الصورة الفلسطينية أصبحت شديدة الوضوح اليوم ولا مجال لمزيد من القنابل الدخانية فيها، فالسلطة الفلسطينية برئاسة عباس أمام مهمة رئيسية وبرنامج وحيد وضعه لها جنرالات حكومة الاحتلال، رشى اقتصادية مقابل ضمان التنسيق الأمني والصمت عن كل اجراءات حكومة الاحتلال في الاستيطان والتهويد والتدنيس ولاحقا الضم والتشريد، والمقاومة في غزة أمام شرط الهدوء التام على تخوم القطاع مقابل ذات الرشى الاقتصادية إن تم تحقيق تبادل الأسرى، وعباس يضع شرط التوقيع على كل تنازلاته دفعة واحدة مقابل أي حوار أو مشاركة من أي نوع.
الدرس الأفغاني مثل الدرس الفيتنامي والدرس الجزائري بل والدرس اللبناني، هو نفس الدرس ونفس الخلاصة ونفس النتيجة، قد تكون بصور متعددة وأشكال مختلفة وجغرافيا زمنية متعددة أيضا، لكنها دوما بنفس الجوهر، لا احتلال باق طالما ظلت المقاومة خلفه صادقة مع هدفها ومستعدة للفداء.
وصلت سمعة السلطة الفلسطينة إلى أدنى مستوى في تاريخها منذ تسلّمها محمود عباس عقب ما قالت عنه كونداليزا رايس في مذكراتها الشهيرة (الفرض بالقوة)، طبعا بعد تنفيذ عملية إزالة ما أطلق عليه الأمريكيون (العقبة الكأداء) في توصيف الشهيد ياسر عرفات قتلاً واغتيالاً بعد حصار مطبق طبقه الأمريكيون وأدواتهم في المنطقة بما فيها الأدوات الفلسطينية التي كانت تعبر عن طريق محمود عباس وحليفه آنذاك محمد دحلان. لوموند قالت له عار عليك يا عباس ولوفيجارو قالت سيخرج بكثير من اللعنات.
انتهت معركة سيف القدس إلى نتيجة استعادة حضور ومعادلة القدس ومعها إعادة لصق كلّ ما حرصت حكومات العدو ومؤسسات التخطيط والتفكير فيه على تثبيته بما فيها مؤتمر «هرتسيليا» المشهور، ومن جانب آخر أسقطت بالضربة القاضية «نتنياهو» ومشروعه إياه الخاص بمكان تحت الشمس حيث لم يعد هناك من مكان يستوعب نتياهو لاحقا وإن لعب دور ترامب في الاستعصاء على مغادرة عنوانه الحالي، فهو ذاهب إلى الحبس لا محالة.
لأول مرة منذ العام 1929 وثورة البراق يعود الفلسطيني ليطلق لها السيف من أجل الأقصى وقدسه، ولأول مرة منذ 1936 والاضراب العظيم يعود الفلسطيني ليعمّم اضرابا في كل فلسطين التاريخية، ولأول مرة منذ العام 1948 يهبّ الفلسطيني ليردّد كلمة واحدة : التحرير لفلسطيننا، ولأول مرة منذ العام 1967 ينطلق الفلسطيني عائداً تجاه النهر الذي خرج منه، هكذا أسقطت صواريخ مقاومة الشعب الفلسطيني العظيم كل درس الفواصل الجغرافية والزمنية من كل نوع وشكل وأعادت صياغة أصل السؤال وأصل الحكاية: تحرير كل الارض وعودة كل الشعب.
بعد عقد ونصف يعود رئيس السلطة المنتهية ولايته ليعرض تجديد ولايته من جديد، وتعود مسرحية انتخابات تحت الاحتلال هذه المرة لتصبح تحت الاحتلال والاستيطان وتهديد التهويد، وتجتمع ألوان الفصائل الفلسطينية على مدى أشهر ليقال أن الأصفر والأخضر اتفقا على خوض شراكة وطنية بالانتخاب، واحتار الأحمر ماذا يفعل بين سؤال الموازنات وسؤال المبدئيات، وحسم الأسود أمره لا مشاركة ولكن لا تعطيل، وبقي الأبيض وحيدا في حفل الألوان يدعو إلى برنامج عملي على الأرض للانتفاضة وتوسيعها والعودة للاشتباك الدائم مع العدو واستيطانه وتهويده وليس لاستهلاك المزيد من الوقت على حساب فلسطين ولصالح دولة الاستيطان النهمة في الضفة والقدس المحتلتين.
نجح مجددا محمود عباس في تحويل المشهد الفلسطيني عن مواجهة الحقيقة التي شكّلت نواتجها سياساته المقامرة والمغامرة والمتواطئة، وبدلا من أن يقوم الفلسطيني بعد ربع قرن من التوهان بتقييم ماضي هذه التجربة المفخخة الواهمة ويسعى إلى تصحيح الاتجاه والتسلّح بما من شأنه أن يعيد الجميع إلى خارطة طريق حقيقية تذهب لاستعادة الوطن المحتل وانقاذه من براثن التهويد تقوم على برامج اشتباك حقيقية مع المحتل، ها هو يمهّد من جديد لفصل من التوهان والضياع الوطني لانتزاع لصقة تجديد صلاحية لنفسه ولفريقه المأزوم عبر همروجة الانتخابات.
«الموقف» تنعي أحد أبرز كتابها الذين حرصوا على رفدها طوال الأعوام العشرة الماضية بنتاج قلمه الشجاع والمفكّر والحر، وتنقل أرشيف مقالات البروفسور قاسم إلى صفحة «وفاء الموقف» لكتابها الراحلين.
الموقف تتمنى لشعبنا الفلسطيني بمناسبة الأعياد والسنة الميلادية الجديدة أن تتحقق أمانيه بنيل حريته واستعادة وطنه المسلوب وتجسيد عودته الكبرى المأمولة لأرض آبائه وأجداده، وتتقدم الموقف من أرواح شهداء شعبنا العظام أولا بالدعاء إلى المولى أن يرفعها في عليين مع الأنبياء والصالحين
ar افتتاحية الموقف ? | OPML ?
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
18 من الزوار الآن
2177809 مشتركو الموقف شكراVisiteurs connectés : 21