في مقابلة نشرت الاسبوع الماضي في مجلة «اتلنتيك» شرح فيدل كاسترو ان «لدولة «اسرائيل» الحق في الوجود كدولة يهودية»، بل وأضاف انه لو كان محل نتنياهو لكانت الكارثة تقف امام ناظريه دوما.
رد الفعل الحماسي من الرئيس بيريس ورئيس الوزراء نتنياهو كان سريعا ومتسرعا.
في غضون يومين انطلقت الى كوبا رسالة الاول، التي جاء فيها ان «تحت جبال الجدال الايديولوجي لا بد أنه تسكن نفس بشرية. وصفت التاريخ والكارثة بشكل يمس شغاف القلب»، وان هذا الوصف كشف «عمقا ثقافيا أصيلا ومميزا». أما الثاني فأعلن بعد نحو ثلاثة أيام بأن «الطاغية الكوبي المتقاعد أبدى (فهما عميقا) بتاريخ الشعب اليهودي ودولة «اسرائيل»».
لسبب ما نسي الرجلان، وربما لم يعرفا على الاطلاق، مقالا كتبه بطل احلامهما الجديد قبل ثلاثة اشهر فقط. واصف الكارثة بشكل «يمس شغاف القلب» (اذا كان ممكنا مثل هذا الوصف على الاطلاق) وذو «الفهم العميق» في تاريخنا (الذي على أي حال كرس سنوات لتعلمه) أطلق في حينه جواهر مثل : «كراهية دولة «اسرائيل» للفلسطينيين كبيرة جدا لدرجة أن «الاسرائيليين» لن يترددوا في ارسال مليون ونصف مليون من الرجال والنساء والاطفال الفلسطينيين الى المحارق التي أباد فيها النازيون ملايين اليهود. وكي يجسد أكثر عظمة نفسه وحدة تفكيره فينا» اضاف : «يبدو أن الصليب المعقوف للطاغية أصبح اليوم علم «اسرائيل»».
من يدري؟ يحتمل أن يكون الصيف الحار قد دفع فيدل كاسترو الى التوبة (وان كان دون الاعراب عن الندم العلني على السخافة التي تلفظ بها). لعل احمدي نجاد يأتي له بالقماشة لدرجة أنه مستعد لان يعترف بحق وجود «اسرائيل» حتى عندما يكون الصليب المعقوف يرفرف عليها. ويمكن بالطبع ان تنطبق على هذه التعابير كلمات سفر التهاليل «والامم تقول هراء»، وكبديل قول بن غوريون : «مستقبلنا منوط ليس بما يقوله الاغيار».
مهما يكن من أمر، واضح تماما أنه لا توجد أي اهمية تاريخية للمقابلة مع كاسترو، والانفعال الرسمي «الاسرائيلي» منها كان، في ضوء الظروف، مبالغا فيه حتى الشفقة. مهما يكن من أمر فان لعبة كلمات الرجل من كوبا لا تسمح بأي اصرار على الكلام، وبالتأكيد ليس في الوضع الحالي للمفاوضات المباشرة العرجاء بين «اسرائيل» و«السلطة الفلسطينية».
القفز المتسرع لكاسترو من تشبيهنا بالنازيين الى الاعتراف بحق وجود «اسرائيل» كـ «دولة يهودية» يدل ظاهرا على أنه لا يوجد أي معنى لاعتراف لفظي كهذا. الاندفاع غير المحترم للرئيس ولرئيس الوزراء يبث رخصا لكل طلب بمثل هذا الاعتراف، بل ويبعث على السؤال من يحتاجه على الاطلاق ولماذا نطالب به الفلسطينيين (بعد أن لم يطلب من المصريين والاردنيين كشرط للتوقيع على معاهدتي السلام معهم)؟. ولا يزال محظوراً نسيان ُ الفارق الصغير.
في كل دولة فلسطينية مستقلة تقوم غربي نهر الاردن تكمن طاقة هائلة بمطالب هدامة تجاه «اسرائيل». كل دولة كهذه، كما يبدو في هذه اللحظة، لن تتخلى عن التطلع الى اغراق «اسرائيل» باللاجئين وبأنسال اللاجئين الفلسطينيين والغاء كونها الدولة القومية للشعب اليهودي. كل دولة كهذه غير واردة، من ناحية «اسرائيل»، الا اذا كانت مجردة من السلاح واذا ما عطل فيها اللغم الايديولوجي الديمغرافي مسبقا.
السبيل الى هذه الاهداف يمر بالضرورة عبر تصريحات واضحة وملزمة من ابو مازن كـ «قائد للسلطة الفلسطينية» : رفضه العنيد اطلاق مثل هذه التصريحات يضع ضمن علامة استفهام كبيرة كل شيء يعرض كـ «مسيرة سلام حقيقية» او «شجاعة».
**«يديعوت»