الأربعاء 25 أيار (مايو) 2011

عرض كتاب | في قلب ليبيا القذافي

الأربعاء 25 أيار (مايو) 2011

تكمن الأهمية المبدئية للكتاب في كونه الأول الذي ينشر في فرنسا منذ اندلاع الثورة في ليبيا المعروفة أكثر بشخصية قائدها المصاب بجنون العظمة، على حد قول المؤلف باتريك حايمزاده.

- الكتاب : في قلب ليبيا القذافي.
- المؤلف : باتريك حايمزاده.
- عدد الصفحات : 186.
- الناشر : جان كلود لاتيس - باريس.
- الطبعة : الأولى / 2011.

وتتخذ أهمية الكتاب بعدا أكبر، من خلال تجاوز الكاتب لروح الإثارة المنتظرة، وتناوله هوية البلد تاريخا وجغرافية وسوسيولوجيا وسياسة، والوقوف عند خصوصية التركيبة القبلية التي يقوم عليها النظام الليبي، فضلا عن تحليل شخصية القذافي ومرتكزات حكمه في علاقته بالانتماءات الجهوية.

وكما كان متوقعا، فقد توقف المؤلف عند أسباب اندلاع الثورة التي لم يعد القذافي قائدها بغض النظر عن آفاق تطور الوضع، وتمثل الجانب الهام والأخير من الكتاب في شخصية المؤلف المعرب والضابط السابق في سلاح الطيران والدبلوماسي الذي عمل لعدة سنوات في كل من مصر والعراق واليمن وسلطنة عمان كممثل لفرنسا وللأمم المتحدة، وكمتعاون ومحلل ومفاوض في سياقات تأزمية عديدة كما جاء في الغلاف الخلفي للكتاب.

[**بلد شاب في أرض قديمة*]

انطلق المؤلف في تحديد هوية ليبيا تاريخيا وجغرافيا من فصول «الأرض والرجال» و«دولة فتية على أرض حضارات قديمة»، مؤكدا على خصوصية الطابع الصحراوي الطاغي - 95 % - على مساحة واسعة تبلغ مليون وسبعمائة وخمسين ألف كيلومتر مربع - أكبر من فرنسا بثلاث مرات - الأمر الذي تركها تتبوأ المرتبة الثالثة في أفريقيا بعد السودان(قبل التقسيم) والجزائر من حيث المساحة.

ويعيش في ليبيا -التي يبلغ عدد سكانها حوالي سبعة ملايين نسمة- قرابة مليوني مهاجر ويتكون سكانها من 95% من العرب و5% من البربر، وتتميز بتجانس إثني ولغوي نتيجة تشابه وتقارب اللهجات العربية المنتشرة في ربوع البلد الشاسع.

ليبيا المكونة من شقيها الغربي والشرقي شكلت همزة وصل بين المشرق والمغرب وفضاءات ثقافية مختلفة نتيجة تنوع التاريخ الحضاري العريق الذي مثله الفينيقيون في الغرب - 700 قبل الميلاد - والإغريق في الشرق -640 قبل الميلاد- والرومان والوندال والبيزنطيون.

وبقيت ليبيا الحضارية -التي انقسمت إلى شق شرقي إغريقي وآخر غربي لاتيني لقرون طويلة- موطن نزاعات وحروب حسمت سلميا في الربع الأول من القرن الرابع بتنظيم مسابقة للعدو عرفت تاريخيا بمسابقة الأخوين فيلان اللذين تسابقا مع آخرين إغريقيين وصلا رأس لانوف في وقت واحد.

وواصل الكاتب رحلته مع تاريخ ليبيا عند منعرج الحرب العالمية الثانية التي شهدت دخول القوات الألمانية والإيطالية أرض المقاوم الخرافي والبطل عمر المختار، وخلافا للجهة الغربية التي تقع فيها طرابلس اليوم، فإن القبائل هي التي شكلت المقاومة ضد الاحتلال في الجهة الشرقية التي انطلقت منها الثورة ضد نظام القذافي.

وأنهى الكاتب إطلالته على تاريخ ليبيا القديم والحديث، بتوقفه عند الحكم الملكي الذي عرفته ليبيا من عام 1951 حتى غاية عام 1969 ومرحلة اكتشاف النفط وانقلاب الفاتح من سبتمبر/أيلول الذي أوصل القذافي إلى سدة الحكم.

[**مرتكزات حكم وشخصية الدكتاتور*]

شرع الكاتب انطلاقا من الفصل الثالث في تناول شخصية القذافي كدكتاتور وقائد لثورة مزعومة وحكم يقوم على سلطة تستند نظريا على «أيديولوجية» تشكل مزيجا من القومية العربية والإسلامية المعادية للإمبريالية وعلى ما أسماها بالاشتراكية القرآنية.

وبلور القذافي كل العناصر الأيديولوجية المذكورة من خلال نظريته الثالثة في كتابه الأخضر الذي أحرقته جماهير الثورة المستمرة، والقذافي ليس مجنونا كما تصوره وسائل الإعلام الغربية حسب الكاتب، وهو يتمتع بذكاء سياسي حاد وبمعرفة دقيقة لبني شعبه الاجتماعية والذهنية على حد قوله فضلا عن تميزه بروح براغماتية وظفها أكثر من مرة لتجاوز عدة تحديات داخلية وخارجية.

وطبق القذافي القناعة التي تثبت حسن قراءته للمجتمع الليبي عام 1973 في خطاب الزويرة الذي دعا فيه إلى «أيديولوجية حكم الجماهير» المعادية في نظره إلى سلطة مركزية قوية.

القذافي ممثل ماهر أيضا وكثيرا ما موه وناور بشكل لافت، وحدث أن وبخ بعض وزرائه في مدينة سبها واتخذ قرار معاقبتهم أمام مواطنة عادية اشتكت من انتشار الرشوة، والقذافي الذي لعب دور القائد الشفاف والغيور على شعبه أمام المرأة الساذجة هو نفسه الذي جدد ثقته بالوزراء الذين هددهم بالعقاب في مشهد تراجيكوميدي وسريالي في الوقت نفسه.

[**ثورة.. قمع.. ونفط*]

مضى الكاتب في تشريح قلب وقالب حكم القذافي في الفصول اللاحقة -الرابع والخامس - فكتب يقول إنه لم يتردد في قمع وتصفية من أسماهم بالمرضى من الشيوعيين والإسلاميين والجهويين المعارضين للوحدة العربية في إطار ثورة ثقافية تحقق تعريبا شاملا وتكوينا عقائديا يجد طريقه نحو التطبيق اعتمادا على الكتاب الأخضر.

ونفذ القذافي تصوره للحكم الجماهيري اعتبارا من عام 1969 تاريخ تسلمه الحكم إثر انقلاب مرتكزا على محاور أيديولوجية المزج بين العناصر السالفة الذكر، ومعززا مسيرة ثورته بروح وطنية أدت إلى غلق القواعد الأميركية والبريطانية ومحاربة الإمبريالية الغربية خارجيا، وإطلاق مجموعة من المشاريع الإصلاحية داخليا بفضل الثروة النفطية مثل رفع الأجور وضمان السكن المجاني وتعميم التعريب ودعم التعليم، الأمر الذي مكنه من نيل ثقة الجماهير وتهميش المعارضين من التكنوقراطيين غير الموافقين على السياسة الشعبوية.

تفسير بقاء القذافي لمدة طويلة في الحكم، كان نقطة هامة توقف عندها الكاتب. وفي هذا الشأن قال إن القمع والترهيب والضغط تشكل تفسيرا جزئيا للظاهرة، ولفهمها بصفة شمولية يجب إضافة عناصر الاعتماد على البنى الاجتماعية التقليدية والمنظمات الظرفية لشراء الذمم بفضل الثروة النفطية فضلا عن بيداغوجية وحساسية تطبيق المرجعيات الثقافية المتطابقة مع القيم الطاغية في المجتمع الليبي .

[**الكتائب حماة النظام*]

كتائب القذافي التي تقمع الثوار منذ السابع عشر من فبراير/شباط الماضي تشكل -في تقدير الدبلوماسي الذي يعرف ليبيا تاريخا وحكما- العصب الأساسي لنظام القمع والتنكيل ولا أدل على ذلك استماتتها في حماية نظام القذافي بوحشية استثنائية.

في غياب الجيش بمفهومه الحديث، لا يعتمد القذافي على فيالق الأمن أو الكتائب فحسب بل يحمي نظامه بجهاز عسكري وأمني متكامل لقمع أي تمرد، وخلافا للضباط الذين انضموا للثورة بحكم انتمائهم للجهة الشرقية التي انطلقت منها الشرارة الأولى، فإن الوحدات العسكرية والأمنية الوفية للقذافي كلها تنتمي لطرابلس وبنغازي وسرت وسبها والمدن الأخرى الواقعة في الجهة الغربية المسيطرة على الحكم وتتكون أساسا من قبائل القذاذفة والمقارحة الذين يتمتعون بامتيازات غير محدودة على كافة الأصعدة.

القذافي الذي قام بانقلاب عسكري عام 1969، هو نفسه الذي همش الجيش منذ استلامه الحكم خشية الوقوع ضحية ما قام به، وأسس ما أسماه بالشعب المسلح على الطريقة السويسرية، ويتشكل الشعب المسلح من المناوبة الشعبية والجيوش التقنية المتمثلة في القوات البحرية والبرية والجوية، وحسب الكاتب، فإن جل الضباط الذين يتقاضون أجورا زهيدة يعملون في البزنس بكافة أشكاله.

[**مدن .. مافيا.. وثراء فاحش*]

في الفصلين الأخيرين –السادس والسابع– بين الكاتب كيف تتوزع سلطة وثروة المافيا العائلية في كل مدن الجهة الغربية مثل طرابلس مدينة كل الطموحات أو دبي ليبيا التي تنتشر فيها سيارات البورش والبي إم دبليو الفارهة وتسكت فيها الشرطة على مخالفات أبناء العائلات القذافية الحاكمة فضلا عن مدينة الزوارة الواقعة غرب طرابلس والمعروفة بنشاطاتها التجارية الكبيرة وسبها التي تعد بؤرة الحكم القذافي بامتياز.

هذه المدينة الأخيرة التي توقف عندها الكاتب بشكل خاص، تكتسي أهمية حيوية ومصيرية في نظام القذافي سياسيا وأمنيا بسبب موقعها الحدودي جنوبا وقاعدتها العسكرية المتواجدة في قلب صحراء قاحلة تعيش فيها قبائل التبو التي تحتكر تجارة الحدود مقابل ضمانها للأمن والولاء.

وتعد سبها هامة سياسيا لاستمرار نظام القذافي نتيجة العائدات المالية الضخمة المتأتية من التجارة العابرة للحدود التي يحتكرها قذاذفة ومقارحة سبها الذين يعيشون في قصور فخمة بحيي المنشية والمهدية ناهيك عن قربها لطرابلس التي تبعد عنها بحوالي سبعمائة كيلومتر فقط واعتبارها المدينة الرابعة بعد طرابلس وبنغازي ومصراتة.

وتعتبر سبها عاصمة الفزان هامة جدا أيضا بحكم موقعها الذي يجعل منها مركزا محوريا تدور حوله تجارة طرق القاترون جنوبا وطرابلس شمالا والغط والجزائر غربا وصحراء الجفرة شرقا ناهيك عن المكانة التي يحتلها الطوارق بحكم سيطرتهم على ريع السياحة الصحراوية في المنطقة.

[**التهميش وأسباب التمرد*]

كما كان منهجيا، أنهى الكاتب رحلته الشيقة عبر نظام القذافي بأسباب التمرد وليس الثورة على حد تعبيره، فكتب يقول إنه ليس من قبيل المصادفة أن انطلقت الاحتجاجات في الجهة الشرقية التي كان ينتمي إليها الملك إدريس الأول وهي الجهة التي همشها القذافي بعد وصوله إلى الحكم عام 1969.

في البداية ودون انتظار نقل القذافي عاصمة ليبيا إلى طرابلس بعد أن كانت في بنغازي كمؤشر رمزي وحقيقي على انتقال الثقل السياسي من الجهة الشرقية إلى الجهة الغربية وتسبب هذا التغيير في مواجهة عسكرية مع الرافضين لهذا النقل من قبائل الجهة الشرقية التي بقيت موالية ووفية للملك إدريس الأول.

مع مرور الأعوام بدأ الشرخ يتعمق بين الجهتين وأصبحت مقاليد الحكم في أيدي المتنفذين من أتباع القذافي في طرابلس والفزان على حساب أبناء الجهة الشرقية الذين عينوا في مناصب تكنوقراطية رمزية لا تؤثر في صلب توجه الحكم القذافي.

قبائل الجهة الغربية المتمثلة في القذاذفة والمقارحة والورافلة التي أصبحت سيدة الموقف هي التي انفردت بالحكم بقيادة العقيد المتبجح بسلطة الشعب، واستفادت من ريع النفط المتدفق في الوقت الذي دخلت فيه قبائل الجهة الشرقية عهد تهميش غير مسبوق أكده تدهور الأحوال المعيشية على كافة المستويات، ولا أدل على صحة ذلك تحول بنغازي المدينة الثانية بعد طرابلس إلى حقل خراب وتقهقر مستوى معيشة أهل درنة الذين قمعوا عام 1996.

في نهاية التسعينيات، أصبح الحديث عن مافيا عائلية مكونة من أبناء القذافي أمرا واقعا وتجرأ البعض خفية على مقارنة حكم سيف الإسلام وسعدي بعدي وقصي قبل سقوط نظام الرئيس صدام في العراق. الثورة التي تعصف اليوم بعرش القذافي مستمرة والقذافي لم يعد قائدها، على حد تعبير الكاتب.

- ** المصدر : الجزيرة نت



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 20 / 2182944

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع ثقافة وفن  متابعة نشاط الموقع خبر  متابعة نشاط الموقع إصدارات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

23 من الزوار الآن

2182944 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40