السبت 17 أيار (مايو) 2014

أولمرت إلى السجن .. ماذا يعني ذلك؟

السبت 17 أيار (مايو) 2014 par ياسر الزعاترة

للحكم على رئيس الوزراء «الإسرائيلي» الأسبق (إيهود أولمرت) أكثر من وجه يمكن الحديث عنه، لكن الوجه الأبرز الذي لا شك أنه ورد على ذهن كل مواطن عربي سمع الخبر هو إننا إزاء قوم ينطبق عليهم تحذير نبينا عليه الصلاة والسلام من مغبة أن يسرق الشريف فيُترك، فيما يقام الحد على الضعيف إذا فعل ذلك.
القضية التي واجهها أولمرت وحُكم عليه بسببها بالسجن لمدة ست سنوات، مع سماع كلام في منتهى القسوة من قبل القاضي، ليست سرقة بالمفهوم المتعارف عليه في عالمنا العربي، بل إنها تحدث بشكل يومي من مستويات متعددة من المسؤولين، بل أكبر منها بكثير، من دون أن يقف أحد منهم أمام القضاء، فضلا عن أن يُحكم عليه بالسجن لهذه المدة الطويلة.
ثمة حالات هنا وهناك تمت خلالها محاكمة مسؤولين فاسدين، ولكنها لم تكن سوى حالات نادرة في منظومة عربية تحالفت فيها السلطة مع المال، وشكلا محروسين بقوة الأمن منظومة فساد غربية أهلكت الحرث والنسل.
ثروات بالمليارات تسرق أمام أعين الناس في عدد كبير من دولنا العربية من دون أن يجرؤ أحد على محاسبة اللصوص، بل حتى على انتقادهم، وثمة أقوام يراكمون ثروات هائلة لا تأكلها النيران بوسائل فاسدة، من دون أن يُحكم على أحدهم بالسجن يوما، بل من دون أن يغادروا المجالس التي يتصدرونها.
هذا هو البعد الأهم، فالدولة العادلة التي تساوي بين الغني والفقير والشريف والوضيع أمام القضاء هي دولة يمكنها أن تحقق قدرا عاليا من المواطنة.
على أن هذا الأمر لا يخفي من زاوية أخرى تلك العنصرية التي تتسم بها تلك الدولة، ليس ضد مواطنيها من غير اليهود وحسب، بل أيضا ضد مواطنيها من اليهود الذين يصنفون درجة ثانية مثل الأفارقة، لكن ذلك يحدث على صعيد الممارسات اليومية، بينما يمكن لكل متظلم أن يذهب إلى القضاء ويحصل على حقه.
القضاء هو الملاذ الحقيقي للناس، وحين يفسد، فهو يشير إلى فساد على كل المستويات، لأن الفاسدين لن يسمحوا بوجود قضاء نزيه، ولا شك أن القضاء في دولة الاحتلال يسجل قدرا عاليا من النزاهة، باستثناء موقفه من الفلسطيني بطبيعة الحال، مع أنهم حتى في هذا السياق يحاولون أن يُخرجوا كل شيء بطريقة محكمة.
على أن الوجه الآخر للصورة التي نحن بصددها، وهي التي تعنينا بدرجة كبيرة، هو ذلك المتمثل في حقيقة المجتمع الصهيوني يتغير بشكل لافت. وقد علق الكاتب «الإسرائيلي» المعروف شمعون شيفر على الحكم على أولمرت بكلمات بالغة الأهمية، وتستحق التوقف، حيث قال: “نحن ملزمون بالاعتراف بأنه في الدولة التي يجلس فيها رئيس في السجن، ورئيس وزراء سابق يرسل للانضمام إليه، يوجد شيء ما فاسد. شيء ما يحتاج إلى نظرة عميقة ومحاولة لمواجهة السؤال: كيف وصلنا إلى مثل هذا الوضع، وما هي العلة في نظام حكمنا؟”.
ولا يتوقف الأمر عند هذا المستوى من الفساد المفضوح، بل يتجاوزه إلى الانتقادات التي توجه لنتنياهو مثلا والترف الذي يبديه، من خلال الطائرة التي اشتراها، والقصر الجديد، وهو سلوك لم يكن معروفا فيما سلف من زعماء، فضلا عن قضايا التحرش الجنسي وما شابه.
إن تغيرات بنيوية تحدث في المجتمع« الإسرائيلي»، وهي تغيرات همّشت روح المبدأية فيه، وحوّلته إلى مجتمع استهلاكي يركض خلف ملذاته، وإن بعض أبنائه يستعيدون جنسياتهم الأوروبية، ويحسبون الأمر بمدى الأفضلية في العيش هنا أو هناك.
لقد تبدى ذلك جليا أيضا في الحروب الأخيرة، فالجندي الذي خاض معركة تموز 2006، لم يكن هو ذاته الذي خاض الحروب السابقة، فقد كان جنديا جبانا يحرص على الحياة بشكل جنوني، الأمر الذي ينطبق على المواجهة مع غزة نهاية 2008 ومطلع 2009، فضلا عن قصة شاليط من زاوية عدم قدرتهم على احتمال وجود جندي مخطوف، وإن حاولوا تقديم الأمر تحت لافتة أنهم لا يتركون جنديهم مهما كان الثمن.
المجتمع الصهيوني يتغير، وهامش المبدأي والانتماء يتراجع فيه بشكل جلي، وهذا يشير إلى أن منحناه قد أخذ في الهبوط، وأن مواجهتنا معه في المراحل المقبلة ستكون أسهل، حتى لو حاول جبر الفارق من خلال التفوق التكنولوجي.
إن انتفاضة شاملة في الأرض الفلسطينية ستؤكد ذلك بكل وضوح، وهذا بالضبط ما يفسر استماتة العدو في إغلاق جميع النوافذ التي تؤدي إليها، وللأسف، فهناك أيضا من أبناء جلدتنا من يساعدونه في ذلك، وصولا إلى رفض حتى مجرد التلويح بوقف التنسيق الأمني معه، رغم كل ما يقابلهم به من صلف وعنجهية وممارسات استفزازية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 38 / 2178906

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

25 من الزوار الآن

2178906 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 24


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40