الأربعاء 30 نيسان (أبريل) 2014

مصالحة تبحث عن برنامج سياسي

الأربعاء 30 نيسان (أبريل) 2014 par صقر أبو فخر

منذ توقفت المفاوضات الفلسطينية - «الإسرائيلية» في سنة 2010، ظهرت قضية فلسطين، وكأنها اختُزلت إلى أمرين، لا ثالث لهما: المصالحة بين حركتي فتح وحماس، والتفاوض العقيم مع «إسرائيل.» وطوال السنوات الأربع المنصرمة، بل قبل ذلك بسنوات، راحت فكرة التحرر الوطني تتضاءل بالتدريج، في الخطاب السياسي الفلسطيني، وبدا كأن قضية فلسطين غير قابلة للحل، ولا سيما بعد رسوخ قناعة لدى نخبٍ فلسطينيةٍ بأن هناك ميلاً لدى الدول العربية إلى التخلص من عبء قضيتهم، وأن من شأن ذلك أن يحوّل قضية فلسطين إلى ما يشبه قضية الأرمن.
وعلى الرغم من أن سجلَّ المصالحة بين “فتح” و“حماس” حافل بالمواعيد الخائبة، مثل اتفاق مكة في سنة 2007، واتفاق القاهرة في 2011 واتفاق الدوحة في 2012، إلا أن المصالحة كان يجب أن تتم، على الأقل، في سنة 2012 بعد العدوان الاسرائيلي على غزة. بيد أنّ إسماعيل هنية تأخر إلى 19/12/2013، ليدعو إلى اجتماع وطني شامل لمناقشة تأليف حكومة التوافق الوطني، استناداً إلى اتفاقي القاهرة والدوحة. ومع ذلك، لم تتحقق المصالحة جراء إصرار “حماس” على رفض دمج الأجهزة الأمنية، وعلى أن اختيار رئيس الحكومة ليس من حق الرئيس محمود عباس، بل من حقها هي بالتحديد، إلا إذا ترأسها أبو مازن بنفسه.
منذ ذلك الوقت، “تشقلبت” أحوال العرب أيما “شقلبة”، وانفجر العنف في كل مكان، وجرت مياه كثيرة في جميع الاتجاهات، جارفة معها حتى نظام الرئيس، محمد مرسي، في مصر، مما أتاح، بقوة الضرورة والوقائع القاهرة معاً، التوصل إلى هذه الوقفة التعبوية التي من المحال أن ندرك هل تطول أم تقصر، وهل تصمد أمام الزوابع الفلسطينية، أم تتطاير كغبار الطلع. وكان من اللافت أن وفد المصالحة الذي غادر رام الله إلى غزة لم يضم، في ما عدا عزام الأحمد، أي شخصية لها ثقل سياسي جدي، بل إن شخصية مالية مهمة، هي منيب المصري، كانت في عداد الوفد، وهذا الأمر يشير، ربما إلى احتمال أن يتولى المصري حكومة التوافق الوطني، التي من المفترض تأليفها من كفاءات مستقلة، بحسب نص الاتفاق، في حال استنكاف محمود عباس عن تولي رئاسة الحكومة بنفسه. والمعروف أن منيب المصري ما برح ساعياً، منذ أكثر من أربع سنوات، إلى تحقيق المصالحة، ولديه مشروع لهذه الغاية، ما انفك يعرض بنوده ونصوصه على كل طرف فلسطيني أو عربي.

لا شك في أن مشاركة “حماس” في أية حكومة فلسطينية يعيدنا، مجدداً، إلى شروط اللجنة الرباعية الدولية، التي تفرض إدانة الإرهاب، والاعتراف باتفاق أوسلو والاتفاقات الأخرى المتفرعة منه، ومنها الاتفاقات الأمنية، والقبول بالتفاوض المباشر أساساً لتطبيق بنود “أوسلو”. لكن دول اللجنة الرباعية ستقبل، في النهاية، وتعتاد وجود حماس في أية حكومة فلسطينية، مثلما اعتادت وجود حزب الله في الحكومات اللبنانية المتعاقبة. وفي المقابل، بدأت حركة حماس تنطق بلسان جديد، إلى حد ما، كما لو أن لغتها “المحدثة” موظفة لكي تكون تمهيداً لسياسة جديدة؛ فاسماعيل هنية، في خطبة له في 19/10/2013، تبرأ من دعم الإرهاب في غزة، في سياق دعوته إلى المصالحة الفلسطينية. ولم يتورع خالد مشعل، قبل ذلك عن القول: “إسرائيل كيان موجود كأمر واقع (...) والقبول بحدود 1967 يعني اعترافاً بوجود اسرائيل” (مجلة “المشاهد السياسي” - لندن، 18/3/2007). وكان قد صرح، في مقابلة مع مجلة “نيو ستيتمان” اللندنية، أجراها معه كين ليفنغستون، ونشرت في 17/9/2009 “إن التسوية السلمية هي الأكثر واقعية لحل الأزمة، وهي التي تبدأ بوقف النار بين الجانبين، وترتكز على انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي المحتلة في سنة 1967”.
ما الذي بقي من الخلاف السياسي بين “فتح” و“حماس” في شأن الموقف من التسوية السياسية؟ لا شيء. فموقف “حماس”، على هذا المستوى، يكاد يطابق موقف “فتح”، وباتت “حماس” بلا مشروع سياسي البتة، بل إنها لا تمتلك أي مشروع سياسي. و“حماس” اليوم لا تستطيع إعادة العقارب إلى الوراء بسرعة، بعد نهاية نظام الرئيس، محمد مرسي، في مصر، وبعد أن طويت “صفحات الخلافة الراشدة”، بعد أن كان إسماعيل هنية قد توهم في خطبة ألقاها في 20/7/2012 أن هذه الصفحات فُتحت، ولن تغلق. وبهذا المعنى، فإن حماس التي ظهرت، طوال المرحلة الأولى من الثورة المصرية، كأنها جزء من مشروع الاخوان المسلمين، صارت اليوم بلا أي مشروع، إلا المشروع الأمني في غزة. وحتى هذا المشروع سقط بانهيار الظهير الإخواني المصري.
تذهب حركة فتح إلى المصالحة تحت ضغط الضرورة، وهذا ما تفعله “حماس” بالمقدار نفسه. وأولى خطوات هذه المصالحة هي الاتفاق على برنامج سياسي شامل، أما الأمور الإجرائية، كالانتخابات والحكومة والوزراء، فشؤون تفصيلية في نهاية المطاف. وهذه المصالحة لن يقيض لها الوصول إلى خواتيمها الإيجابية، إلا إذا اتحدت السلطتان في سلطة مركزية واحدة، تكون حماس جزءاً منها، بعد أن تتخلى عن سلطتها الانفرادية في غزة، وبعد أن تُدمج الأجهزة الأمنية في مؤسسة أمنية واحدة. وإلا، فلنذهب إلى الفيدرالية الفلسطينية الكسيحة، والمضحكة، والميتة. فنحن إذا أخذنا قلم رصاص وقسمناه قسمين، يصبح لدينا قلمان. وإذا أخذنا طائراً بجناحين، وقطعناه قطعتين، يصبح لدينا قطعتان من لحم ميت، لا طائران.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 50 / 2165437

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165437 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010