الخميس 5 حزيران (يونيو) 2014

ليس المهم فوز الاسد وانما ما سيأتي بعده.

الخميس 5 حزيران (يونيو) 2014 par عبدالباري عطوان

الامر المؤكد ان برقيات التهاني لن تتدفق على الرئيس بشار الاسد من قبل الزعماء العرب، ديمقراطيين كانوا او ديكتاتوريين، بمناسبة فوزه في انتخابات الرئاسة التي اعلنت نتائجها الرسمية مساء الاربعاء، واذا كانت هناك استثناءات فستكون محدودة جدا، ليس لان النتائج معروفة مسبقا، ولكن لان سورية لم تعد تلك الدولة القوية المهابة الجانب التي يحسب لها العرب الف حساب، مثلما كان عليه الحال في الماضي القريب جدا، ولان شعبية الرئيس السوري الكبيرة في اوساط انصاره ليست على الحال نفسه في اوساط اقرانه العرب لاسباب معروفة لا يحتاج المرء لتكرارها.
لا نعتقد ان الرئيس السوري سيقلق كثيرا من عدم ورود هذه البرقيات، فالاتصالات مقطوعة تماما مع معظم هؤلاء الزعماء، ومن يتجرأ على الاتصال، وكسر هذا المحرم، يلجأ الى طرق ملتوية، كأن يوحي الى زوجته او احدى بناته بمخاطبة زوجته اي السيدة اسماء عبر الايميل او وسائل التواصل الاجتماعي في محاولة لاقامة جسور، تحت غطاء ابداء الحرص، وتوجيه نصائح، وهي محاولات غالبا ما تجد صدا قويا مثلما كشف لي مسؤول عربي كبير اتبع الطريق نفسه.
الانتخابات التي وصفها الرئيس الامريكي باراك اوباما بانها “مهزلة” وقال عنها وليم هيغ وزير الخارجية البريطاني بانها “عار”، ورأت المعارضة السورية بانها “غير شرعية”، تشكل محطة مهمة في مسيرة الازمة السورية، وتستحق القراءة المتعمقة لما تنطوي عليها من مؤشرات يمكن من خلالها استقراء الصورة المستقبلية وملامحها السياسية والعسكرية.

في تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2012 نشرت وكالة المخابرات المركزية الامريكية تقريرا توقعت فيه سقوط نظام الرئيس بشار الاسد في غضون عشرة اسابيع على الاكثر، الامر الذي شجع الرئيس اوباما وزعماء آخرين على القول علنا ان ايام الرئيس السوري باتت معدودة، وبدأوا يتشاحنون على تسمية البدائل وتقسيم الغنيمة.
من المفارقة ان روبرت فورد السفير الامريكي السابق في سورية، واحد الرعاة الاوائل للثورة السورية، والزائر المبكر لمدينة حمص مهدها، اكد يوم الاربعاء ان النظام بات قويا وصعبا على الاسقاط بسهولة، واعاد السبب الى عدم تحرك الادارة الامريكية مبكرا لدعم المعارضة “المعتدلة”، وابدى قلقا من ازدياد قوة الجماعات الاسلامية المتشددة ونفوذها اكثر من قلقه من استمرار النظام وذلك في حديث ادلى به لمحطة “سي ان ان”.
هناك ظاهرتان برزتا في هذه الانتخابات لا يمكن المرور عليهما مرور الكرام:
*الاولى: الاجواء الاحتفالية التي سادت العملية الانتخابية في المدن والمراكز التي يسيطر عليها النظام، وسجلتها عدسات الكاميرات التلفزيونية على مختلف انتماءات اصحابها، صحيح ان المنخرطين في الاحتفالات هم من انصار النظام، وهذا امر طبيعي ومتوقع، فهؤلاء جرى تغييبهم والتشكيك بوجودهم اساسا واللافت ان نسبة ملموسة منهم من ابناء الاقليات السورية المذهبية والدينية والعرقية التي لم تنجح المعارضة، والدول الداعمة لها، في كسبهم الى جانبها، الامر الذي دفع النظام الى تقديم نفسه كحام لهؤلاء من خطر وجودي يهددهم، عمل على تضخيمه بشكل مبالغ فيه، وهذه حرب دموية يستخدم فيها كل طرف ما لديه من اوراق ضد الآخر.
*الثانية: اجراء الانتخابات في اجواء آمنة منضبطة امنيا، وفي موعدها، مما يعني ان تهديدات المعارضة المسلحة، ودول غربية وعربية بمنع اجرائها، او مهاجمة مراكز الاقتراع لم تكن في مكانها الامر الذي سيصب في خانة المؤسسة الامنية التي اعتقد الكثيرون انها ضعفت وتراخت بعد ثلاث سنوات من الحرب.
من الطبيعي الاقرار بانه في الوقت الذي كان يحتفل فيه انصار النظام باليوم الانتخابي بالاهازيج والتلويح بالاعلام وعلامات النصر، كانت طائراته، اي النظام، تواصل قصفها للاحياء والبلدات والقرى الخارجة عن سيطرته، وتقتل المئات دون رحمة، مسلحين كانوا او مدنيين، مما يذكر بحجم المأساة التي تعيشها البلاد، والوجه الآخر المظلم منها.
المصوت الاكبر للنظام السوري في رأينا كانت اخطاء المعارضة القاتلة التي تضخمت في العامين الماضيين بصورة وفرت له الذخيرة السياسية والاعلامية التي لم يحلم بها مطلقا، ووظفها بطريقة شرسة لخدمة اهدافه، وها هو يجني ثمار بعض نجاحاته.
عدة عوامل رئيسية افادت النظام ورجحت كفته السياسية والعسكرية وساهمت في تغيير الكثير من المعادلات، ولو جزئيا، في ميادين المعارك جنبا الى جنب مع حرب لا تقل شراسة لكسب العقول والقلوب عبر وسائل الاعلام باشكالها كافة:
*اولا: استمرار دعم الدول المناصرة للنظام ماليا وعسكريا وسياسيا دون اي خوف او تردد وبالوتيرة نفسها وربما اقوى، ونشير هنا الى روسيا والصين ودول البريكس، اضافة الى ايران وحزب الله ومقاتلين عراقيين وخبراء عسكريين روس وايرانيين.
ثانيا: انتباه النظام وداعميه الى اهمية وسائل الاعلام ودورها القوي في حشد الرأي العام وتعبئته من خلال اقدامه وحلفائه على تأسيس قنوات تلفزيونية وصحف يومية ومواقع اخبارية على درجة عالية من المهنية الذكية، وتوظيف كفاءات متميزة فيها واتباع سياسة تحريرية هادئة واقرب من الموضوعية تفسح مساحة كبيرة من الحريات للرأي الآخر، الامر الذي جعل هذه الوسائل الاعلامية تحقق اختراقا كبيرا في فترة زمنية قصيرة جدا.
*ثالثا: ارتباك الاعلام العربي المضاد للنظام، وخروجه عن مهنيته وموضوعيته، بسبب الثقة الزائدة بالنفس التي وصلت الى درجة الغرور اولا، والاطمئنان الى حتمية سقوط النظام، والاستعانة بأصوات تحريضية ارتجالية تبيع الوهم، وتبشر بالانتصار الوشيك، دون الاعتماد على ادلة وحجج مقنعة، عسكريا وسياسيا، فالخبراء العسكريون التي كانت تستعين بهم هذه الفضائيات كانوا يوظفون خبراتهم العسكرية التي لم تتجاوز الحرب العالمية الثانية، حسب اهواء هذه الفضائيات وتمنياتها، وتغييب التحليل السياسي العلمي الحديث لمصلحة الغوغائية والفبركة والتضليل.
*رابعا: تعاون بعض وجوه المعارضة السورية مع اسرائيل والمباهاة بذلك علنا، بل وصفها اي اسرائيل بأنها قوة تحرير، والاستعداد لمكافأتها بالتنازل عن هضبة الجولان، الامر الذي قدم هدية لا تقدر بثمن وظفها بشكل فاعل لمصلحته ولتهشيم خصومه والتشكيك في وطنيتهم.
*خامسا: رجحان كفة الجماعات الاسلامية في ميادين القتال ونجاحها في اقامة امارات اسلامية على مناطق وقعت تحت سيطرتها وتطبيق احكام الشريعة فيها، ثم اشتعال حروب التصفيات في صفوفها، وفشل المعارضة في ايجاد مظلة يتوحد في ظلها جميع او معظم فصائلها، وتعدد التحالفات وتبدلها وتناسل الجماعات المسلحة حتى بلغت الالف جماعة وتنظيم، وكثرة التغييرات في القيادتين السياسية والعسكرية، وتبادل الاتهامات بالعمالة والخيانة في صفوفها، وتوظيف المتشددين والنظام معا لشبكة “اليوتيوب” في بث صور الشنق والاعدامات الميدانية الامر الذي اعطى نتائج تنفيذية عكسية تماما في اوساط سورية وعربية وعالمية خدمت النظام وادواته الدعائية.

الرسالة التي اراد الرئيس الاسد ونظامه توجيهها من خلال الانتخابات تتلخص في وأد صيغة مؤتمر جنيف كطريق للحل السياسي، واسقاط فرضية التنحي نهائيا والتشديد على ان اي مفاوضات جديدة يجب ان تقوم على اساس بقائه في السلطة واقامة حكومة على اساس مبدأ الشراكة تحت مظلته.
عندما يقول استطلاع للرأي العام في ثماني دول عربية (السعودية، مصر، الاردن، لبنان، المغرب، الامارات، الاراضي الفلسطينية المحتلة) اجراه معهد جيمس زعبي الامريكي صاحب المصداقية العالية ان عشرة في المئة في المتوسط يفضلون ضربات جوية في سورية (6 بالمئة في المغرب و8 بالمئة في الاردن)، وان نسبة التأييد لدعم المعارضة وتسليحها والتدخل العسكري الامريكي جاءت منخفضة جدا، بينما تؤيد الاغلبية الكبرى ارسال مساعدات انسانية، فان هذه النتائج التي جرى نشرها قبل اسبوع، واستند اليها الرئيس الامريكي في خطابه في كلية “وست بوينت” العسكرية، واكد فيها رفضه التدخل عسكريا في سورية تقول الكثير حول التغيير المتصاعد في الرأي العام العربي والعالمي ايضا تجاه الازمة السورية.
الاحتفالات بفوز الرئيس الاسد من قبل انصاره ستتوقف خلال يوم او يومين، وستعود الامور الى حالها الذي كانت عليه قبلها، ولكن النظام حصل على جرعة معنوية كبيرة في امس الحاجة اليها، مثلما حصل انصاره على لحظة فرح، وان قصيرة، بعد ثلاث سنوات من القلق والرعب، والاهم من كل ذلك ان هذه الانتخابات اعطت انصار النظام، لما رافقها من اهتمام اعلامي دولي فرصة اخرى لكسر العزلة لا تقل اهمية عن الفرصة التي اتيحت له في جنيف.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 9 / 2177837

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2177837 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 24


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40