الجمعة 13 حزيران (يونيو) 2014

مشاهد تثير المرارة.. وحاجة متجددة للإنقاذ الوطني

الجمعة 13 حزيران (يونيو) 2014 par نافذ أبو حسنة

كان المشهد أمام البنوك في قطاع غزة، واحداً من تلك المشاهد التي تشير إلى الإشكالات الجزئية الناجمة عن اتفاق المصالحة الأخير بين فتح وحماس، أرسلت السلطة رواتب موظفين ظلوا طوال وقت الانقسام، يتقاضون رواتبهم من مالية السلطة، ولم ترسل أموالاً تصرف لموظفي الحكومة السابقة في القطاع، ثارت ثائرة هؤلاء، ومنعوا الموظفين الآخرين من صرف مستحقاتهم، فكان المشهد الذي رأيناه.

سيحال هذا الأمر إلى خانة المشكلات الطفيفة قيد المعالجة، وسيقال إن هناك الكثير من الترتيبات اللازمة والضرورية، حتى يستقيم الأمر وينتظم العمل الذي تشوش بفعل الانقسام المديد، وما ترتب عليه، وسيكون مقبولاً التسليم بما يقال، والانتظار لبعض الوقت حتى يتحقق انتظام مؤسسات موحدة.

لكن كل ذلك يظل الجزء الظاهر من جبل جليد الإشكالات الجدية، التي تواجه حكومة التوافق الوطني التي أنتجها اتفاق مخيم الشاطئ، فالمشهد رغم مرارته ودلالاته المحزنة عما آل إليه الواقع الفلسطيني، يظل قابلاً لمعالجة ما، ولكن بثمن كبير أيضاً.

تعتاش السلطة الفلسطينية، ووفق ما حدده اتفاق أوسلو، من مصادر تمويل غير ذاتية، فهناك هبات المانحين الدوليين والعرب، وبعض المساعدات العربية التي يتم الإيعاز بصرفها من قبل المانحين الدوليين أو بعضهم، وتتحكم حكومة الاحتلال بالمرفق الوحيد الذي يوفر موارد للسلطة الفلسطينية، أي مرفق الضرائب، حيث يقوم الاحتلال بالجباية على المعابر الواقعة جميعها تحت سيطرته، ثم يقوم بتوجيهها إلى السلطة، ضمن شروط محددة، وغالباً ما يتم استخدام تحريك تلك الأموال نحو وجهتها في معاقبة السلطة، أو فرض شروط معينة عليها.

مع مصادر تمويل كهذه، تبقى السلطة مرتهنة بالكامل للممولين والمانحين، الذين يفرضون شروطهم، ويحددون مسارات للسلطة يتوجب عليها سلوكها كما ترسم تماماً، ودون احتمالات للاجتهاد، أو حتى للخطأ.

نموذج وزارة الأسرى

ظهر الارتهان الكامل لشروط الممولين والمانحين، عند تشكيل الحكومة الجديدة، ومحاولة تمرير وزارة الأسرى ضمن التركيبة الحكومية، فشلت المحاولة لسبب أساسي، احتجت حكومة الاحتلال لدى المانحين، على صرف أموال لوزارة تقدم أموالاً إلى من يعتبرهم الصهاينة “إرهابيين”، اشترط المانحون استمرار دفع الأموال للسلطة بحذف الوزارة “الإرهابية”، وهكذا كان، فقد ظهرت حكومة التوافق دون وزارة للأسرى، وجرى استخدام كم كبير من الأكاذيب والصياغات والتسميات، للقول بعكس ما يؤكده الواقع، وأخيراً، بلا اعتراف رسمي واضح، جرى التعامل مع حقيقة تؤكد عدم وجود وزارة ترعى شؤون الأسرى، بل هيئة تتبع منظمة التحرير الفلسطينية، أي أنها لا تتلقى أموالاً من صندوق السلطة، ولا تصل أموال المانحين إلى من صنفتهم حكومة الاحتلال “إرهابيين”.

هذا النموذج قابل للتعميم على كل المفردات التي تخص عمل الحكومة الجديدة، والتي تسير وفق خارطة طريق تحددها الرباعية الدولية، ويتحكم في تطبيقها المانحون الدوليون للسلطة الفلسطينية.

وعليه يتوجب توقع الكثير من التطورات، وبروز مواقف لم تكن من ضمن قائمة التوقعات وتطاول قضايا أساسية، ربما كانت إلى وقت قصير خارج أي نقاش، فما حدث يشبه سلوك طريق باتجاه واحد، يتطلب الاستمرار فيه تلبية الاشتراطات اللازمة لمواصلة السير من غير توقف.

المشهد أمام البنوك كان محزناً على نحو خاص، لكنه ليس الوحيد المتسبب بهذا النوع من الإحساس في الواقع الفلسطيني، تظهير الفلسطينيين أشبه بمتسولين وفي غير مكان، يثير مرارات كبيرة، وظهورهم بلا مرجعية تدافع عن حقوقهم، وتقود مشروعاً وطنياً لأجلهم، يثير أيضاً مرارات كثيرة، وإغراقهم في كم كبير من التفاصيل التي لا تلامس همومهم الكبرى والأساسية، بل تلك المستحدثة والطارئة، يثير أسئلة كثيرة، حول المخططات التي ترسم لفلسطين وقضيتها وشعبها.

سيكون هناك من هو قادر على تحويل المشاهد أمام البنوك في القطاع إلى مادة للسخرية والتندر، وربما تكون المشاهد ذاتها صالحة للكلام في المصالحة، وأزمات طرفيها، والحلول الممكنة، وتلك المتوقعة، أو القابلة للعمل عليها وتطبيقها، لكنها بالتأكيد تنطوي على ما هو أخطر من ذلك بكثير.

ثمة ما يمكن افتراضه هنا، هناك من أوعز بعدم صرف الرواتب لموظفي الحكومة السابقة، قبل الحصول على موقف سياسية معينة، الافتراض أكثر من ممكن لأن التجربة تقدم الكثير من الدلائل على استخدام هذا النوع من الضغوط لتحصيل مكاسب، أو الحصول على تنازلات كبيرة.

التعليمات المُقدسة

في تصريحات له مؤخراً اعتبر رئيس السلطة الفلسطينية أن التنسيق الأمني مع الاحتلال، يدخل في خانة الثوابت المُقدسة، وصف التنسيق الأمني على هذا النحو، يعني بكلام آخر أن كل ما يصدر عن الرباعية والمانحين من شروط يدخل في خانة المُقدس، وغير القابل للرفض.

وهو يعني أيضاً وجود إمكانية كبيرة للتجاوب مع طلبات من قبيل إعلان الحكومة مجتمعة قداسة التنسيق الأمني، وأهمية الاعتراف بدولة الاحتلال، وسلوكها درب الموافقة على برنامج الرئيس في التفاوض والتنسيق، ورسم خارطة التحرك وفق مقتضيات وتعليمات الرباعية بكامل تفاصيلها.

يستطيع طرف ما، القول في هذه الحالة: إن الحكومة القائمة والتي تتخذ المواقف هي حكومة تكنوقراط، ولا قيمة للمواقف السياسية الصادرة عنها، لن يكون هذا الكلام مقنعاً لأحد، فالحكومة القائمة هي حكومة التوافق، وهي الحكومة الناتجة عن اتفاق بين الطرفين، جرى البحث مطولاً في الكثير من تفاصيله.

وسيقول طرف آخر: إن الحكومة تنفذ سياسات تريد الحفاظ على المكتسبات المتحققة، ولا يمكنها الوقوف في مكان تعارض فيه إرادة المانحين، أو تمانع في التكيف مع المتطلبات التي يفرضها استمرار تعامل الرباعية الدولية مع السلطة.

هذا مصير سيئ لفلسطين وللقضية الفلسطينية وللشعب الفلسطيني، ومع الموافقة بهذه النسبة أو تلك مع كل ما يمكن أن يقال عن الظروف الصعبة والمؤامرة.. وما يحيط بالواقع من تعقيدات كثيرة ومتشعبة، فإن لا شيء يمنع من القول بوجود خلل فادح في الأداء الفلسطيني قاد إلى المشهد الذي يجد الفلسطينيون أنفسهم فيه اليوم.

تبتعد أطراف فلسطينية فاعلة عن تقييم جدي للواقع الفلسطيني، وهي أحجمت منذ سنوات عن القيام بالمراجعة المطلوبة، وإعادة تعيين واقع الفلسطينيين بوصفهم شعباً تحت الاحتلال يخوض معركة تحرر وطني، وغرقت هذه الأطراف في أوهام السلطة والمقتضيات المترتبة عليها، لتزيد تعقيدات المشهد من كل جوانبه.

وهكذا فإن هذه الأطراف وبدلاً من البناء الجدي لحالة فلسطينية جديدة ومطلوبة، انصرفت إلى محاولة ترقيع ثوب غير قابل للرتق، بسبب الاهتراء العميق والمتشعب، فإنتاج حكومة تكون مهمتها التكيف مع متطلبات أوسلو، ومع الشروط الدولية لمجرد الاستمرار في الحصول على بعض الفتات، ليس هو المطلوب، عند الحديث عن الحقوق الوطنية، وعند الحديث عن واجبات الأطراف التي رفعت شعار تحرير فلسطين، وحددته بوصفه المهمة الأساسية لها ومبرر وجودها، وحيازتها الشرعية الوطنية المطلوبة.

والتلهي بالخلافات اللغوية حول صياغات مطاطة، ولا تعني شيئاً على أرض الواقع، لا يفيد كثيراً أو قليلاً الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، فما يجري الحديث عن رفضه علانية، أو حتى ممارسة الخداع بشأن هذه النقطة أو تلك، لا يمكن أن يقدم فائدة تذكر، وستنكشف الوقائع عن كارثة متحققة.

إزاء هذه المعطيات، وغيرها كثير مما يشير إلى وجود أزمة عميقة، تبرز الحاجة بقوة إلى التداعي لمؤتمر إنقاذ وطني بمشاركة كل القوى الحريصة على القضية الفلسطينية، والمتمسكة بالثوابت، بغية إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية ببرنامج إجماع وطني مستند إلى الثوابت الوطنية الفلسطينية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 19 / 2165686

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع وفاء الموقف  متابعة نشاط الموقع نافذ أبو حسنة   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

23 من الزوار الآن

2165686 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010