الخميس 12 حزيران (يونيو) 2014

أيها الأميركيون لا تحدثوا فوضى جديدة

الخميس 12 حزيران (يونيو) 2014 par د. جيمس زغبي

في الثالث من حزيران الجاري، أصدر «مركز زغبي للخدمات البحثية» نتائج استطلاعات رأي في سبع دول عربية هي الإمارات والسعودية والمغرب ومصر ولبنان والأردن وفلسطين. وتقيس هذه الاستطلاعات، التي أجراها المركز على مدار شهر أيار الماضي، المواقف العربية تجاه الولايات المتحدة والرئيس باراك أوباما بعد خمسة أعوام على خطابه التاريخي في الرابع من حزيران 2009 الذي ألقاه في جامعة القاهرة.
وقد حظيت هذه الاستطلاعات بتغطية واسعة النطاق في وسائل الإعلام الاجتماعية والتقليدية، ولكن من المثير للاهتمام هنا مدى انتقائية الكتاب والمعلقين على النتائج التي راقت لهم، فركّز البعض على سبيل المثال على تحسن تقييمات أوباما والتقييمات الأميركية بشكل عام، بينما لفت آخرون إلى حقيقة أن هذه التقييمات لا تزال منخفضة بدرجة كبيرة. وذكر معلقون آخرون أن غالبية العرب أيدوا المفاوضات التي تقودها الولايات المتحدة مع إيران، وأكد بعض آخر أن كثيراً من العرب ليسوا على ثقة بأن هذه المفاوضات ستكلل بالنجاح. وبرغم ذلك أشار البعض إلى أن النتائج المفاجئة لدى غالبية من شملهم استطلاع الرأي أعربوا عن معارضتهم للتدخل العسكري الأميركي في سوريا، وأظهروا مواقف متباينة تجاه السياسات الأميركية في مصر. وفي النهاية لاحظ بعض الكتاب أن التناقض الواضح يكمن في حقيقة أنه بينما يوافق العرب بأغلبية ساحقة على أنه من الضروري أن تكون لدولهم علاقات جيدة مع الولايات المتحدة ووصف القضية الفلسطينية بأنها أكثر القضايا التي تواجه العالم العربي أهمية، إلا أنهم يعتقدون أيضاً أن «التدخل الأميركي» هو مصدر كبير لزعزعة الاستقرار في المنطقة ولا يثقون في قدرة الولايات المتحدة على أن تكون «عادلة» في التعامل مع القضية الفلسطينية.
وبقدر ما تبدو هذه النتائج الفردية مربكة ومتناقضة فهي تقدم تفسيراً منطقياً إذا ما أخذت في مجملها ونظر إليها في السياق الأرحب الذي يكشفه استطلاع الرأي. ومن ثم لا يمكن النظر إلى إحدى النتائج بمعزل عن «الصورة الكاملة». ومن السهل الإشارة إلى تقييم من التقييمات مثل إيجاد رقم على رسم بياني، ولكن فهم معنى هذا التقييم هو مفتاح تفسير استطلاع الرأي بأسره. وأعتقد أن الحقيقة الكبرى التي يرسخها ذلك الاستطلاع تتألف من ثلاثة عوامل تشكل العلاقات العربية الأميركية الراهنة.
وأول هذه العوامل حقيقة أن الولايات المتحدة والعالم العربي يعيشان في «الواقع ذاته»، فبعد حربين فاشلتين طويلتين ومكلفتين، بات الشعب الأميركي، مثلما أشار الرئيس أوباما مؤخراً، قلقاً من الحرب وحذراً من أي تدخلات عسكرية جديدة في الخارج. وقد تركت حربا العراق وأفغانستان دماراً وشكوكاً هائلة في أعقابهما. ونتيجة لحرب العراق على سبيل المثال، قويت شوكة إيران وزاد العنف الطائفي وانتشر التطرف وتضررت الهيبة الأميركية بشكل كبير ليس فقط بسبب الحرب ذاتها وإنما نتيجة سلوك واشنطن أثناء الحرب. أضف إلى هذه النتائج إهمال إدارة بوش المتعمد للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وبالتالي يمكن فهم شكل العالم الذي ورثه أوباما في العام 2009.
والعامل الثاني تحدده حقيقة التوقعات الكبرى التي نتجت من انتخاب أوباما، والتي عززها خطاب الرئيس في جامعة القاهرة. وتوضح استطلاعات «مركز زغبي» أنه حتى بعد خمسة أعوام لا تزال أغلبية الناس في الدول السبع تؤكد أنه كانت لديهم آمال مرتفعة في أن الرئيس الجديد سيحدث تغييرات جذرية في السياسات الأميركية. ولكن بحلول عام 2011، بات من الواضح أنه نظراً لأسباب كثيرة لم يعد التغيير المنشود مرتقباً. غير أن الأكثر إضراراً بصورة أوباما كان انهيار جهوده الرامية إلى صنع السلام الإسرائيلي الفلسطيني في مواجهة الرفض الذي تلقاه من نتنياهو والكونغرس الأميركي. وقد أظهر الاستطلاع الذي أجراه المركز في الذكرى الثانية لخطاب القاهرة تراجعاً شديداً في التأييد العربي للولايات المتحدة والرئيس أوباما.
والعامل الأخير الذي يحدد أساس نتائج استطلاع الرأي الأخير هو بالطبع الرد الأميركي على حالة عدم اليقين التي أحدثها ما سمي بـ«الربيع العربي»، والضغوط الشديدة التي سببها سفك الدماء في سوريا. وقد ارتبكت الإدارة الأميركية بشكل واضح بسبب هذه الأحداث، وفي بعض الأحيان أظهرت عدم اتساق في سياساتها ومبادئها. وقد اضجر العرب عند مشاهدة الارتباك والتردد الذي اعترى الولايات المتحدة نتيجة التطورات السريعة التغير في مصر، ولكن الضربة الأخيرة بالنسبة لكثيرين في العالم العربي صاحبت الإشارات المتباينة التي أرسلتها واشنطن رداً على استخدام نظام الأسد للأسلحة الكيميائية.
وبناء على هذه الخلفية، يتضح السبب في أن الرأي العام العربي يكشف عن مواقف متناقضة تجاه أميركا وأوباما. فهو ليس مثل بوش، وهذا شيء جيد، ولكن عجز الرئيس الأميركي أيضاً عن الوفاء بوعوده التي قطعها على نفسه في القاهرة لا يزال في الوقت ذاته مصدر إحباط.
وفي هذه الأثناء، تكشف استطلاعات الرأي التي نجريها دائماً أن العرب لا يزالون يحتفظون بمواقف إيجابية تجاه الشعب الأميركي وثقافته وقيمه ومنتجاته، ويعرفون أن الولايات المتحدة لا تزال هي القوة العظمى في العالم، ولذا يرغبون في الحفاظ على علاقات جيدة مع واشنطن. وفي الوقت نفسه، حيّرتهم عقود من التجاهل والأخطاء الفادحة والعجرفة وازدواجية المعايير من قبل الإدارات الأميركية المتعاقبة. ويعرف العرب ما يمكن لأميركا فعله، ولكنهم فقدوا الثقة في رغبة واشنطن وقدرتها على فعل الصواب.
ومما تكشفه أيضاً استطلاعات الرأي أن العرب يعرفون ما يريدون من الولايات المتحدة والذي يتمثل في حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وكبح جماح الطموحات الإيرانية والمساعدة في إنهاء الصراع في سوريا. ولكن بعد حماقات إدارة بوش، التي جعلت العرب قلقين وحذرين من أي تدخلات عسكرية أميركية، والافتقار إلى الاتساق والالتزام الذي يرونه من الإدارة الحالية، تظهر الاستطلاعات أن لسان حال العرب يقول: «نرحب بزيارتكم ولكن لأننا نفتقد الثقة في أنكم ستساعدوننا في إصلاح الأخطاء، من فضلكم لا تحدثوا مزيداً من الفوضى».



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 51 / 2165226

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2165226 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010