الخميس 14 تشرين الأول (أكتوبر) 2010

عملية القلب المظلم

الخميس 14 تشرين الأول (أكتوبر) 2010

صدر مؤخراً أحدث الكتب التي تتحدث عن الحرب الأمريكية على أفغانستان، وهو كتاب «عملية القلب المظلم» الذي اعتبرت وزارة الدفاع الأمريكية أنه يتضمن معلومات سرية تمس الأمن القومي الأمريكي، فعمدت إلى شراء 10.000 نسخة منه وحرقها لطمس خفايا وأسرار عمليات اختراق حركة طالبان وتنظيم القاعدة في أفغانستان، التي كلف بها العقيد المتقاعد أنتوني شافر «مؤلف الكتاب» وضباط آخرون.

وقد قامت وزارة الدفاع الأمريكية - بالاتفاق مع دار النشر التي أصدرت الكتاب - بطمس أجزاء كثيرة من الكتاب، بشكل أخلّ كثيراً بمضمونه وأفقده جانباً كبيراً من المعلومات وبذلك أصبح كتاباً مبتسراً.

[**أمريكا تواجه فشلاً كارثياً في أفغانستان*]

كان المقدم أنتوني شافر يشرف على العمليات الاستخبارية للجيش الأمريكي لعدة سنوات، قبل أن يصل إلى أفغانستان، وينضم لوحدة سرية تسمي نفسها : «جيدي نايتس» وتضم عناصر تابعة للحكومة الأمريكية، لكنها تعمل خارج حدود النظم والأطر الطبيعية، وتعمل بكل طرق وأساليب التجسس الظلامية لكي تحمي الولايات المتحدة من أعدائها.

ومهمة أنتوني شافر في أفغانستان، لم تكن مثل أي مهة اختبرها سابقاً.

في أفغانستان، قاد شافر فريقاً سرياً يعمل في مقدمة الجيش الأمريكي ويسعى لصد هجمات طالبان، وبالفعل حققت فرقة شافر، بعض النجاحات وتمكنت من تسديد ضربان قوية لمراكز جوهرية في حركة طالبان، ولوهلة حسب شافر أن الولايات المتحدة في طريقها لكسب الحرب، ثم كان أن تغيرت الخطط والسياسات التي تحكم مسار العمليات العسكرية الأمريكية في أفغانستان، وتحولت لاستراتيجيات وخطط عقيمة وبائسة، وأرغم شافر وفريقه على مشاهدة ومتابعة المقاومة الأفغانية وهي تتقدم وتحقق الانتصار تلو الانتصار.

ولم تكن تلك هي المرة الأولى التي يرى فيها شافر، البيروقراطية، وهي تعترض طريق الأمن القومي الأمريكي، فقد سبق له أن شارك في «أبلي دانجر» التي كانت عملية استخباراتية واعدة - كادت تكشف هوية منفذي هجمات 11/9 قبل شروعهم في تنفيذ مخططهم المدوي - أجهضتها البيروقراطية الحكومية الأمريكية.

وفي «عملية القلب المظلم»، يسرد شافر - باعتباره شاهد عيان كان في قلب الأحداث - خبايا وأجواء عمليات الجيش الأمريكي في أفغانستان، وما يصفه بانتصار محقق تحول لإخفاق ذريع.

ويقول شافر إنه وصل إلى أفغانستان في يوليو (تموز) 2003 وأن مهمته كانت الإشراف على عمليات الاستخبارات الدفاعية «دي .آي .إيه» (D .I .A) ويصف مهمة وحدته بأنها حماية الولايات المتحدة بالمكر والخديعة، وأن أحد شعاراتهم المرفوعة كان : «أخف الحقيقية لتحصل على الحقيقة»، وعلى الصعيد العملي كانت أهدافهم تتلخص في :

أولاً : تنظيم عمليات لتدمير القاعدة وطالبان وقياداتهما.

ثانياً : الإشراف على وتدريب الجيش الأفغاني.

ثالثاً : تنظيم عمليات مدنية وإنسانية.

[**الأيام الأولى*]

يقول شافر، إنه وفي بدايات عمله في أفغانستان، أخذ يلتقي بقيادت الجيش الأمريكي، وتعرف إلى الجنرال جون فينس الذي كان قائد قوات التحالف في أفغانستان، ثم التقى بأعضاء الفريق الذي يشاركه في مهماته القتالية، وكانت البداية مع ديفيد كريستنسون، وهو من أرفع ضباط البحرية في الجيش الأمريكي في أفغانستان.

ويقول شافر، إنه أقام في بداية خدمته في أفغانستان في خيمة، مع ثمانية من زملائه، في قاعدة باغرام العسكرية وفي ليلته الأولى، لاحظ شافر أن الإجراءات الأمنية صارمة للغاية، وأن ثمة جداراً عازلاً ضخماً يفصل المعسكر عن قرية باغرام، وعلم من زملائه أن سكان باغرام الذين يصفهم بأنهم كانوا يتضايقون من تواجدهم في مدينتهم، يصنعون قنابل يديوية من مخلفات الحرب السوفييتية، ويرمونها من فوق الجدار، ولذلك كان هو وزملائه حذرين للغاية من الاقتراب من الجدار ولهذا السبب ولأسباب أمنية أخرى كثيرة، كنا - يقول شافر- نحمل أسلحتنا معنا طوال الوقت، «حتى عند النوم أو الاستحمام».

وكنا دائماً نتلقى تعليمات مشددة حول ما يعرف بـ «قواعد الاشتباك» مع الخصم، فإذا كنا على سبيل المثال نقود مركباتنا في طرقات باغرام، ورأينا حادث تصادم سيارات، ينبغي علينا ألا نقف، بل علينا أن نواصل سيرنا بسرعة حتى لو اضطررنا لدهس مشاة (!!) لأن أي عربة متوقفة في الطريق - بسبب حادث أو خلافه - قد تكون بمثابة كمين يهدف لمهاجمتنا.

كنا نقود سياراتنا من دون أحزمة مقاعد، فبهذه الطريقة يمكننا أن نرمي بأنفسنا خارجاً بسرعة، إذا قذف أحدهم قنبلة أو أي متفجرات.

وبالرغم من كوني ضابط استخبارات متمرساً، إلا أنني أدركت جلياً أن أفغانستان ستستهلك كل مقدراتي - الجسدية والعاطفية - على التحمل، وعندما كنت أظن أنني بت على قمة الانهيار بدنياً ومعنوياً، كانت تضغط على أكثر فأكثر.

كنا أحياناً، نشاهد تسجيلات فيديو لعمليات طالبان، وكانت طالبان تروج تسجيلاتها في المدارس الدينية في باكستان لتجنيد الشبان للانضمام لصفوفها، وكانت كذلك تستغل هذه الأشرطة لجمع الأموال والتبرعات من -شريكتها- القاعدة ومن بعض الأثرياء العرب.

وفي اجتماع صباحي ضمني مع الميجور تيد سميث «المسؤول عن وحدة التسجيلات والتوثيق»، أخبرني سميث بأنهم حصلوا على تسجيل حديث وأنه يرغب في عرضه علينا أنا وزملائي، وفي بداية الفيلم الذي كان مصحوباً بترجمة، شاهدنا أفراداً من طالبان في تدريب في باكستان، وكانوا يرددون بعض الأحاديث الدينية، ويقسمون أنهم يبتغون بعملهم مرضاة الله، وأنهم إذا لقوا حتفهم في عملية ما، سيكون مصيرهم الجنة، وأنهم سيريقون دماء الكفرة، ثم ظهر مقطع آخر رأيناهم فيه يتسللون عبر الجبال الشاحبة على الحدود الباكستانية الأفغانية، وكانوا أثناء ذلك يتوقفون أحياناً ويقيمون معسكراً ويطهون الطعام، وكان الراوي يسرد مقاصدهم التي تتمحور حول رغبتهم الأكيدة، وعزمهم على إعادة أفغانستان لقبضة طالبان، وطرد الكفار من بلادهم، وكان غزو قندهار بمثابة الخطوة الأولى نحو استعادة أفغانستان. وكانوا يتحدثون كثيراً عن الملا عمر وعن رغبتهم في إسعاده باسترداد أفغانستان.

وبعد مشاهد مسير أخرى يبدو أنها استمرت عدة أيام، وصلوا لمبتغاهم : مركز شرطة صغير في قرية يبدو من الطبيعة المحيطة أنها قريبة من خوست. وفي الفناء الخارجي لمركز الشرطة كان اثنان من عناصر الشرطة الأفغانية يدخنان السجائر، وفي ذات الوقت أخذ المهاجمون يقتربون، ثم تأكدوا من جاهزية سلاحهم، وأنطلقوا بسرعة نحو مركز الشرطة وأطلقوا وابلاً من النيران عليه، الشرطة بوغتا بالهجوم، أحدهما أسقط لفافة التبغ وقتل فوراً والثاني أصيب وسقط أرضاً، وكان المهاجمون يطلقون النار في كل مكان وهم يصرخون، وظهر الشرطي الثاني وهو يحاول وبصعوبة بالغة الوقوف على قدميه ويتوسل لعناصر طالبان، وحاول إخراج شيء من جيب سترته، إلا أنهم عاجلوه بعدة طلقات في رأسه.

وبعد هذه العملية نفذت طالبان عدة هجمات وعمليات مشابهة، وأجرت تحضيرات واستطلاعات جيدة، استعداداً لشن هجوم واسع لاسترداد قندهار، وكان تكتيكهم هو الهجوم الشامل، وبدأوا ذلك بالسيطرة على مراكز الشرطة لإرباك النظام الإشرافي للدولة.

[**تحت النار*]

ويقول شافر إنه كثيراً ما تعرض لمواقف بالغة الخطورة، أثناء خدمته في أفغانستان، بالرغم من أن طبيعة عمله الاستخباري لم تكن تحتم عملية الدخول في مواجهات مباشرة مع المقاومين الأفغان «الذين ينعتهم بالإرهابيين»، وذكر أنه نجا بإعجوبة من كمين في برغرام، وتعرض لقذائف المورتر مرتين، ونجا من إطلاق نار، على قوافل سيارات كانت تقله مع ضباط آخرين، عشرات المرات - خاصة في الطريق بين كابول وباغرام.

وذكر شافر أن أخطر هجوم تعرض له وقع عندما وضعته القوات الأمريكية في منطقة يفترض أنها آمنة، وبعيدة عن مواجهات كانت تدور بين قوات أمريكية ومقاومة أفغانية بالقرب من باغرام.

وعندما وصل شافر برفقة ضباط الاستخبارات للمنطقة - البعيدة عن المواجهات القتالية التي كانت مستعرة على الجانب الآخر من قرى باغرام - وفجأة، يقول شافر، دوى أزيز رصاص بنادق الكلاشينكوف، وتساءلت مندهشاً عما يجري، إذ يفترض أننا الآن في المنطقة الآمنة، وتجمدت في مكاني محاولاً التفكير في خطوتي التالية، بيد أن أحد الجنود جذبني بشدة، وصرخ بي : «انبطح أرضاً»، فوقعت على ظهري، وشعرت بأن الزمن توقف وأن الحظ الذي أنجاني في المرات السابقة، لن يسعفني هذه المرة، ولم يعد ثمة وقت للتفكير فزحفت نحو قمة التلة التي كنت بجانبها، وكان الرصاص ينهمر علينا من تلة أخرى مقابلة للطريق الذي كنا فيه، وكان رصاص المهاجمين يصطدم بعنف بتراب الربوة التي كنا نحتمي خلفها، ولحسن الحظ بدأت أسمع صوت محركات مروحيات «الشينوك» القتالية، التي كان يبدو أنها تحاول تحديد مكان المهاجمين لقصفهم من دون أن تصيبنا بالخطأ، وأثناء ذلك، تذكرت أنني ما زلت جندياً قادراً على القتال بقوة، بالرغم من كوني لست جزءاً من فرق الهجوم والاشتباك القتالي، ولذلك صرخت بأقرب جندي قتال كان بجواري : «هل تريدني أن أرد وأبادلهم إطلاق النار؟». وأجابني بصوت عال : «نعم بالتأكيد» ثم واصل إطلاق الرصاص باتجاه الهدف.

ولما لم تكن نظارات الرؤية بحوزتي، بدأت أحاول تتبع وميض طلقات بنادق المهاجمين، وأرد عليهم وفي ذات الوقت أتجنب إصابة زملائي، وكان تحديد الاتجاه الذي تنطلق منه النيران علينا، صعباً جداً، وعلى العموم، كنت أتكئ على ركبة واحدة وأغني وأطلق زخة رصاص بمعدل مرة كل خمس ثوان ثم أختبئ، وكنت أشعر بالرصاص وهو يرتطم بتراب التلة التي كانت أمامي .. لقد كان الأمر مثيراً للغاية، واستمر القتال بتلك الطريقة، إلى أن تمكنت قواتنا من تأمين القرية وتحركت باتجاهنا، وبعد ذلك هدأت أصوات الطلقات، وحل محلها صمت مرعب، وبعدها لم أسمع سوى هدير محركات المروحيات، ولاحقاً وبعد أن عدنا إلى قواعدنا، أدركنا أن هوية المهاجمين لم تعرف، إذ لم يتضح - بعد انسحابهم - ما إذا كانوا تابعين لطالبان أم القاعدة، أم مجرد شباب أفغان مسلحين، وتلك كانت إحدى سمات الخدمة في أفغانستان، فالمرء لا يدرك متى سيتعرض لهجوم، وكيف وممن؟

وفي الفصلين الأخيرين من كتابه، يقول شافر، أن الأمريكيين يسيرون في الطريق نفسه الذي أفشل غزاة أفغانستان سابقا، فالبريطانيون أخفقوا مرتين في احتلال أفغانستان وخرجوا منها يجرجرون أذيال الخيبة، وكذلك فعل الروس وقبلهم - في العصور السالفة - حاول الإسكندر الأكبر إخضاع أفغانستان وكان مصيره نفس مصير من حاولوا بعده : «فشل كارثي».

ويقول شافير، علينا أن نهجر سياستنا التي نتبعها حالياً في أفغانستان إذا أردنا أن نحقق نجاحاً، فالتغييرات الصغيرة المستمرة التي نحدثها على نمط عملنا المعتاد في أفغانستان لن تجدي نفعاً.

ويعرض شافر جملة من النصائح والتصويبات التي يراها لازمة للخروج بنصر - في أفغانستان - يقول كثير من الخبراء والمحللين السياسيين والعسكريين إنه يكاد يكون شبه مستحيل.

ويصر شافر - بإمبريالية فجة - على أن تحقيق النصر في أفغانستان، ممكن إذا اتبعت الولايات المتحدة، الخطوات التالية التي تتلخص في الآتي :

1- تأسيس قيادة تمثل كل القوات المتحالفة في أفغانستان .

2- تعيين قائد يتمتع بصفات زعماء تاريخيين ويجمع صفات القائد الإغريقي يوليسيس، وقادة عسكريين وسياسيين أمريكيين أمثال الجنرال غرات ودوايت أيزنهاور.

3- مراقبة وتأمين الحدود الأفغانية .

4- إعادة النظر في رؤيتنا التحليلية وتقييمنا للمقاومة الأفغانية.

5- تتبع مصادر أموال طالبان والقاعدة.

6- تأسيس عملية سلام حقيقية في أفغانستان.

7- معالجة جذور الأسباب والعوامل التي تخلق عدم الاستقرار في الإقليم «الحرب الباردة بين الهند وباكستان».

ثم ينتقل شافر لما يسميه «ثمن الإخفاق في أفغانستان» والذي نوه بأنه سيكون هائلاً، ففي البداية ستفقد الحكومة المركزية في أفغانستان ما تبقى لها من سلطة هشة على البلاد، وسيسقط الجيش، والشرطة كذلك، وسيصبحان عاجزين تماماً عن المحافظة على النظام المدني بأي شكل من الأشكال، وقد لا تتمكن طالبان من السيطرة كلياً على البلاد، لكنها ستكون قوية بما يلزم للإبقاء على أفغانستان كلها في حالة عدم استقرار، وستسمح للقاعدة بتعزيز مركزها في أفغانستان.

ستزداد قوة وجرأة الجهاديين في شمال غرب الباكستان «وادي سوات» وستصبح الحكومة المركزية في باكستان في خطر بالغ، وقد تسود الجيش حالة من الفوضى، وستتدهور الإجراءات الأمنية المحيطة بالترسانة النووية الباكستانية، وقد تقع إحدى الأسلحة النووية في أيدي مجموعة متطرفة.

ويقول شافر إن هذه الاحتمالات قد يراها كثيرون، مبالغاً فيها، وإن هذا السيناريو قد لا يحدث أبداً.

ومع ذلك، لابد من تذكيرهم بأن كثيرين مثلهم كانوا يعتقدون أن شاه إيران لن يسقط أبداً، وأن إيران ستظل حليفة للولايات المتحدة، كما أن التاريخ برهن لنا أنه ومع توافر قيادة قوية وظروف مؤاتية، يمكن للمجموعات المتطرفة أن تنجح في السيطرة على دولة أو دول، ولا يوجد سبب يدعونا لأن نقول إن باكستان محصنة ضد التغيير الراديكالي، خاصة أننا ندرك أن ثمة عناصر راديكالية كانت ولا تزال تعمل بهمة ونشاط في هذا البلد.

- [**المصدر : صحيفة «الخليج» الاماراتية│إعداد وترجمة : محمد إبراهيم فقير*]



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2182600

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع تفاعلية  متابعة نشاط الموقع ريبورتاج   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2182600 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 24


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40