الاثنين 19 أيار (مايو) 2014

من أجل عودة الروح إلى القضية “المركزية”

الاثنين 19 أيار (مايو) 2014 par محمود الريماوي

تتطلع الأنظار إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية تشمل الضفة الغربية وقطاع غزة، وفقاً لاتفاق المصالحة الذي أبرم مؤخراً بين حركتي فتح وحماس، على أن تقوم الحكومة العتيدة بالتحضير لانتخابات رئاسية وبرلمانية خلال فترة لا تزيد على ستة أشهر .
ثمة من رأى أن الاتقاق ينهي حكم حماس لقطاع غزة، القائم منذ العام 2007 إثر قيام الحركة بالسيطرة العسكرية على مرافق السلطة في القطاع، وانفرادها منذ ذاك بالحكم . وهذا صحيح جزئياً، ولنا أن نستذكر هنا أنه قبل قيام حماس بالسيطرة على غزة، كانت الحركة تقود حكومة وحدة وطنية برئاسة اسماعيل هنية وفقاً لنتائج الانتخابات التشريعية في ذلك العام التي حققت فيها الحركة فوزاً كبيراً كانت التساؤلات الكبيرة آنذاك تدور حول ما إذا كانت السلطة تستطيع هضم واستيعاب نجاح حماس الانتخابي وانتقالها إلى تصدر السلطة التنفيذية (الحكومة)، فإذا بالأحداث تسير في وجهة معاكسة، فحماس الفائزة في الانتخابات لم ترتض بوجود هياكل السلطة، واختارت بدل التغليب الديمقراطي السيطرة المسلحة .
الآن تراهن حماس على العودة عبر صناديق الاقتراع، وهذا من حقها كما هو حق سائر الفصائل والقوى السياسية وحتى الأفراد في التنافس والسعي للوصول إلى السلطة . ولا شك أن قبول حماس المتأخر جداً للمصالحة، ناجم في الأساس عن ضيق الخيارات، وضآلة هامش التحرك أمامها في مصر وسوريا ولبنان، وانقطاع المدد الإيراني (تردد أن هذا المدد عاد جزئياً في الآونة الأخيرة، وهو ما لم ينفه الطرفان وما لم يؤكداه) . السلطة في رام الله من جهتها، تضيق الخيارات التفاوضية أمامها، فحكومة نتنياهو عازمة على مواصلة الغزو الاستيطاني وتحدثت مصادر وزارية في تل أبيب مؤخراً عن الاستعداد لمضاعفة الاستيطان بعد خمس سنوات من الآن . والانقسام يسبب للسلطة صداعاً “أمنياً” سواء لجهة الخشية أن تكرر حماس سيناريو الانقلاب في الضفة الغربية، أو بسبب نشاطات مسلحة موسمية غير متفق عليها تستدرج انتقاماً كاسحاً من طرف الاحتلال . ناهيك عن صعوبات التواصل بين الضفة والقطاع التي تفاقمت مع الانقسام الأمر الذي ينعكس على مصير مئات العائلات الممزقة، كما على الأجسام الحزبية وبالذات حركة فتح . وكان الطرفان خلال الانقسام الذي دام 7 سنوات قد شدّد كل منهما النكير على محازبي الفريق الآخر، ووقعت انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان علاوة على انتهاكات أخرى طاولت حريات التعبير وحركة وسائل الاعلام المحلية، وامتدت التعديات إلى الحريات الفردية في قطاع غزة التي تعرضت لتضييق شديد ولا سابق له .
يُحسب للسلطة في رام الله أنها أقدمت على هذه الخطوة رغم اعتراضات بل تهديدات من طرف حكومة الاحتلال، وكذلك من الإدارة الأمريكية التي لا ترغب برؤية حركة حماس شريكة في الحياة السياسية (بينما يُؤذن أمريكياً للأشد تطرفاً من الجانب الصهيوني بالترشح للانتخابات والمشاركة في الحكومات المنبثقة عنها) .
من الملاحظ هنا أن مصر ترعى الاتفاق، وبذلك يتجدد الدور المصري الراعي للوفاق الفلسطيني . ذلك يسمح بعودة فتح معبر رفح، ورفع المعاناة التي ما انفك يعاني منها الغزّيون في الانتقال إلى مصر ومنها إلى دول أخرى ثم العودة إلى القطاع . والمأمول أن لا يقف المنظور الأمني الضيق أمام فتح المعبر بصورة دائمة، وأن يُصار إلى وضع قوة أمن وطني على الجانب الفلسطيني لا تتبع لفتح ولا لحماس ولا لأي فصيل آخر، وتُنظم العلاقة مع مصر بطريقة تحفظ حقوق ومصالح الطرفين وكما هو الحال في اتفاقيات الحدود المماثلة بين سائر دول العالم، مع الأخذ في الاعتبار خصوصية الوضع في غزة ككيان غير مكتمل السيادة وبحاجة إلى رعاية الشقيق والجار الكبير: مصر، فيما يلتزم الجانب الفلسطيني بعدم التدخل في الشأن المصري الداخلي ومراعاة المقتضيات الأمنية المصرية .
في جانب آخر من المشهد، فإن حكومة الاحتلال لن تدخر جهداً في عرقلة تنفيذ الاتفاق، وفي مواصلة سحب الأرض من تحت أقدام الجميع . والرد على ذلك بالإعلاء من شأن الوحدة الوطنية التي تتعدى اتفاقاً بين فصيلين إلى إعادة اللحمة إلى المجتمع بعامة والمجتمع السياسي بصفة خاصة . وإذا كانت هناك انتقادات لا تحصى لأداء السلطة في رام الله كما لحركة حماس في غزة، بل إنها تتسع لتشمل أغلبية الفصائل التي تضع مصالحها الحزبية في صدارة اهتماماتها، فإن الرد على ذلك هو بعودة الحيوية إلى الأجسام والقوى الاجتماعية كي تؤكد حضورها السياسي والوطني، ولنلاحظ هنا أن السعي للمصالحة قادته مبادرة وطنية غير فصائلية ضمت شخصيات مستقلة وقد نجحت في جهدها بعد عشرات المحاولات ومواجهة ما لا يحصى من صعوبات ومفاجآت . من المنتظر الآن أن يمتد هذا الزخم النسبي إلى تشكيل حكومة رشيدة فعلاً، لا محل فيها للاحتكار الوطني ولا للتمتع بالنفوذ والامتيازات، بل تُعنى بادارة المواجهة السياسية مع الاحتلال، ومعالجة المشكلات الاقتصادية التي يعانيها الريف وأبناء المناطق المهمشة ووضع حد لظاهرة العمل ما وراء الخط الأخضر وتفعيل تجريم العمل في المستوطنات، بما يضمن الانفكاك التدريجي من التبعية الاقتصادية للاحتلال، ويقظة المشاعر الوطنية لتتبوأ مكان الصدارة إلى جانب الهموم المعيشية لا أن تكون الأخيرة هي الشاغل الوحيد .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 22 / 2178781

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2178781 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40