الأحد 15 حزيران (يونيو) 2014

سقوط نينوى نتيجة للاحتلال الأمريكي

الأحد 15 حزيران (يونيو) 2014 par علي جرادات

لئن كان مهماً معرفة الأسباب الأمنية المباشرة لسيطرة تنظيم “داعش” الإرهابي على محافظة نينوى العراقية، وقلبها مدينة الموصل، وإزالة معالم حدودها مع مدينتي الرقة والحسكة السوريتيْن اللتين يسيطر عليهما التنظيم، كخطوة على طريق إقامة “دولة الإسلام في العراق والشام”، فإن الأهم يكمن في تحديد صاحب المصلحة في نشوء الأسباب السياسية-المقدمات- التي أدت إلى خلق هذا التنظيم وتنظيمات تكفيرية إرهابية أخرى، وانتشارها في غير قطر عربي، وتعاظم قوتها لدرجة أن تصبح تهديداً فعلياً لأمن واستقرار العراق ومنطقة الخليج العربي وبقية الأقطار العربية، بل وإقليم الشرق الأوسط والعالم بأسره . إن اختزال هذا التطور الخطر في أسبابه المباشرة، لن يفضي إلى وقف تداعياته وانعكاساته كتطور لا يمكن فصله عما تنفذه الجماعات التكفيرية الإرهابية ذاتها في كل من سوريا واليمن وليبيا وتونس ومصر . بل إن تصور إيجاد حلٍ شافٍ شامل ونهائي لهذه التنظيمات من دون التعرض لدور الولايات المتحدة في تأسيس مقدمات ولادتها وانتشارها وتعاظم قوتها، هو تصور قاصر كتصور ذاك الذي يرى الذئب بأم عينه ويواصل البحث عن أثره، ذلك للأسباب الأساسية التالية:
* أولاً: في نهاية عام ،2011 بعد قرابة تسعة أعوام من احتلال الولايات المتحدة للعراق، خسرت خلالها، (حسب الأرقام الرسمية الأمريكية)، 4474 قتيلاً، و33 ألف جريح، ونحو تريليون دولار، حزمت القوات الأمريكية حقائبها وانصرفت، بعدما قتلت مئات الآلاف من أبناء العراق، وتركت أضعاف أضعافهم جرحى ومشردين ولاجئين، ودمرت اقتصاده، وأجهزت بالاغتيال على خيرة علمائه، وفرغته بالتهجير من أفضل كفاءاته، ونهبت ما استطاعت من ثرواته، وحولته إلى مرتع لأجهزة الاستخبارات بجنسياتها المختلفة، وفي مقدمتها جهاز الموساد الصهيوني، وفككت بنى دولته، وأولاها جيشه الوطني، ونشرت الانقسامات الطائفية والمذهبية والجهوية داخل نسيجه الوطني والمجتمعي ونظامه السياسي، وحولته من دولة مستقلة قوية متماسكة إلى دولة ضعيفة تغزوها وتتنامى داخلها الجماعات التكفيرية المسلحة، وتتنافس على النفوذ فيها دولتان إقليميتان نافذتان هما إيران وتركيا “الإخوانية” التي وجدت، (بتطلعاتها العثمانية الجديدة)، فيما آل إليه العراق فرصة للتدخل في شؤونه، وعبره في شؤون الأقطار العربية كافة .
* ثانياً: الكيان الصهيوني، حليف الولايات المتحدة الاستراتيجي في المنطقة، كان، ولا يزال، أكثر المستفيدين مما أصاب العراق، بفعل الاحتلال الأمريكي، من دمار وتفكك رهيبيْن، ومن خسائر بشرية ومادية تجاوزت كل حدود المعقول، ومن صعود نخب سياسية متنازعة ذات نزعات تقسيمية لكل واحدة منها ميليشياتها الخاصة، ومن نظام حكم تأسس على المحاصصة الطائفية والمذهبية، وينخره فساد مالي وإداري وسياسي استشرى حتى صار قاعدة عامة، فيما إجراء الانتخابات ليس سوى ساتر لعيوب هذا
النظام وثغراته وخلله البنيوي وهشاشته وقابليته للانكسار وإنتاج كل عمليات التقتيل والتذبيح والتدمير بالسيارات المفخخة التي ما انفكت تحصد أرواح أبناء العراق من أقصاه إلى أقصاه .
* ثالثاً: تنظيم “داعش” الذي صار قوة تهديد إقليمية هو، (كغيره من التنظيمات التكفيرية الإرهابية)، ليس نبتاً شيطانياً، ولا ولِدَ فجأة أو على حين غرة، بل هو فرع معلن لتنظيم “القاعدة، رديف حركة”طالبان“الأفغانية التي صنعتها، ورديفها”القاعدة“بفروعه، في نهاية سبعينيات القرن الماضي الاستخبارات الأمريكية لمواجهة القوات السوفييتية في أفغانستان ضمن لعبة”الحرب الباردة“بين قطبي النظام الدولي آنذاك . تلك حقيقة يعرفها القاصي والداني، ولا يلغيها أو يقلل من دلالاتها، انقلاب سحر تنظيم”القاعدة“على الساحر الأمريكي في”غزوة“مانهاتن ونيويورك في 11 سبتمبر/أيلول 2001 . بل إن إعلان الولايات المتحدة”الحرب على الإرهاب" بعد احتلال أفغانستان، لا يمسح، ويجب ألا يمسح، مسؤوليتها عن إنشاء هذه الجماعات التكفيرية وانتشارها، وتعاظم قوتها في إقليم الشرق الأوسط، وقلبه الوطن العربي، لأسباب ثلاثة، هي:
* الأول: استخدام الولايات المتحدة “شعار الحرب على الإرهاب” غطاء لاحتلال العراق وتدميره، وذريعة للتدخلات الأمريكية العسكرية وغير العسكرية، المباشرة وغير المباشرة، في أكثر من قطر عربي .
* الثاني: التعامل الأمريكي المتناقض مع هذه الجماعات التكفيرية، فهي إرهابية حيثما، وعندما، تمس المصالح الأمريكية، لكنها غير ذلك حيثما، وعندما، تخدم هذه المصالح .
* الثالث: مساعدة الولايات المتحدة للدول في محاربة الإرهاب قط لم تكن “لوجه الله”، بل لبدء، أو استعادة، أو تعميق، السيطرة الأمريكية على هذه الدول، أو عليها وعلى جوارها، وأظن، وليس كل الظن إثماً، أن هذا هو الغرض الفعلي الكامن خلف إبداء الولايات المتحدة الاستعداد لمساعدة الحكومة العراقية في مواجهة “داعش” في معركة محافظة نينوى الواقعة على حدود سوريا التي ما انفكت الولايات المتحدة تبحث عن توسيع نطاق تدخلها العسكري غير المباشر فيها .
الأسباب الثلاثة أعلاه تعني أن قوات الاحتلال الأمريكي لم ترحل عن العراق إلا بعدما زرعت فيه كل أسباب-مقدمات- تحويله إلى دولة فاشلة، تقدم الأمر أو تأخر، وبمعزل عن الأداة أو الأدوات، المحلية منها والمستوردة، التي يتم استخدامها غطاء لتحقيق هذا الهدف الأساسي للاحتلال الأمريكي للعراق، التخم الشرقي للوطن العربي، وأكثر أقطاره تعقيداً من حيث تركيبه الديني والمذهبي والعرقي . بإيجاز واختصار شديدين يمكن القول: الخطر النوعي المحدق بالعراق مرعب، وهزيمته قبل استفحاله وتمدده إلى بقية الأقطار العربية، وإلى المجاورة منها للعراق، تحديداً، غير ممكنة بمعالجة أسبابه الأمنية التكتيكية المباشرة، بل بمعالجة أسبابه السياسية الاستراتيجية، وفي مقدمتها تدخلات الولايات المتحدة فيما يجري في أكثر من قطر عربي، بشكل مباشر حيناً، وبشكل غير مباشر حيناً آخر . فتنظيم “داعش” وغيره من التنظيمات التكفيرية الإرهابية صنيعة أمريكية أصلاً، بينما تعاظم قوتها وصولاً إلى سيطرتها على رقعة جغرافية عراقية واسعة ليس سوى واحدة من النتائج بعيدة المدى للاحتلال الأمريكي للعراق وتدميره دولة وجيشاً واقتصاداً ونسيجاً وطنياً ومجتمعياً .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 18 / 2165482

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع علي جرادات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165482 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010