الجمعة 16 أيار (مايو) 2014

في الذكرى السادسة والستين للنكبة

الجمعة 16 أيار (مايو) 2014 par أسامة أبو ارشيد

حلت، أمس، الخميس (15/5)، ذكرى أليمة. ذكرى واحدة من أكبر عمليات السطو التي عرفها التاريخ الإنساني. هي الذكرى السادسة والستون لنكبة فلسطين، وإعلان “استقلال” دولة إسرائيل في الخامس عشر من مايو/أيار 1948.

هي واحدة من أكبر عمليات السطو التي عرفها التاريخ الإنساني، ذلك أنّها لم تسرق الأرض وتشرّد السكان فحسب، بل إنّها، أبعد من ذلك، زوّرت حقائق التاريخ والجغرافيا القريبة والبعيدة، بل، وحتى المعيشة أيضاً. ولاحظ التعبير «الإسرائيلي» لتوصيف النكبة: “الاستقلال”.. عمن، وبماذا؟
بالنسبة إلى اليهود الصهاينة، الاستقلال يعني التحرر من الاستعمار البريطاني، كما يصفونه، وقبل ذلك العربي والإسلامي، والذي كان آخره الحكم العثماني.

قد يرفع بعضهم حاجبيه: «إسرائيل» تحتفل بالذكرى الـ66 للاستقلال عن بريطانيا! أليست بريطانيا من لمَّت شعثهم من أصقاع الأرض جميعها؟ أليست هي من بعثت الروح في مخططاتهم لفكرة “الوطن القومي” عبر وعد بلفور عام 1917؟ أليست سلطات الانتداب البريطاني في فلسطين هي من هيأت لهم سرقة الأرض الفلسطينية، وفتحت لهم أبواب الهجرة مشرعة، وسلحت عصاباتهم الإجرامية، وقمعت مناوئيهم من الفلسطينيين الوطنيين! ثمَّ إنّها، بعد ذلك، هيأت لهم أجواء الاحتلال، وفوق ذلك، الأجواء اللازمة لنيل الاعتراف الدولي الرسمي لقيام دولتهم عبر منظمة الأمم المتحدة، أليس ذلك كله صحيحاً؟
لا شك في أنّ جواب تلك الأسئلة السابقة: نعم.

ولكنها العقلية الصهيونية المتلفعة بلبوس الدين اليهودي، والتي تريد أنّ تجعل من نفسها، ونجحت إلى حد كبير، ضحية لكل العالم، بل وللإنسانية جمعاء. العقلية الصهيونية تقول إنّنا كدنا نباد، بسبب نظام هتلر النازي، في ظل صمت أوروبي مريب. أيضاً، لم تكن أوروبا تريدنا فيها، حيث كنا منبوذين هناك، وغير مقبولين. وبما أن الأوروبيين استيقظ “ضميرهم” فجأة، فإنّه كان لابد من حل لمشكلتنا: “المشكلة اليهودية” في أوروبا. وبدل أنّ يكون الحل في ألمانيا، أو أوروبا، تكفيراً عن سيئاتهم بحق اليهود، يأتي الحل على حساب الفلسطينيين والعرب!

التاريخ يسجل، بما في ذلك التاريخ اليهودي نفسه، أنّ العرب والمسلمين وحدهم من حموا اليهود في الحقب التاريخية المختلفة. لقد كانت الدول الإسلامية في المغرب والجزائر، والدولة الإسلامية العثمانية، هي من استقبل اليهود الهاربين من بطش الإسبان، بعدما أسقطوا حضارة الأندلس الإسلامية. حينها، لم يفرّق المسلمون المضيفون بين المسلمين واليهود الهاربين من محاكم التفتيش الإسبانية. لكن الجميل، اليوم، يردّ كما لو أنّ العرب والمسلمين هم من كانوا القَيِّمينَ على محاكم التفتيش الإسبانية، أو أفران الغاز الألمانية، أو حتى كما لو أننا نحن من كان ينبذ اليهود داخل مجتمعاتنا، ونصفهم بـ“المشكلة”، كما كانت تفعل أوروبا! الجميل ردتّه لنا الصهيونية، بمحاكم تفتيش ومنطق هتلري وإيجاد “مشكلة فلسطينية”!

عندما قامت« إسرائيل»، فإنها لم تَنْسَحْ في فراغ سكاني وجغرافي وتاريخي وحضاري. كلا، فهي قامت على أنقاض شعب وجغرافيا وتاريخ وحضارة فلسطينية، ضمن سياقها العربي والإسلامي. وعندما احتلت بريطانيا فلسطين عام 1917، لم تكن نسبة اليهود تتجاوز الـ5.8% من إجمالي السكان، وكانت نسبة ما يملكونه من الأرض أقل من ذلك بكثير.
ولكن، وبقدرة قادر يتحوّل اليهود من سكان فلسطين، قبل رحيل الاحتلال البريطاني، إلى نسبة كبيرة بين السكان الأصليين (30.2% عام 1948، بل وَيَتَمَلَكون أراضي فلسطينية كثيرة، ثمّ لا يكتفون بذلك، حيث سيحتلون البقية الباقية على دفعتين (عام 1948/1967). طبعاً، ذلك النمو السكاني والتوسع التملكي لم يكونا طبيعيين، لكنهما كانا نتيجة قيصرية لممارسات الاحتلال البريطاني، التعسفية والظالمة، والمجازر الوحشية التي أعملها الصهاينة المحتلون في حق الشعب الفلسطيني الأعزل.
نعم، قامت إسرائيل على أنقاض فلسطين، ومُكِّنَ “الشعب اليهودي” على حساب الشعب الفلسطيني، والذي تحول أكثر من ثلثيه إلى لاجئ في فيافي الأرض.
إسرائيل التي تصف نفسها “واحة الديمقراطية” الوحيدة في صحراء من الديكتاتوريات، قامت، بحد السيف، عبر مجازر وتدمير وتهديم وتهجير. تاريخ إسرائيل مكتوب بالدم، وقام على الإرهاب، ومع ذلك يزوّرون التاريخ، على الرغم من أنّ كثيراً من هذا الجيل عايشه وشهد حقائقه.
ليس صحيحا أنّ السطو على فلسطين تمّ بسهولة، فشعب فلسطين قاوم، ولم يهرب، كما يشيع المغرضون اليوم، ولكن، أنَّى لشعبٍ كسير وأعزل أن يهزم الآلة العسكرية الأميركية -البريطانية - الغربية التي كانت، ولا تزال، تتسلح بها إسرائيل حتى الأسنان! أبلت الأنظمة العربية حينها بلاءً ماكراً في التخطيط للانكسار والهزيمة! ويكفي أن نذكر هنا أنّ تلك الأنظمة كانت حرباً على القوى الشعبية، بكل مشاربها الفكرية ومرجعياتها الإيديولوجية، والتي كانت تقاوم مع الشعب الفلسطيني. نعم، لقد طعنت أنظمة عديدة حينها قوى المقاومة الفلسطينية والعربية في ظهرها.. طعنة نجلاء، لا تأتي إلا من حاقد.
واليوم، وفي ظل الثورة الإعلامية الرقمية، لا يزال ثمة سطو على الوعي والذاكرة الجمعية العالمية. لا تزال إسرائيل تزيّف الحقائق، ونحن نراها ناصعةً أمام ناظرينا صباح مساء. تزوّر حقيقة عدوانها على الشعب الفلسطيني، وتصفه بالدفاع عن النفس، في حين تصور الضحية، والذي حَدَّت سكينها، ومكّنتها من رقبته، بالإرهاب والعدوان!؟
كذب من يقول إنّ العالم أعمى... كلا، فبعضه متواطئ... منه من هو متواطئ بدعم العدوان ونصرته... ومنه من هو متواطئ بسكوته وصمته... ومنهم من هو متواطئ بادعائه أنّه مصدّق الإفك الصهيوني.
أيضاً، لا تزال أنظمةٌ عربية كثيرة على تواطؤها. فهي، وفي سبيل إرضاء “السيد” الأميركي، تدوس على الفلسطينيين، وَتَفْرُكُ أحذيتها على رقابهم، من أجل أن يقدموا تنازلاتٍ عمَّا لم يتبقَّ عندهم ليتنازلوا عنه! الفلسطيني يُعامل في بعض أرجاء “الوطن العربي” الكبير، وكأنه أجرب، في حين يحل الصهاينة المحتلون أَهلاً وسهلاً!
في الذكرى السادسة والستين لنكبة فلسطين، يكبر فينا الأمل بقرب التحرير والانعتاق، وإعادة التاريخ إلى سياقه الطبيعي. ففي المحصلة، تأبى إرادة الشعب الفلسطيني الهوان، وحقه يأبى النسيان.
أيضاً، يتضاعف هذا الأمل، ونحن نعيش عصر التغيّرات الكبرى في الخريطة الثقافية والسياسية العربية. نعم، فعلى الرغم من كل الارتكاسات في انتفاضات التحرر العربية، إلا أنّنا نعيش عصر إسقاط أصنامٍ، ألَّهت نفسها، وتمادت في طغيانها، واستضعفت شعوبها، ولابد من أن ينكسر قيدها، طال الزمن أم قصر، ولن تكون قضية فلسطين خارج حسابات هذا النصر. ولا ننسى، هنا، أنّ نشير إلى تنامي الوعي العالمي بعدوانية إسرائيل ومظلومية الفلسطينيين.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 45 / 2182172

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

26 من الزوار الآن

2182172 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40