الخميس 5 حزيران (يونيو) 2014

أيام من حزيران يوم المفقود العربي

الخميس 5 حزيران (يونيو) 2014 par معن بشور

كان يوم الاحد في 6 حزيران/يونيو 1982 هو اليوم الثالث من الحرب الرابعة بين العدو الصهيوني والامة العربية، وبعد يومين من القصف الجوي الاسرائيلي على لبنان بدءاً من المدينة الرياضية الملاصقة لمحلة الطريق الجديدة في بيروت وصولاً الى العديد من القوات الفلسطينية – اللبنانية على امتداد الطريق من العاصمة الى الجنوب والبقاع الغربي مروراً بالساحل الشوفي من جبل لبنان....
كان المئات من الشباب يحتشدون مساء ذلك اليوم في مقر تجمع اللجان والروابط الشعبية في المصيطبة يبدون استعدادهم للتوجه الى الجنوب لمقاومة القوات الصهيونية المتقدمة على أكثر من محور في ساحله وتلاله وهضابه تحت ذريعة ابعاد صواريخ المقاومة الفلسطينية عن المستعمرات الصهيونية في شمال فلسطين وفي عملية اسمتها تل ابيب يومها “بسلامة الجليل” وتبين ان الهدف احتلال اجزاء كبيرة من لبنان بما فيها العاصمة.
لم يكن من السهل اقناع الشباب ان الوصول الى مواقع القتال ساعتئذ ليس بالأمر المتيسر لا سيما ان وسائل النقل العسكرية لم تكن متوفرة لدى تجمع محدود الموارد والامكانات، وان الحكمة تقتضي الاستعداد للدفاع عن العاصمة التي كان واضحاً انها الهدف القادم للغزو لتغيير المعادلة السياسية واخراج قوات المقاومة الفلسطينية ومعها الجيش العربي السوري من العاصمة اولاً ومن كل لبنان ثانياً.
ومع ذلك أصرت مجموعة من الشباب، وكان لا يزيد عددهم عن العشرة، على التوجه جنوباً ليكونوا طليعة المقاومين للزحف الصهيوني المدجج بأحدث انواع الاسلحة، والمغطى بطيران حربي كثيف، وببوارج تقصف من البحر، وقد تبرع احدهم بسيارته المدنية، فيما وضع الآخر شاحنة بيك آب ينقل فيها الخضار الى العاصمة، بتصرف المقاومين الرواد.
كانت الساعة تشارف العاشرة ليلاً حين توجه الشباب مصحوبين بحماسة من قرر المواجهة، فيما كان حكام كثيرون يغطون في سبات عميق او يتواطؤا سراً مع عدو قرر ان يريحهم من عبء المقاومة، بل من أعباء فلسطين كلها.
بعد ساعتين من المغادرة، وفي منتصف الليل تماماً، وفيما اقتربت السيارة ومعها الشاحنة من مدينة صيدا، فوجئ المقاومون الاوائل بانزال صهيوني كبير على جسر الاولي وكانت الخطة الاسرائيلية تقوم على جملة عمليات انزال تفصل المناطق اللبنانية عن بعضها البعض.....
اشتبك ركاب السيارة المدنية بأسلحتهم الخفيفة مع الحاجز الاسرائيلي الحديث، وتدخلت المروحيات، فأصيب أحدهم محمد المعلم ( شقيق الأخ يحيى المعلم (منسق خميس الاسرى) ) بجراح في يده، وشوهد نقله مصاباً الى مروحية اسرائلية، وفيما أسر رفيقاه هاشم ابراهيم وحمزة يزبك وظهروا فيما بعد في معتقل انصار ذائع الصيت وتمكن قائد المجموعة الملازم اول شوكت سليم من الافلات من قبضة العدو....
الشاحنة التي كانت تقل آخرين هم صاحب الشاحنة محمد شهاب، والشاب البيروتي بلال الصمدي، والجنوبي المقيم في بيروت منذ ولادته ابراهيم نور الدين، والبعلبكي حيد زغيب قريب الضابط اللبناني الشيهد في معركة المالكية النقيب محمد زغيب، والشاب السوري الذي جاء الى بيروت طلباً للعمل فواز الشاهر، انقطعت اخبارها تماماً، واختفى اثر ركابها المقاومين الأوائل حتى الساعة، رغم كل المراجعات الممتدة على مدى 32 عاما مع الصليب الاحمر والامم المتحدة والمنظمات الدولية والحكومة اللبنانية.
لم يكن الشبان الستة هم المفقودين الوحيدين على يد قوات الاحتلال الصهيوني، بل أختفى ايضا في تلك الايام مناضلون كثيرون بعضهم ينتمي الى منظمات واحزاب كالمناضل محي الدين حشيشو احد قادة الحزب الشيوعي في مدينة صيدا، وكمناضلي جبهة التحرير افلسطينية حسين دبوق سعيد اليوسف ورشيد آغا وعماد عبد الله وصولاً الى المناضل عدنان حلواني عضو قيادة منظمة العمل الشيوعي الذي تم اختطافه من منزله في رأس النبع بعد دخول قوات الاحتلال الى العاصمة مع العشرات غيره من أبناء العاصمة الذين تناوب على خطفهم جنود الاحتلال والميليشيات المتعاملة معه....
بقي مصير الشباب المقاومين الرواد الستة من اعضاء تجمع اللجان والروابط الشعبية ومصير المناضلين الآخرين، مجهولاً حتى الساعة، وبقينا نحيي ذكرى اختفائهم عاماً بعد عام، علً خبراً ما يصلنا عن مصيرهم او مصير بعضهم على الأقل، واردنا يومها ان نعتبر السادس من حزيران يوماً للمفقود العربي على يد الاحتلال، لا سيما ان المفقودين في حروبنا الداخلية، الصهيونية المنشأ والاهداف، باتوا بالالاف حتى تساءل البعض عن أي المفقودين تتحدثون، وكان جوابنا دائما ان الدفاع عن أي مفقود هو دفاع عن كل المفقودين، والدفاع عن المفقودين لدى العدو الصهيوني هو دفاع عن مفقودي كل الحروب التي لم ولن تخدم الا المخطط الصهيوني بتمزيق مجتمعاتنا والانتقام من شعوبنا.
لم تكن تلك الليلة الحزيرانية الطويلة مليئة بالألم والحزن على فقدان رفاق ابطال اعزاء، جسدوا باندفاعهم وبسالتهم وحدة الوطن والامة فحسب، بل كانت ايضا ليلة تختزن في معانيها مسيرة طويلة للمقاومة انتهت بهزيمة نكراء للعدو، اضطر ان يصرخ جنوده بمكبرات الصوت ذات صباح من ايام ايلول/ سبتمبر 1982:“يا أهل بيروت، لا تطلقوا النار علينا نحن سنغادر عاصمتكم”.
كان صمود بيروت بوجه حصار امتد ثمانين يوماً اسطورياً، وبعد معركة مجيدة في خلدة شارك فيها لبنانيون وفلسيطنيون وسوريون ومتطوعون عرب وقادها العقيد الفلسطيني البطل الشهيد عبد الله صيام ابن مدرسة عز الدين القسام وعبد القادر الحسيني، كما انتقم في تلك المعركة للمفقودين الستة رفاق لهم في تجمع اللجان والروابط الشعبية في اول عملية تصدٍ للقوات الصهيونية المتقدمة لاحتلال العاصمة، وقرب المدينة الرياضية ذاتها، التي بدأت الحرب بالقصف عليها، وسقط يومها شهيدان من رأبطة ابناء الطريق الجديدة (قوات فخر الدين) محمد الصيداني وعصام اليسير كأول شهيدين للمقاومة الوطنية لحظة انطلاقها في 14/9/1982 تحت شعار خالد اطلقه يومها تجمع اللجان والروابط الشعبية “ليس من العار ان تدخل مدرعات العدو عاصمتنا، لكن العار كل العار ان لا تجد من يطلق النار عليها”، وفعلاً انفتحت نار جهتم على العدو في كل احياء بيروت، وعلى يد شبابها المنتمين الى كل التيارات والاحزاب والقوى العروبية والناصرية والبعثية والاسلامية والشيوعية والقومية الاجتماعية.
لم تتوقف المقاومة ضد العدو منذ تلك الايام، كما لم تتوقف المؤامرات الهادفة الى اسقاطها واسقاط سلاحها، وبدأ ان روح المقاومة التي ألهبت المقاومين الستة المفقودين وغيرهم من المقاومين الابطال، ما زالت مشتعلة كراية يحملها جيل إثر جيل...
انه يوم من ايام حزيران الذي اراده العدو شهراً لهزيمة الامة، فكان شهراً لانتفاضاتها منذ ان خرجت الامة يومي 9 و 10 حزيران يونيو 1967، وبعد ايام على الهزيمة، ترفض تنحي قائد الامة جمال عبد الناصر، وتكافح لتترجم مقولته الخالدة “ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة”
في الحرب الاسرائيلية الرابعة ( حزيران – ايلول 1982) سقط للعدو الاف القتلى وعشرات الاف الجرحى بينهم بعض اكبر ضباطه، وادرك قادة هذا العدو زيف شعار اطلقوه يوما “ان احتلال لبنان لا يحتاج الى اكثر من نزهة تقوم بها كتيبة من المجندات على دراجات هوائية..”
فهل نستعيد روح تلك الايام المجيدة ... ونتمسك بمقاومتنا العربية والاسلامية نهجاً وخياراً وثقافة وسلاحاً.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 36 / 2165501

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع معن بشور   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165501 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010