.

أحد العناوين اختاره الأستاذ الدكتور عدنان بكرية مبكراً لتناوله هذه القصة، عندما كتب مقالته اليوم تحت كلمات «سقوط المرجلة العربية»، وهي كلمات غدت تختصر النظرة التي أصبحت غير قابلة للنقض بسهولة عن واقع النظام الرسمي العربي، وصحيح أنها لم تتجاوز إلى ما كان ممكناً أن تصل إليه لو أتيح لها أن تطلع على المقابلة الصحفية المذكورة، لأنه في هذه الحالة كانت ستختصر عشرات الأسئلة التي وجهتها المقالة للقائمين على هذا المشروع، ولربما عندها كانت طبيعة كلمات العنوان الذي اختاره العزيز عدنان ستذهب إلى يافطة أخرى، مثلاً كنا سنتوقع لهذا العنوان أن يكون متجاوزاً لمسألة سقوط «المرجلة»، إلى مادة أكثر تحديثاً في الواقع العربي ، مثلاً «التطبيع الثوري».

تكاد تقرأ في مقابلة السيد سيف الإسلام القذافي هدف الرحلة قبل أن تبدأ، وإن تسمية الرحلة والسفينة باسم «الأمل» تغدو مخادعة قليلاً للذهن الخالي، أو للذهن العربي الذي كان سيقيس فوراً الدلالة المباشرة لهذه الكلمة، بما يوازي الهدف الذي سعت إليه كافة الرحلات السابقة تقريباً، ورحلة السفينة «مرمرة» تحديداً وعلى وجه اليقين، أي الأمل بوصول هذه السفينة إلى شواطىء غزة والتمكن من كسر هذا الحصار بالقوة العادلة، قوة الحق والقانون والحجة الإنسانية في مواجهة القوة المفرغة من كل قيمة إنسانية، والتي يكون معادلها الموضوعي المباشر في هذه الحالة، الغطرسة واالقرصنة والعدوان، وهو الأمر الواضح لكافة الضمائر الحية في هذا العالم، وساهمت تراجيديا السفينة «مرمرة» في تكريسه والانتقال إلى البناء عليه.

يبدو أنه ليس ذات «الأمل» الذي صاحب تسمية السفينة الليبية، وأنه أمل من نوع مختلف كما يفهم من سياق هذه المقابلة الصحفية ومن الإعلان الذي تم توضيحه بشكل واضح على لسان السيد سيف الإسلام، إنه أمل بنجاح (صفقة تاريخية مع «إسرائيل» برعاية مصرية لإعمار غزة)، وهي الكلمات ذاتها كما وردت في هذه المقابلة المثيرة، ويبدو أنها أريد لها أن تكون مقدمة لزيارة كان قد أعلن عنها باكراً في سياق التداول الإعلامي، بأن العقيد معمر القذافي نفسه ينوي القيام بها إلى قطاع غزة، حيث لوحظ بعض النشاط الذي تقوم به حكومة «غزة» وحركة «حماس» فيها، استعداداً لحصول هذه الزيارة فيما لو تم تأكيدها، وهنا تصبح المسألة مستوفية الصورة في هذه المرجعية وهذه العناوين، ولا بأس أن تكون على هذا النحو، المهم أن تكون على نوعها الحقيقي وليس على أي نوع شعاراتي أو مخادع.

هذه القصة في سفينة «الأمل» أصبحت واضحة اليوم، والذي بقي غير واضح ويشوبه الكثير من الغموض في واقع قصص السفن، هو إعلان إيران عن إرسالها أيضاً سفناً تحت عنوان «كسر الحصار»، وإعلان آخر لبناني عن إرسال سفينة أخرى لكسر الحصار، سفينة إيران التي أعلن عن مرافقة الحرس الثوري الإيراني لها، لم نسمع عن التسمية التي يفترض أن تحملها السفينة، أما السفينة اللبنانية التي كان يفترض بها أن تغادرقبل نحو أسبوعين، فسمعنا باسم «مريم» لها قبل أن تثار من حولها زوبعة إعلامية لبنانية ولغطاً كثيراً، يبدو أن مسألة التصويت على الحقوق المدنية والإنسانية للاجئين الفلسطينيين قد استلمت منها، في ماراثونات «الزعبرة» الإعلامية العربية عصا السباق، فغطت على قصتها ولم نعد نسمع المزيد عنها، وهكذا لدينا في هذا الجانب «آمال» غير محددة ولم يكتمل مشروعها كما يبدو.

في مسلسل السفن هذه وسجلها منذ بدأت تنوع واضح، صحيح هناك دوماً نشاط للحركة الإسلامية الدولية في معظمها، لكن هناك أيضاً تنوع في مستوياتها والقصص الكامنة خلف بنائها، فثمة مشاريع قامت على أساس الجهد المدني الذي استطاع أن يحظى أحياناً بتغطية شبه رسمية أو رسمية، من قبل مؤسسات حكومية برلمانية في الدول الغربية من خلال مشاركة ممثلين عنها، وقوافل شريان الحياة ومشاركة عضو مجلس العموم البريطاني جورج جالاوي كانت قمة الحبكة فيها، وتكرار هذا النشاط من الباب التركي عبر أسطول الحرية، أعطى تنويعاً جديداً من خلال الدعم الرسمي الحكومي التركي الذي باركته حكومة أردوغان، وكانت قصة السفينة «مرمرة» هي القمة في هذا المسلسل، ويبدو أن هذه القمة ليست من النوع القابل للتجاوز لا عربياً ولا إيرانياً، ولذا فإن مسلسل السفن عليه أن لا يغدو النشاط المفضّل لا لمحبي العدالة والحرية، ولا للراغبين في الاستثمار والتوظيف السياسي على الجانبين.

هذه المقابلة بحد ذاتها أيضاً بالقدر الذي أضاءت فيه أنواراً كاشفة وكافية حول قصة سفينة «الأمل»، فإنها حملت في حيثياتها وموضوعاتها التي أثيرت زوايا يصعب تجاوزها، وستكون مادة لافتة لرؤية أوضح عن طبيعة وحجم الشروخ في واقع هذه الأمة السياسي، وكما تعودنا من ليبيا فإنها تقول ما عندها بصراحة غير عادية في العالم العربي، ومسألة الاتفاق مع ما تقوله عن الأفضل أو الأسوأ تبقى مسألة أخرى في الاتفاق معها أو مخالفتها، والأهم لمن يريد معرفة الحقائق أن يسمع ما تقول طالما هي تفضح حقائق المسائل مهما كان دافعها لذلك فهي أيضاً مسألة أخرى، ورغم الشعور بالمرارة الشديدة مما احتوته المقابلة الصحفية المذكورة، وخاصة في جانبين اثنين من المواضيع الكثيرة التي أسقطت عليها الضوء المباشر، الأول : هو الرضوخ العربي للفعل والقرار الصهيوني في مسألة الحصار ومسألة الانشطار معاً، والثاني : التوظيف السياسي لهذين الأمرين فلسطينياً أولاً بين حكومتي رام الله وغزة، وما تلا ذلك ثانياً في دوائر تتسع، بحيث تكون نتيجة هذا الواقع المزري، هو خدمة الهدف الأول وتكريسه على حساب القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني والكفاح الفلسطيني، بينما يجري هذا كله باسم ذلك كله، قصة سفينة «الأمل» وما قاله السيد سيف الإسلام القذافي في هذه البؤرة المركزية كان وللأسف الشديد صادقاً وقاطعاً، وكافياً بما يلزم لتغدو التسمية الحقيقية لرحلة هذه السفينة، سفينة «الألم»، وبقي - اتساقاً مع الصراحة الليبية - تمنياتنا على الأخوة في ليبيا بأن ليتهم طبقوا الصراحة من البداية ووفروا علينا الإخراج السينمائي العربي الهزيل.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 45 / 2165445

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165445 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010