الاثنين 12 أيار (مايو) 2014

فلسطينيو “48”: أقلية تنهض بعبء أكثرية شعبها

الاثنين 12 أيار (مايو) 2014 par محمود الريماوي

مما يثير التأمل والتفاؤل أن تبدو أكثر الاحتفالات تميزاً بيوم 15 مايو/ أيار وهو ذكرى سقوط فلسطين عام ،1948 هي تلك التي يحتفل بها أبناء فلسطين الباقون على أرضهم للقيام بها . وهؤلاء وتعدادهم نحو مليون وثلاثمئة ألف نسمة، يحملون تسميات مختلفة، منها: «عرب ال ،48 وفلسطينيو الخط الأخضر، لكن السلطات الصهيونية تحرص على تسميتهم بالعرب “الإسرائيليين” أو تطلق على تكتلهم تعبير الوسط العربي» . وقد حُظر عليهم على الدوام إظهار هويتهم الوطنية، لكنهم منذ عشر سنوات على الأقل كسروا هذا الحظر .
يوم الثلاثاء الماضي 6 مايو/ أيار الجاري انطلقت مسيرة ضخمة ضمت عشرة آلاف متظاهر أغلبهم من الجيل الشاب، نحو قرية لوبية شمال فلسطين قرب طبريا، رافعين الأعلام الفلسطينية، ومعها الشعار الذي ترفعه جماهير الداخل بمناسبة يوم 15 مايو/ أيار: يوم استقلالكم هو يوم نكبتنا .
نعلم أن يوم الأرض الذي يحتفل به الفلسطينيون في كل مكان يوم الثلاثين من مارس/ آذار قد أطلقه في الأصل فلسطينيو الداخل منذ العام ،1978 وتمحورت الشعارات منذ ذاك على إعادة المشردين من قراهم التي دمرتها العصابات الصهيونية وتبلغ زهاء 44 قرية وإعادة بنائها، ومنع السيطرة على مزيد من الأراضي .
مع تنامي الكفاح الوطني في الداخل اتسعت المطالبات من عودة المشردين إلى قراهم ممن أجبروا على الانتقال إلى مناطق أخرى، إلى المطالبة بعودة اللاجئين الفلسطينيين في الشتات إلى ديارهم التي هُجّروا منها . “من مخيم اليرموك إلى عودة عن حق العودة” . كان هذا أحد أبرز الشعارات التي تم رفعها في المسيرة الوطنية إلى القرية المدمرة، التي أقام الصهاينة بجوارها بلدة يهودية أطلقوا عليها اسم لبّا (يعمد الصهاينة إلى إطلاق أسماء عبرية على بلدات فلسطينية مثل قرية لوبية التي باتت لبّا، ثم الإدعاء عقب ذلك أن الاسم العبري هو الاسم القديم للقرية! أي أن نهج السرقة والتدليس يطاول الأسماء) .
لم تنجح السلطات في منع الاحتفال بيوم النكبة، ولا في تحوله إلى مناسبة وطنية قومية، ذات ارتباط مع مجمل أهداف الحركة الوطنية الفلسطينية . وبينما تبهت احتفالات الفلسطينيين في الدول العربية بهذه المناسبة نتيجة عوامل جمة، فإن اهتمام فلسطينيي الداخل بالذكرى يتزايد سنة بعد سنة، ويتخذ طابعاً سياسياً جريئاً وأكثر جذرية، رغم أن فلسطينيي الداخل يحملون الجنسية “الإسرائيلية” .
وإلى جانب الأحزاب العربية والنواب، فثمة إطاران يناضل من خلالهما أبناء فلسطين الباقون على أرضهم، الإطار الأول هو “مجلس رؤساء السلطات المحلية” والثاني “لجنة المتابعة” ويكافح هذان الإطاران ضد سياسات مصادرة الأراضي والتجنيد في الجيش ومن أجل الإفراج عن المعتقلين، ويتصدى هذان الإطاران مع الأحزاب لمشروع يهودية الدولة، الذي يراد به النفي السياسي لأبناء الداخل، وتخفيض مركزهم السياسي والقانوني بصفتهم غير يهود .
ويينما تنشط السلطات الصهيونية لاستقدام المزيد من المهاجرين اليهود وانتزاع هؤلاء من وطنهم واستدراجهم للقدوم إلى أرض فلسطين، فإن أبناء الداخل باتوا ينشطون علناً بالمطالبة بعودة أبناء شعبهم من الشتات إلى ديارهم، في وقت اضطربت فيه المطالبة بحق العودة على أجندة السلطة الفلسطينية، وحتى لدى المجتمع السياسي الفلسطيني . ويجري التعبير عن هذا الموقف في مواجهة احتفال الصهاينة بما يسمونه عيد الاستقلال، فيما هو في واقع الأمر يوم الاستيلاء والسطو على أرض أبناء البلاد وحقوقهم الثابتة في وطن الأجداد .
على مدى 66 عاماً لم تنجح السلطات الصهيونية بأسرلة الكتلة العربية الفلسطينية إلا بنسبة ضئيلة، كما أخفقت في تحويل أبناء الشعب إلى طوائف وأتباع ديانات، أملاً في تبديد هويتهم الوطنية والقومية الجامعة، وإن كانت حققت بعض الاختراقات في ذلك لدى بعض الطوائف، التي لم تلبث أن انطلقت منها دعوات معاكسة لرفض تجنيد أبناء طائفة الموحدين (الدروز) . ومؤخراً وجرياً على طريقتها التفتيتية سعت السلطات الصهيونية إلى اجتذاب أبناء البلاد من الفلسطينيين المسيحيين إلى التجنيد في الجيش (بشكل طوعي)، وهي دعوات لاقت رفضاً واسعاً وكشفاً سريعاً لمآربها الخبيثة في التعامل الفئوي مع شعب الداخل، الذي يحفظ أسماء رواد في الحركة الوطنية بين صفوف المسيحيين أمثال إميل توما وحنا أبو حنا وإميل حبيبي وتوفيق زياد وسواهم، علاوة على أجيال لاحقة من القادة الوطنيين .
وبينما لا يحظى أبناء فلسطين في الداخل بأي دعم سياسي أو معنوي خارجي باستثناء دعم هيئات أوروبية أهلية، وبينما لا يجد هؤلاء إسناداً من السلطة الفلسطينية إلا بحدود ضيقة تعبّر عنها على الخصوص اتحادات شعبية، فإن أبناء الداخل ينهضون من جهتهم بعبء الانتصار لقضية شعبهم في الضفة الغربية وقطاع غزة والشتات، سواء كان ذلك تحت قبة الكنيست من طرف نواب عرب ينتمون لأحزاب عربية، أو من قبل الأحزاب والهيئات الشعبية، التي لطالما هبّت لنصرة المسجد الأقصى ولفك الحصار عن قطاع غزة، رغم أن أبناء الداخل يشكلون نحو 15 في المئة من عموم أبناء فلسطين، ورغم القيود الهائلة المفروضة عليهم والمترتبة على الجنسية التي يحملونها . وهكذا فإن من هم في حكم الأقلية باتوا ينهضون هم بتحمل عبء أكثرية شعبهم، ولا شك أنها مفارقة تسترعي الاهتمام كما تثير الاحترام .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 19 / 2166016

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2166016 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 24


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010