الأحد 12 تشرين الثاني (نوفمبر) 2023

عن «دويتشه فيله» المتأسرِلة والعربي المُستَلب: نظّارات جعفر عبد الكريم لا ترى «محرقة غزة»

الأحد 12 تشرين الثاني (نوفمبر) 2023

- عبد الرحمن جاسم

في عزّ الإبادة الصهيونية بحق الأطفال والرضّع والمدنيين والاستهداف الممنهج للمستشفيات والمدارس والملاجئ، خرج «عبقري» الإعلام المتأسرِل، بحلقة تاريخية عن إبادة نظّمها النظام النازي بحق اليهود ذات يوم من عام 1938

«في الذكرى الـ85 لمذبحة نوفمبر ضد اليهود في ألمانيا. حتى لا يتم نسيان ليلة الكريستال... هل تعرف/ي ماذا حدث؟». جعفر عبد الكريم يضرب من جديد! عبر برنامجه «جعفر توك» على تلفزيون «دويتشه فيله» الألماني، يواظب مقدّم البرامج اللبناني الألماني على غسل (Whitewash) جرائم الكيان الصهيوني. منذ بداية «طوفان الأقصى»، تواظب «أم الصهيونية وأبوها» (أي «دويتشه فيله») على دعم الصهاينة وممارستهم الإجرامية، مساهمةً بكل قوتها في تقديمهم على أنّهم «مظلومون/ مساكين»، تعرضوا للإبادة (مازجة بين اليهود والمشروع الصهيوني الاستعماري بما يُسيء إلى اليهود في الدرجة الأولى). وليس التذكير بهذا الحدث التاريخي اليوم، إلا طريقة لذرّ الرماد في العيون ومحاولة لتحييد الاهتمام عن الحدث الجلل في فلسطين.

مع بداية «الطوفان»، استعرض «جعفر توك» قصة التوأم الصهيوني أوشر وميخائيل واكنين الذي كان ضمن المهرجان الموسيقي المقام في صحراء النقب قبيل «طوفان الأقصى» وزوجة أوشر التي تقول «كان كل حياتي وقتلوه» (الأخبار 13/10/2023)! الإعلامي كاره جِلده كان قد ظهر علينا قبل مدة قصيرة في مقابلةٍ في «نيويورك تايمز»، ليقول إنّه «جزءٌ من المعركة الألمانية مع الشرق الأوسط»، ممطراً إيانا دروساً في «الحضارة والتحضّر» عن أنّها «ليست ألمانيا في مواجهة العالم العربي، بل إنها معركة حول القيم الإنسانية التي هي عالمية، وإن كونك حراً ليس أمراً غربياً، بل إنه عالمي».
طبعاً، يأتي كلام جعفر بعد تمظهر الموقف «الديموقراطي» الذي تبنّته «دويتشه فيله» بصرف مجموعة من الإعلاميين العرب المناصرين للقضية الفلسطينية بدعوى «معاداة السامية» (الأخبار 6/1/2021). هنا أظهرت المؤسسة الألمانية وجهها الحقيقي: شعارات الحرية والديموقراطية والتعبير عن الرأي تسقط متى يمسّ ذلك مصالح دولتها الاستعمارية في المنطقة.
هذه المرة، عاد عبد الكريم إلى طرق الأبواب الموصدة، إذ غاص في إيجاد ما يمكنه أن يخلق تعاطفاً مع الصهاينة عبر الإضاءة على حدثٍ تاريخي غير مطروق، وفي توقيت مشبوه يرمي إلى التغطية على المحرقة الصهيونية المرتكبة في غزة، والاستهداف الممنهج للمستشفيات والمدارس والمدنيين في عملية إبادة على الهواء، لم يشهد التاريخ الحديث مثيلاً لها. نسى مقدم البرامج المجازر الصهيونية الكثيرة، التي يمكن لأي طفلٍ عربي تسميعها له، ليعرض شرحاً مفصلاً عن مجزرة لم يسمع بها أحدٌ على الرغم من وجود «متحفٍ» بأمه وأبيه للمحرقة ولآلام اليهود في ألمانيا، ومئات الدراسات التي تناولت المجازر والإبادات التي تعرّض لها اليهود في الحرب العالمية الثانية على يد النازية.

شريكٌ فعلي في قتل الفلسطينيين عبر التواطؤ مع الجلاد والتزوير الممنهج لسرديّتهم ومظلوميّتهم

وبالعودة إلى المجزرة التي اختار صاحب «جعفر توك» تسميتها «ليلة الكريستال»، فإنها حدثت في 9 و10 تشرين الثاني (نوفمبر) من عام 1938، حين ارتكب النظام النازي عدداً من المجازر، وخرّب أكثر من 1400 معبد يهودي، وآلاف المنازل والمدارس والشركات اليهودية، وقتل حوالى 1500 شخص في تلك الليلة أو ما بعدها من جراء الإصابات التي حصلت لهم، وتم ترحيل العديد من اليهود، وانتحر آخرون وفق ما يشير إعلان البرنامج.
خلال الإعلان، مرّر البرنامج رسالته: «لماذا من المهم جداً ألا ننسى هذه الليلة أبداً؟».

يجيب: «لأن مذبحة نوفمبر تم تنفيذها على مرأى من الجميع، ولم تتدخل قوات الشرطة وفرق الإطفاء، حتى إنّ المسؤولين النازيين زعموا أن اليهود أنفسهم هم المسؤولون عن أعمال الشغب». طبعاً، لم يشر جعفر عبد الكريم إلى المحرقة الجارية في غزة منذ 37 يوماً. مجزرةٌ كاملة تحدث اليوم وليس قبل عقود، حيث يُقتل آلاف الرجال والنساء والأطفال بوحشيةٍ لا مثيل لها، ويتم إبادة عائلاتٍ بأسرها على مرآى «الديموقراطيات» الغربية. هذا الواقع لا يراه جعفر، كما لا تراه «دويتشه فيله» ولا الغرب برمّته. فالعرب/ الفلسطينيون لا يحق لهم أن تُروى قصصهم، أو أن تُقام لهم «برامج» تؤرخ لحياتهم وتحكي كيفية مقتلهم وخلفياته. هؤلاء عليهم أن يموتوا بصمت، وأن يكونوا «غوييم خلقوا لخدمة الشعب الإسرائيلي» فقط. هذا ما لا تقوله «دويتشه فيله» بصورة مباشرة، لكنّها شريكٌ فعلي في قتل الفلسطينيين عبر التعتيم على حكاياتهم ومساواتهم بجلّاديهم وقتَلتهم والتزوير الممنهج لسرديّتهم ومظلوميّتهم.

ذراع صهيونية بامتياز
أوردت أكثر من جهة إعلامية من مصادر داخلية في الشبكة الألمانية بأنها فرضت على جميع موظفيها الاعتراف بكيان الاحتلال، مع تهديدهم بالطرد المباشر في حال رفضوا ذلك، وحددت مجموعةً من التعابير التي يجب التوقف عنها والابتعاد عنها تحت العقوبات لمن «ينتهكون هذه الإرشادات». وكانت DW قد طردت في عام 2022 قرابة سبعة موظفين عرب وفلسطينيين بدعوة «معاداة السامية» بسبب تغريدات تضامنية مع فلسطين كتبوها قبل توظيفهم في القناة. وبدا أنّ الشبكة قد تفوّقت على نفسها مرة أخرى حين خلقت توصيفاً مهنياً جديداً هو «رئيس فريق الخبراء لمواجهة معاداة السامية». منصب سلّمته للألمانية سارة هوفمان التي كان تأكيدها الأكبر على مراسليها وصحافييها في اجتماعٍ معهم في الشهر الفائت بأن «حماس حركة إرهابية وفقبحسب تصنيف الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية»، ناهيك بأنَّ «أهداف إسرائيل التي تقصفها لا تتعلق أبداً بإبادة الشعب الفلسطيني»، فيما «الحرب على غزّة» هي «ردة فعل على هجوم حماس على المواطنين الأبرياء» وهي «دفاعٌ عن النفس».

وجهان لعملة واحدة
في مقالٍ منشور في نيسان (أبريل) 2023 على موقع قناة DW يشرح طبيعة العلاقات بين كيان الاحتلال والدولة الألمانية، يشير إلى أنَّ العلاقة بين الطرفين هي «مسؤولية أبدية» كما يوضح عنوان المقال أصلاً: «ألمانيا وإسرائيل.. مسؤولية أبدية رغم التباين في وجهات النظر». يأتي المقال مع توصيفاتٍ من نوع «بن غوريون رئيس الوزراء الأسطوري الأول لإسرائيل»، بماذا كان بن غوريون أسطورياً؟ لا أحد يعلم، هم لا يوضحون في المقال حتى. يغوص المقال في جذر العلاقة وكيف أن أقوى امرأة في أوروبا، المستشارة أنجيلا ميركل قالت علانية إن «أمن إسرائيل لا يمكن التفاوض عليه أبداً بالنسبة إليّ كمستشارة ألمانية». ورغم هذا الخطاب القوي، فقد انتقده نتنياهو، ذلك أنها قالته باللغة الألمانية، مشيراً إلى أنّها «لغة الجناة».



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 27 / 2184561

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المرصد  متابعة نشاط الموقع انتقاء الموقف   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

4 من الزوار الآن

2184561 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 3


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40