الخميس 22 أيار (مايو) 2014

الغزو الصهيونيّ لفلسطين في ذكرى النكبة

الخميس 22 أيار (مايو) 2014 par سعدات بهجت

يتفق معظم الباحثين في الغزو الصهيوني لفلسطين ونتائجه على أنّ أسباب نجاح الحركة الصهيونية في إقامة الكيان الصهيوني «الإسرائيلي» الغاصب، تعود الى التقاء مصلحة كلّ من الاستعمارَين الإنكليزي أولاً مع الأهداف الصهيونية، والأميركي ثانياً مع «إسرائيل»، بالإضافة الى تقديم الحركة الصهيونيّة تاريخيّاً واجتماعيّاً على الحركة الوطنية في العالم العربي. إلّا أنّ هناك عاملاً مهمّاً قلّما أشار إليه هؤلاء الروّاد، ساهم على نحو فاعل في نجاح الغزو الصهيوني في نهاية الأربعينات من القرن العشرين، وفي التوسع «الإسرائيلي» عام 1967، وهو غياب الصوت العربي عن العواصم ذات الثقل السياسي في الغرب والغرب الأميركي، وتمكن الوجود الصهيوني المادي فيها.

هذا الوجود الحقيقي للصهيونية في المجتمعات الغربية لعب ولا يزال يلعب دوراً فاعلاً في التأثير في رجال السياسة والمال، وفي الانتلجنسيا التي تقود الرأي العام هناك، فالصهيوني كمواطن إنكليزي أو أميركي عارف للغة وثقافة المجتمع الذي ينتمي إليه يملك جميع الوسائل القانونية والنفسية، ويستغلها استغلالاً ممتازاً في عرض قضيته على نحو ملائم، مثلما فعل قادة الكيان «الإسرائيلي» ويفعل نتنياهو في استغلال السياسة الدولية والأميركية خاصة، علماً أنه مدان كمجرم حرب مثل الزعماء رؤساء العصابات الصهيونية الذين سبقوه نظراً إلى ما اقترفوه من مذابح ومجازر على مدى 66 عاماً في حق الشعب اللسطيني في الداخل والشتات، فهذا الصهيوني إمّا أستاذ جامعة أو قاض في المحكمة العليا أو عضو في الحكومة أو نائب في البرلمان أو مستشار لصانعي السياسة مثل هنري كيسنجر وغيره.

رغم أن هذا الوضع لم يتغيّر منذ قيام الكيان «الإسرائيلي»، إلا أن العالم لاحظ ظاهرة اندفاع الفلسطينيين الذين شردهم الاحتلال «الإسرائيلي» اندفاعاً لا نظير له نحو التعليم والتعليم العالي رغم مؤامرات التجهيل المدروسة والمستمرة، إذ جاءت مباشرة للغزو الصهيوني وبالتالي ظهور طبقة إنتلجنسيا فلسطينية خلال عقود الاحتلال «الإسرائيلي».

هذا الطبقة التي تعي دورها القيادي جيداً في تصحيح عشرات الأعوام من التزييف الذي تمّ لتاريخنا على أيدي قادة الصهيونية ومثقفيها، وضعت نصب أعينها تنوير الراي العام العالمي على حقيقة ما جرى ويجري على أرض فلسطين. وتكمن أهمية هذه الحقيقة الشاملة في النظرة الأصيلة والنقدية للصراع مع «إسرائيل»، وهو رفض النظرة التقليدية التي روّجها الصهاينة في الغرب بأن الصراع حول فلسطين هو صراع بين الدول ذات سيادة قومية أي أنه صراع بين «إسرائيل» والدول العربية المحيطة بها، وتعامت الدول والحكومات العربية عن هذه الحقيقة «أن المشكلة هي بين الشعب الفلسطيني والغزاة الصهاينة»، من هذه الزاوية جاءت هذه النظرة لتصحيح هذه التطورات الخاطئة وللتأكيد بأن المشكلة الأساسية في المنطقة العربية إنما هي مشكلة استرداد الحقوق الفلسطينية في أرض فلسطين تلك الحقوق التي سلبتها الصهيونية بمساندة الاستعمار القديم والجديد، لذلك يجيء قول القيادة الفلسطينية التي تعي دورها القيادي جيداً حتى لو افترضنا أن الدول الكبرى والأمم المتحدة تمكنت من حل المشكلة المتعلقة إن كان هناك مشاكل بين «إسرائيل» والدول العربية فإن ذلك يمس المشكلة الأصلية للقضية الفلسطينية من قريب أو بعيد.

هنا لا يعرف التاريخ الحديث حالات جرى فيها استبدال كامل بالفعل للسكان الأصليين في بلد ما بأجناس من الدخلاء، وأنجزت عملية الاستبدال هذه في غضون مدة قصيرة، غير أن هذا الواقع هو ما تمت محاولته في فلسطين منذ بداية القرن العشرين، وهذا ما يتفق مع الواقع الذي يقول بأن الانتداب البريطاني ما قام إلّا لتنفيذ وعد بلفور، وهذا يعني أن الانتداب البريطاني هو المسؤول الأول عن تغيير خريطة السكان في فلسطين، لذا كانت نقمة الشعب الفلسطيني على هذا الانتداب وبقي هذا الشعب حتى عام 1933 في مركز الأكثرية في عدد السكان. كما نلاحظ في هذه الفترة انخفاضاً في هجرة اليهود كما في نهاية العشرينات من القرن الماضي. بمعنى آخر، إن الحركة الصهيونية رغم الدعاية الهائلة والعمل الجاد المتواصل في قتل الشعب الفلسطيني وتشريده وإبادته فشلت كما في بداية الانتداب البريطاني في اجتذاب اليهود والأوروبيين في الهجرة إلى فلسطين، إلّا أن ظهور الفاشية في أوروبا واستيلاء هتلر على الحكم في ألمانيا غيّر الوضع ولو سارت السياسة الألمانية في طريق آخر منذ مطلع الثلاثينات من القرن الماضي لما كانت هناك على الأرجح مشكلة فلسطينية ولا نزاع عربي ـ «إسرائيلي» ما يثبت أن سياسة هتلر كان مخططاً لها من إحدى بوابات الصهيونية الجهنمية لتنظيم الهجرة اليهودية إلى فلسطين بالإضافة إلى تفجريات بيوت اليهود ومحالهم في العراق وغيرها من البلدان في الخمسينات من القرن الماضي من قبل الحركة الصهيونية هو أكبر برهان عن ذلك. إذن، سياسة هتلر كانت لمصلحتهم إذ زاد تدفق اليهود على فلسطين بعد عام 1933. مع ذلك، لم يبدّل ارتفاع عدد المهاجرين اليهود ديموغرافية فلسطين على نحو راديكالي، ذلك أن اليهود بقوا أقلية بالمقارنة مع سكان فلسطين العرب، على ما ورد في تقديرات حكومة الانتداب في نهاية عام 1946 إذ كان اليهود يشكلون ما نسبته 31 من مجموع السكان، وساعد قرار الأمم المتحدة رقم 181 حول تقسيم فلسطين عام 1947 الذي أقرّ بشرعية دولة يهودية في تحويل فلسطين إلى بلد يهودي في قسم من فلسطين يؤلّف العرب فيه الأكثرية المطلقة لو احترم مشروع التقسيم حكم الأكثرية، أو لو أخضع لاستفتاء، فإن دولة الكيان «الإسرائيلي» الوليدة لم يكن له ما يبرّره.

إن تشريد معظم الشعب الفلسطيني كان نتيجة للاحتلال «الإسرائيلي»، وجاءت اتفاقية الهدنة عام 1949 لتعترف بسيطرة «إسرائيلية» كأمر واقع على المناطق التي احتلتها حتى تاريخه، وبذلك تكون «إسرائيل» أنجزت في مدة تتجاوز سنة بقليل، وفشلت عقود من الهجرة فشلاً ذريعاً في تحقيقه، أي في حوادث تحول ديموغرافي كامل ضمن حصة الأسد في فلسطين البالغة 22 ألف كلم مربع.

لكن، رغم قيام دولة «إسرائيل» وغزوها وتوسعها، بقي الفلسطينيون حتى بعد حزيران 1967 محافظين على عددهم بالنسبة إلى عدد المستوطنين اليهود، وهذا عائد الى وعي القيادة الشرعية الفلسطينية التي تقود النضال الفلسطيني الآن الى برّ الدولة المستقلة الواعية لمخططات دولة الاحتلال التوسعية الواعية لعنصريتها والحريصة على بقائها يهودية بادرت «إسرائيل» مجدداً الى حرب بالمعنى الفعلي للتعبير رسمت لها أهدافاً ثلاثة: أولاً، تدمير الميثولوجيا الفلسطينية وتصفية ما تبقى من قيادة الشعب الفلسطيني وكوادره الثابتين على الثوابت الوطنية، معتبرة ذلك سبيلاً الى تحجيمها وصولاً الى إخراجها من دائرة التأثير السياسي والفلسفي والاجتماعي في معادلة القوى في المنطقة الشرق أوسطية، مع ما يترتب على ذلك من توفير الظروف المؤاتية للأطراف الطامعة في تزوير تمثيل الشعب الفلسطيني واقتناصه أو فرض خيارات عليه ليست خياراته الوطنية، وما يترتب على ذلك أيضاً من تجريد الشعب الفلسطيني من قيادته الممثلة بالرئيس أبو مازن ومن امتداده الخارجي، الأمر الذي ينعكس حتماً على مستوى المواجهة للاحتلال «الإسرائيلي».

ثانياً، فرض جيو ـ سياسي ضاغط على الرئيس أبو مازن يُراد منه أن يثمر فتحاً لملف تمثيل فلسطيني جديد باتجاه تقييد حربة حركة هذه التمثيل على حساب ملف البديل مع العدو «الإسرائيلي»، ولست أكشف سراً في هذا المجال أن ثمة قابلية ضمنية لدى بعض الأطراف العربية للانصراف الفوري نحو بحث موضوع البديل بديلاً من المواضيع الأخرى كافة لو كانت حصيلة المواجهة في غير مصلحة الشرعية الفلسطينية.

ثالثاً، توليد حالة من الضغط الجماهيري العربي نجد أساسها في الظروف البالغة الصعوبة التي تمر بها المنطقة في مواجهة الطاحونة العسكرية ووسط افتقار شبه مطلق لأبسط مستلزمات الصمود، كما نجدها في الشعور العفوي بأن هناك حرباً «إسرائيلية» فلسطينية متمادية اتساعاً وعنفاً إنما تفيض عن قدرة المواطن على الاحتمال، خاصة بعد الإرهاق المادي والنفسي المتولد عن كابوس الأنظمة العربية وانعدام وجود مؤثرات على نهاية محكمة لها في أمد قريب، وعندما أتحدث عن المراهنة «الإسرائيلية» على تولد مثل هذا المناخ المحتقن فإنني اتحدث في الوقت نفسه عن مراهنة مكملة ذات قدرة أو استعداد أطراف عربية ودولية لاستقبال هذه الحالة وتوظيفها في إحكام الخناق حول عنق السلطة الوطنية الفلسطينية وإلزامها بتقديم تنازلات تمسّ وجودها والتزاماتها الوطنية.

لكن واحداً من هذه الأهداف لم ولن يتحقق، بل أقول جديداً، ولا أبتدع من عندي إذا أكدت أن المواجهة انتهت بالمصالحة التي أعادت الوحدة الوطنية وأبعدت شبح الانقسام بما يوافق متطلبات الغالبية من الشعب العربي على اعتباره نصراً فلسطينياً سياسياً وعسكرياً ودولياً في آن واحد حتى في الأوساط «الإسرائيلية»، فعسكرياً يتبيّن من الصمود والتحدي الأسطوري أن ثمة استحالة مادية لتصفية الجسم العسكري الفلسطيني بألوانه كافة، وسياسياً أثبتت السلطة الفلسطينية وفي مقدّمها الرئيس أبو مازن حضوراً يصعب اعتباره ثانوياً بأي معيار من المعايير، وفرضت اعترافاً دولياً حاسماً بنفسها بوصفها الطرف الآخر والأساس في معادلة الصراع في المنطقة الذي لا يستقيم حل من دونه أو رغماً عنه على قاعدة هذا الحضور تحديداً اضطرت أميركا إلى التدخل لممارسة الضغط الفعلي بتوجيه «إسرائيلي» على الرئيس أبو مازن والقرار الفلسطيني للقول وفق معايير أميركية للحل، وعلى قاعدة هذا الحضور تحديداً تم التدخل الأميركي لأن ثمة ميلاً لدى البعض، وتبيّن هذا أثناء قمة الكويت وبعدها لإسقاط عامل الصمود الفلسطيني بوصفه عاملاً حاسماً في رسم معالم الدولة والاستقلال بمدلولاته البعيدة، وبمزيد من الحوار الذي يؤدي حتماً الى ميثاق متين يمكن بموجبه فرض تراجعات أميركية «إسرائيلية» وعربية رسمية أكبر على طريق نيل الحقوق الوطنية الفلسطينية كاملة، و من قلب الحصار بكل ما في الكلمة من معنى سيكون الحصاد، وإنّنا للتهويد بالمرصاد.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2181918

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2181918 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40