السبت 17 أيار (مايو) 2014

ست وستون سنة على نكبة فلسطين: التسوية غياب.. والمقاومة حضور

السبت 17 أيار (مايو) 2014 par نافذ أبو حسنة

اليوم، مضت ست وستون سنة على نكبة فلسطين، قبل أيام، كان الآلاف من الفلسطينيين يتوجهون في مسيرة حاشدة إلى قرية “لوبية”، أمضوا فيها ساعات، ليس للتذكر، وليس من أجل تظهير حنين لم يغب يوماً، بل لقول كلمة واحدة: مالنا لنا، هذه الأرض لنا، وكذا الشجر والجرح والذاكرة.

هكذا، وكما في كل مرة يعود الصراع إلى أصله، ويعرف المحتلون أن تلفيقاتهم عن الأرض والشعب لم تنجح، وأن المقولات التي أريد لها أن تتحول واقعاً قائماً، ومسلماً به، لم تعد قادرة على العيش والاستمرار، وصارت تتقدم رواية أخرى.

قرية “لوبية” هي واحدة من مئات القرى الفلسطينية التي اقتُلع أهلها منها، ودُمرت لتحل محلها المستوطنات الصهيونية على الأرض المغتصبة، وهي واحدة من مئات القرى التي شهدت اعتداءات مبكرة للصهاينة، وصمدت وقاومت وقدمت الشهداء.

حكاية تكررت في كل أنحاء فلسطين، وحفرت مكانها عميقاً في ذاكرة الشعب الفلسطيني، سواء من بقي على أرض فلسطين، أم من غادرها قسراً، مقتلعاً من الأرض والدار والحقل، دون أن يفارق فؤاده المكان، ولو للحظة واحدة.

بنيت الرواية الصهيونية على مقولة أرض بلا شعب، تصير لشعب بلا أرض، لكن للأرض شعبها، ليس هذا وحسب، بل للأرض شعبها الذي رفض الاستسلام، وظل متمسكاً بحقه في أرضه، إما منغرساً فيها مثل شجرها، وإما مناضلاً للعودة إليها، وباذلاً في هذا السبيل دمه.

لم يكتفِ الصهاينة بإطلاق المقولة الزائفة، بل سعوا لتحويلها واقعاً قائماً، إذ ما دام الشعب موجوداً على الأرض، فإعطاء صدقية للمقولة، يعني ألا يعود الشعب موجوداً، أما السبيل إلى ذلك، فسلسلة متلاحقة من المجازر التي ذهب ضحيتها الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني، من أقصى شمال فلسطين إلى أقصى جنوبها.

تزخر الذاكرة بالكثير من الأسماء، ففي كل مكان وطأه الغزاة سال الدم غزيراً في الصفصاف ودير ياسين، وأبو شوشة، والطنطورة، واللد وصفد وحيفا.. الخ، صارت للأمكنة عناوين جديدة وصفات جديدة أيضاً، جغرافية الدم والشهادة، على مساحة الوطن كله.

جردة الحساب

بعد ست وستين سنة على النكبة، تتجدد الأسئلة ذاتها، ويكون علينا مرة أخرى أن نجري جردة حساب، من غير انكسار، وأيضاً من دون تمجيد فارغ، أو إلباس الواقع لبوساً من وهم، للقول بأن كل شيء على ما يرام.

ليس كل شيء على ما يرام، ما زال الجرح ينزف، وما زال الملايين مقتلعين من أرضهم مطاردين بالمعاناة والعذاب، ما زالت الأرض مغتصبة، وما زالت القدس تحت وطأة الاحتلال، وما زال الأسرى في السجون، والموت يطارد أبناء الشعب الفلسطيني على أرضهم، ويلاحق حتى أشجار زيتونهم، سياسة المجازر التي شكلت أساساً للتفكير الصهيوني كله ظلت مستمرة، والأسماء التي احتلت مكانها في الخارطة بعد النكبة، ليست أقل من تلك التي سبقت وقوع النكبة، فهنا أيضاً أسماء قبية وكفر قاسم وخانيونس والسموع والقدس.. والقائمة تطول، ظل فعل القتل ملازماً لوجود القتلة الذين حسبوا أن القتل يغير حقائق التاريخ، وما زالت آلة القتل تعمل بنشاط كبير حتى هذه اللحظة.

لكن الشعب الفلسطيني لم يمت، وهو نجح في تقييد الآلة العدوانية الصهيونية، ومنعها من استكمال مشروعها في الإبادة والنفي، ولم يعد مشروع “إسرائيل الكبرى” على الجغرافية العربية قابلاً للتحقق، بل “دولة” مطوقة بالجدران وتواجه المقاومة في فلسطين وخارج فلسطين أيضاً، مقاومة شلت يد العدوان، وفرضت على العدو إجراء الكثير من الحسابات، قبل ممارسة العربدة التي اعتاد على القيام بها، والعدوان الذي يشكل سمته الأساسية.

اليوم يقف الفلسطينيون على أرضهم، أو هم على مقربة منها، يواجهون ويستعدون للمزيد من المواجهة، فعلى هذه الأرض لن يكون إلا الحق وأصحاب الحق، على هذه الأرض حجارة ورصاص واستشهاد، يقف مارداً في وجه آلة الموت والعدوان.

على هذه الأرض كتب الشعب المراد تغييبه ونفيه، مأثرة صمود ونضال مديدين، وفي ثنايا المأثرة حكايات تظل تنبض بالحياة والتحدي، المقاومة في وجه العدوان، أعادت رسم صورة جديدة أيضاً لهذه الجغرافية الفلسطينية.

بعد ست وستين سنة، مات الكثير الكثير من الكبار، لكنهم وقبل غيابهم، نجحوا في جعل الذاكرة حافلة بالحكاية من مبتداها إلى المنتهى، وهكذا فإن الصغار لم ينسوا أبداً، أكثر من ذلك تسلحوا بوعي استثنائي في مواجهة العدوان على وطنهم وحقوقهم، وهؤلاء بالذات من يبنون اليوم أفقاً لفلسطين المستقبل.

صحيح أنه لا يمكن اعتبار كل شيء على ما يرام، هذه حقيقة، وأيضاً ليست الصورة سوداء إلى حدود القول بموت فلسطين وقضيتها، على ما يريد البعض، مسوغاً ذهابه نحو الهزيمة والاستسلام، فلسطين لم تمت وشعبها صامد، بوعيه وذاكرته، لكن المطلوب اليوم أيضاً، هو أكثر من الصمود، هو أن يعود للقضية رونقها وحضورها، ففي آونة حضور صورة المقاوم تحضر فلسطين بحلتها البهية، وفي الأحوال الأخرى، يلحق التشوه بالصورة، وتفقد البهية أشياء كثيرة.

التسوية.. والمقاومة

بعد ست وستين سنة، يقوم رهان على التسوية، وفي الوقت نفسه، تستمر إرادة المقاومة فاعلة وتعبر عن حضورها بأشكال كثيرة ومتعددة، والمفاضلة بين الخيارين ليست جائزة، فكلاهما وضعا في التجربة والاختبار، وفي الحالين كانت النتائج واضحة جلية.

التسوية ظلم لفلسطين، وأهلها وأمتها، التسوية تنازل عن الحق الواضح التام لصالح التقسيم والتقاسم، والتسوية أوقعت ضرراً كبيراً بصورة القضية وحضورها، التسوية أبعدت الأمة عن فلسطين، تحت شعارات “القرار المستقل”، و“أهل مكة أدرى بشعابها”، و“نقبل بما يقبل به الفلسطينيون”، التسوية مسار من التنازل عن الحقوق، وهي خطأ بداية ونهاية، إذ ليست المشكلة في أداء المفاوضين ومواقفهم ومهاراتهم، المشكلة هي في مبدأ التنازل والقبول بأن يشارك العدو المحتل الغاصب، صاحب الحق، ووقف هذا المسار الكارثي، خطوة لازمة ومطلوبة، كي تعود فلسطين قضية حاضرة، وقد قدمت التجربة المريرة، ومسار السنوات الماضية، دلائل كثيرة على أن هذا النهج لم يأتِ لفلسطين وشعبها سوى بالويلات.

في ظل التسوية وأوهامها، سقطت فلسطين التي نعرف وتقلصت إلى أجزاء من فلسطين وحسب، وهذه هي أيضاً في عرف التسوية مناطق نزاع، بين المحتل وبين صاحب الحق فيها وفي ما هو أكثر منها بكثير، وفي ظل التسوية وأوهامها، جرى التقدم سريعاً في عمليات تهويد القدس، وتسارع الاستيطان واتسع على نحو غير مسبوق، وصار التنسيق الأمني، وهو وصف مخفف للعمالة المباشرة للمحتل، جزءاً من الثقافة الرسمية، واستبدل حق العودة بالحل العادل والمتفق عليه، في ظل التسوية وأوهامها ضاعت الصور والعناوين وتغيرت الصفات وفقدت البديهيات معناها وحضورها.

أما المقاومة، فهي نقيض النهج المدمر، هي التي توقف آلة القتل، وتقيد قدرة أداة العدوان على الفعل، ومن خلالها ظلت فلسطين عنواناً للعدل والحق والحرية، وللمقاومة أشكالها، على أن سيادة مفهوم إدامة الاشتباك مع العدو هو الأساس في الفعل المقاوم، وهذا الفعل كفيل بدحر العدو عن الأرض، وهنا أيضاً تنطق التجربة ومسار السنوات بالكثير من الدلائل والمؤشرات والنتائج الفعلية المباشرة.

في كل حضور للمقاومة بكل أشكالها، تراجع للعدو، ومنع له من تحقيق أهدافه وصولاً إلى فرض الانكفاء عليه، وعند كل غياب للمقاومة يتقدم العدو في مشروعه، لا يستطيع أحد الادعاء بغير ذلك، المقاومة حق، والمقاومة واجب، المقاومة توحد، وتحقق أهداف الشعوب، وللمقاومة أشكال عديدة، يعرفها الشعب الفلسطيني، وهو صاحب تجربة مديدة ومميزة في الابتكار والإبداع الكفاحي، الذي صار نموذجاً يُحتذى، وهو ليس عاجزاً عن ابتداع الشكل المناسب، لمواصلة كفاحه الوطني في كل مرحلة من المراحل، حتى يأتي اليوم الذي تلغى فيه نتائج النكبة كلها.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 20 / 2178247

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع وفاء الموقف  متابعة نشاط الموقع نافذ أبو حسنة   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2178247 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40