يتعلق أحد الجوانب التي هي أقل بحثاً في قضية الهجوم «الإسرائيلي» الممكن على ايران برد الجماعة الدولية. ينبغي أن نأخذ في الحساب سيناريو معقولاً وهو امكان ضغط دولي كثيف على «إسرائيل» يشتمل على ضغط امريكي (مع فرض أن يتم الهجوم بغير موافقة الولايات المتحدة)، لتنزع السلاح الذري المنسوب اليها، او تنضم الى ميثاق منع نشر السلاح الذري وتجعل منشآتها الذرية تحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
يصبح هذا السيناريو أقل خيالية بازاء قرار لجنة تجديد الميثاق في حزيران (يونيو)، الذي تناول «إسرائيل»، ولا سيما بإزاء تغير موقف الولايات المتحدة من قضية السلاح الذري في العالم. إن هجوم دولة يرى أنها تملك سلاحاً ذرياً خارج ميثاق منع نشر السلاح الذري، على دولة أخرى حتى لو كانت هذه تطمح الى امتلاك سلاح ذري، سيستقبل بتنديد مطلق شامل. إن تلك القلة من بين الباحثين في سياسة «إسرائيل» الأمنية، والذين يعتقدون مثلي أن على «إسرائيل» التوصل الى اتفاق على تجريد «الشرق الأوسط» من سلاح الابادة الجماعية، يرون هذا السيناريو وضعاً غير مطلوب اذا لم نشأ المبالغة. اذا ثبتت «إسرائيل» للضغط فقد تجد نفسها في عزلة قد تشتمل على حظر الوسائل القتالية والمعدات والمواد ثنائية الاستعمال للحاجات العسكرية والمدنية. واذا رضخت «إسرائيل» للضغط فستضطر الى التخلي عن ورقة مساومة استراتيجية قد تفضي الى نظام أمني اقليمي يشتمل على نزع صادق للسلاح (يشتمل على نظم تفتيش ورقامة اقليمية ذات مستوى صدق أعلى مما في الوكالة الدولية للطاقة الذرية).
يتبين مرة بعد أخرى أن سياسة «إسرائيل» الذرية مخطئة من أساسها. فلا براهين على أن هذه السياسة أحرزت حتى واحداً من أهدافها المعلنة. فهي لم تمنع الهجمات على التجمعات السكنية في حرب الخليج وفي حرب لبنان الثانية ولا من غزة أيضاً. لا يمكن القضاء على الانتفاضة بالتهديد الذري. واتفاقات السلام مع مصر والأردن، التي لم يكن فيها لقدرة «إسرائيل» الذرية أي دور، تضائل بقدر كبير التهديد التقليدي لـ «إسرائيل». والأهم أنه كلما بدأ شخص ما في «الشرق الأوسط» يطور سلاحاً ذرياً، نكف نحن عن الايمان بالردع الذري ونهب للقضاء على القوة المحتملة العربية - الايرانية.
يوجد غير قليل من الشهادات على أن قدرة «إسرائيل» الذرية كانت حافزاً ونموذجاً أيضاً لمحاولات تطوير سلاح ذري عند عدد من دول المنطقة وأنها حفزت على تطوير قدرات كيماوية وبيولوجية في سورية وعراق صدام حسين وفي مصر ايضاً. اذا فشل الهجوم «الإسرائيلي»، أو اذا «أقنعت» «إسرائيل» بالامتناع عن الهجوم وأحرزت ايران قدرة ذرية فان دولاً اخرى في المنطقة قد تسير على أثرها.
أصبح واقع ان يكون «الشرق الأوسط» مالكاً للسلاح الذري معقولاً أكثر فأكثر. المعضلة التي تواجه «إسرائيل» في أمد أبعد هي الإختيار بين «شرق أوسط» ذري و«شرق أوسط» منزوع السلاح : فإما ان يكون سلاح ذري للجميع وإما ألا يكون لأي دولة في المنطقة.
إن الاحتمالية التي تزداد لسيناريو يوم الغد تقتضي تأملاً جديداً للسياسة الذرية. ينبغي أن نزن مبادرة «إسرائيلية» الى تجريد «الشرق الأوسط» تجريداً كاملاً من سلاح الابادة الجماعية. تستطيع «إسرائيل» ان تقود مسيرة تنشىء نظاماً أمنياً بشروط مريحة لها بدل نزع للسلاح من جانب واحد على أثر ضغط دولي. ليس الأفق الذري بعيداً جداً، حان وقت أن نزن ماذا سنجد وراءه.