الأربعاء 4 حزيران (يونيو) 2014

تأملات في دراما المواطن العربي والسلطة

الأربعاء 4 حزيران (يونيو) 2014 par د. محمد السعيد ادريس

أربعة استحقاقات رئاسية تتصدر المشهد السياسي العربي الآن في ظل غياب الأهم الذي يبحث بجدية في جدلية علاقة المواطن والسلطة، هو إلى أي حد سوف تفضي هذه الاستحقاقات الأربعة في مصر وسوريا “نظامين رئاسيين بدرجات متفاوتة”، وفي العراق ولبنان “نظامان برلمانيان بمعايير مختلفة وإن كانت المحاصصة الطائفية بارزة فيهما” وما سبقها من انتخابات رئاسية جزائرية إلى نهوض في تلك العلاقة التي تجمع المواطن بالسلطة في الدول العربية . فعادة ما يحرص الأساتذة والمتخصصون في دراسات النظم السياسية على تأكيد ما اعتادوا على وصفه ب“خصوصية السلطة” في الدول العربية، وربما في دول عربية بعينها، للهروب من التفاعل الجاد والمسؤول من استحقاقات يجب أن تفرض نفسها لمصلحة المواطن العربي . دائماً كانت مقولة تلك الخصوصية محاولة لتبرير تأجيل تمكين المواطن العربي من أهم حقوقه السياسية، وهو الحق في السلطة، أو بوضوح أكثر الحق في الحكم، أي أن يكون شريكاً في الحكم سواء بشكل مباشر عن طرح نفسه مرشحاً، أو بشكل غير مباشر عن طريق امتلاكه الحق والقدرة على اختيار من يحكمه سواء كان رئاسياً أو مرشحاً برلمانياً .
الانتخابات الرئاسية الجزائرية التي أعادت انتخاب الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة، هي تعبير عما يعرف ب“دوران النخبة الحاكمة” .
وإذا كانت الجزائر قد أفلتت من الإصابة ب“داء” ثورات الربيع العربي فإن الاستحقاق الانتخابي في دولتين عربيتين “مصر وسوريا” شهدتا، ومازالتا تداعيات وربما أيضاً تفاعلات تلك الموجات من التغيير الثوري أو من التفاعل الثوري مع السلطة .
وعلى الرغم من أن الأزمة، إذا اتفقنا أن هناك ثمة أزمة ما، تواجه التجارب الانتخابية الأربعة، متفاوتة في حيثياتها وفي نتائجها التي حدثت أو المتوقع حدوثها، وعلى الرغم من حاجة كل حالة من هذه الحالات الانتخابية إلى دراسة، وربما دراسات كثيرة متخصصة، للتمكن من استخلاص النتائج، إلا أن هناك بالفعل ما يجمع بين هذه التجارب من عوامل مشتركة تصب كلها في مجرى واحد هو أن هناك أزمة علاقة بين المواطن والسلطة حيث يتم الاعتداء على حقوقه، أو المتاجرة بحقوقه لمصلحة السلطة تحت شعارات الممارسة الديمقراطية .
لقد جرت الانتخابات البرلمانية العراقية، التي تفضي في النهاية إلى انتخاب رئيس الحكومة الذي يعد، في ظل خصوصيات نظام الحكم العراقي “البرلماني” رجل السلطة أو رجل الدولة الأول في البلاد في ظل الاختصاصات المحدودة والشرفية لرئيس الجمهورية في ظل دموية صعبة ليس فقط في الأنبار، بل وأيضاً في بغداد والجنوب، لكنها أفضت في النهاية إلى نتائج تقف الآن حائلاً دون إحداث التغيير السياسي والحراك السياسي وتداول السلطة المأمول حيث عادت الطبقة السياسية الحاكمة إلى الواجهة مرة أخرى، وتجددت فرص رئيس الحكومة نوري المالكي في أن يحكم للمرة الثالثة رغم القوى السياسية الرافضة والقواعد الشعبية المعادية، وتطلعات عربية وإقليمية وربما دولية كانت تأمل في تفويت هذه الفرصة عليه .
فقد انتهت الانتخابات البرلمانية العراقية بفوز كتلة المالكي “دولة القانون” ب 95 مقعداً متجاوزة كل الكتل الأخرى الحليفة والمنافسة شيعية كانت أم سنية، وخاصة تلك التي كانت تخطط لمنع التجديد للمالكي بولاية ثالثة: فكتلة الأحرار بزعامة مقتدى الصدر التي جاءت الثانية في الترتيب حصلت فقط على 34 مقعداً، تليها كتلة “المواطن” بزعامة عمار الحكيم “المجلس الإسلامي الأعلى” حصلت أيضاً على 31 مقعداً فقط، أي أن جماعة الصدر وجماعة الحكيم لم تحصلا إلا على 65 مقعداً، وفي أي تصويت ديمقراطي داخل التحالف الذي يجمع القوى الشيعية سوف يفوز المالكي حتماً، والأمر كذلك داخل الكتل السنية المتفرقة التي لا تستطيع في ظل صراعاتها اختراق الكتل الشيعية الكبيرة لفرض رئيس حكومة آخر غير المالكي، ويبقى السؤال يفرض نفسه: أين المواطن العراقي من هذا كله، أين حقه في السلطة وفي الحكم إذا كانت دائرة الحكم مغلقة على نفسها ويصعب اختراقها .
وفي لبنان كان المشهد أكثر درامية فمع فشل وعجز مجلس النواب في انتخاب مرشح لرئاسة الجمهورية ابتداء من جلسة 23 إبريل/نيسان الفائت، وفي ظل “الشغور الرئاسي” الذي فرض نفسه ابتداء من يوم 26 مايو/أيار الفائت حيث أصبح لبنان من دون رئيس للجمهورية، فوجىء اللبنانيون بمشهد لم يرد أبداً على خواطر أكثرهم في الخيال السوداوي "عندما شاهدوا عشرات الآلاف من المواطنين السوريين، الذين كتب عليهم قدر اللجوء الاضطراري إلى لبنان، وهم يزحفون نحو سفارة بلادهم ليشاركوا بأصواتهم في انتخاب رئيس الجمهورية الجديد لبلادهم .
اللبناني، الذي يعيش الاستقرار، ولو كان نسبياً، يجلس واضعاً كفيه على خديه لا حول له ولا قوة في أمر اختيار رئيسه حيث بات الأمر محتكراً لدى طبقة سياسية مغلقة بإحكام . وفي ظل نظام سياسي لا يعترف للمواطن اللبناني بأي قدر من المشاركة في انتخاب الرئيس، وفي ظل نظام سياسي أضحى عاجزاً بكل معنى الكلمة عن اختيار الرئيس في ظل فشل النخبة الحاكمة وصراعاتها المتوارثة، وفي ظل كل هذا القدر الهائل من الاختراق الخارجي الذي يملك أقوى الأوراق في اختيار أو في ترجيح اختيار الرئيس اللبناني .
أما في مصر فقد حدثت انتخابات رئاسة جاءت برئيس يريده الشعب بنسبة تفوق ال95% هو المشير عبدالفتاح السيسي لكن هذا الانتخاب حدث في ظل أزمة ديمقراطية حقيقية فجماعة الإخوان حاربت الانتخابات وحرضت على مقاطعتها، والسلفيون قاطعوا رغم أنف قادتهم وبعض الشباب عزفوا عن المشاركة لكن الأسوأ هو حدوث انتكاسة في الثقافة السياسية عندما استنكر كثيرون ترشح حمدين صباحي منافساً للمشير السيسي، وهذا يمثل إنكاراً لأحد أهم الحقوق السياسية بعد الثورة وهو حق كل مواطن يمتلك شروط ومؤهلات الترشح لرئاسة الجمهورية .
لكن دراما المواطن والسلطة تتجسد في سوريا التي أدارت انتخابات رئاسية وسط كل ما يحدث فعلاً وليس قولاً لكل حقوق الإنسان في سوريا وخاصة حق الحياة نفسها وليس مجرد حق الاختيار السياسي .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 51 / 2165657

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2165657 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010