الجمعة 2 تموز (يوليو) 2010

وفد عباس إلى غزة يشبه تكتيك ركوب الموجة.. أجواء المصالحة ما بعد سفن «أسطول الحرية»

دمشق/ علاء سالم
الجمعة 2 تموز (يوليو) 2010

تركت التفاعلات الحية المباشرة التي أحدثتها حركة التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني المحاصر في قطاع غزة، وقائعها المباشرة على مسار المصالحة الفلسطينية / الفلسطينية المنشودة، وعلى الجهود المبذولة من قبل مختلفة الأطراف والهادفة للوصول إلى برّها. فقد علت الأصوات المنادية بضرورة ردم الهوة وإغلاقها في الساحة الفلسطينية بعد أن سالت دماء الأصدقاء من الشعب التركي ومن المتضامنين الأممين فوق ظهر السفينة «مرمرة» أثناء إبحارهم في عملية التحدي لكسر الحصار الصهيوني الجائر على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، معتبرة أن الرد المنطقي والطبيعي على الهجوم الصهيوني على أسطول الحرية يكون بالسعي الجدي لتحقيق المصالحة الفلسطينية واستعادة الوحدة الوطنية.

تكتيك ركوب الموجة

ومع هذا، فإن التفاعلات الفلسطينية الداخلية راوحت عند حدود الاستخدام الإعلامي من قبل سلطة رام الله للحدث، فالشكوك ما زالت تساور الجميع من دعوات سلطة رام الله للمصالحة بعيد الاعتداء الصهيوني على أسطول الحرية، فقد عملت سلطة رام الله على تقديم خطاب إعلامي وحدوي لا سند له على أرض الواقع، في محاولة واضحة لاستغلال الحدث لتسويق خطابها السياسي والإعلامي بصدد المصالحة وقضايا الخلاف في الساحة الفلسطينية.

فقد بان أن هجوم محمود عباس باتجاه حركة حماس لا يخرج عن نطاق المناورة السياسية التكتيكية المزدوجة الهدف. فهدفها الأول: ركوب الموجة الجماهيرية التي حركها العدوان الإسرائيلي على سفن «أسطول الحرية» لغزة، ومحاولة إعطاء انطباعات ايجابية عن سياساته ومواقفه، للرأي العام الفلسطيني والعربي والإسلامي. وهدفها الثاني: إعادة تسديد كرة إلى مرمى حركة حماس عبر تحميلها مجدداً المسؤولية عن عرقلة إتمام المصالحة، ما دام محمود عباس يشترط، وحركة حماس ترفض ذلك كما هو معروف في التوقيع على الورقة المصرية على حالها الراهن. فعباس يريد من هذه الشروط أن يحمّل حماس المسؤولية عن عرقلة المصالحة مجدداً، ولكن من موقعه السياسي الجديد المتماهي مع الموجة الجماهيرية في هذه المرة..!

وبالطبع، فإن للشكوك ما يبررها على ضوء ثلاثة أمور: أولها ثبات مواقف سلطة رام الله عند حدودها المعروفة، من خلال مطالبة حركة حماس بالتوقيع على الورقة المصرية كما هي دون أي تعديل أو تطوير أو تغيير. وثانيها استمرار وتواصل الاعتقالات في صفوف حركة حماس وقوى المقاومة بالضفة الغربية دون انقطاع حتى اللحظة. وثالثها أن الوفود كافة التي زارت قطاع غزة لا تحمل إلا رسالة واحدة، وهي «وقّعوا على الورقة المصرية»، ومن بين تلك الوفود ما جاء به وحمله السيد منيب المصري في زياراته، التي تكررت إلى قطاع غزة مؤخراً، حيث عملت بعض مصادر سلطة رام الله وحركة فتح على تزوير الوقائع، والادعاء أن حركة حماس رفضت زيارة الوفد المنوي تشكيله فصائلياً في رام الله لزيارة قطاع غزة، ولقاء قيادات حركة حماس. وزاد في ذلك عزام الأحمد بقوله إن حركة حماس رفضت زيارة الوفد! وادعى بأنه تم تأجيل عقد لقاء بين الحركتين في أنقرة، وأنه شخصياً رفض زيارة عباس لقطاع غزة، إلا في حالة ذهابه لتسلم القطاع «من سلطة حركة حماس، واستعادته إلى الشرعية الفلسطينية». فهذه التصريحات غير المسؤولة، والتي لا تخدم مساعي استعادة الوحدة الوطنية، صدرت عن مساعدي محمود عباس، وأشارت إلى أن شرط المصالحة هو توقيع حركة حماس على الورقة المصرية.

عدا عن ذلك، فان سلطة رام الله الخاضعة تحت سيف الإملاءات الأمريكية الصهيونية، ما زالت ترى بدورها أيضاً أن تحقيق المصالحة يستوجب من حركة حماس القبول بشروط الرباعية الدولية المعروفة، وهو أمر ترى فيه حركة حماس نفياً لبرنامجها وللبرنامج الوطني الفلسطيني عموماً.

وبرغم ذلك، فقد قدمت حركة حماس أفكاراً ومقترحات جدية ونقاطاً محددة لتجاوز النقاط الخلافية في الورقة المصرية، وقد سمعها الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى في قطاع غزة من رئيس الحكومة الفلسطينية إسماعيل هنية، ونقلها للقاهرة ولحركة فتح، وأطلع عليها محمود عباس.

إضافة لذلك، فإن الإدارة الأمريكية التي أبدت انزعاجها الشديد من صرخات ودعوات الوحدة الوطنية الفلسطينية، ومن تحمس بعض العرب لإنجازها، خصوصاً بعد زيارة الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى إلى قطاع غزة، لا تريد أصلاً للمصالحة أن ترى النور «لإتاحة الفرصة للجانب الإسرائيلي للانفراد بمفاوض ضعيف في المفاوضات غير المباشرة» على الأقل.

ومن هنا ما زالت واشنطن تضع العراقيل التي تحول دون تحقيق المصالحة، وما زالت تروج لمقولتها المعروفة بأن قبول رفع الحصار كلياً عن قطاع غزة، والتعاطي مع حركة حماس، يستوجب منها «الاعتراف بشروط الرباعية الدولية»، التي تتضمن الاعتراف بـ(إسرائيل)، ونبذ المقاومة بوصفها إرهاباً، والالتزام بالاتفاقيات الموقعة بين (إسرائيل) وسلطة رام الله.

حكاية وفد رام الله

بالنسبة لحكاية الوفد الفلسطيني الذي تمّ تشكيله في رام الله لزيارة قطاع غزة، وهي حكاية اعتراها الجدل واللغط الإعلامي المقصود، فقد بولغ بها، وتم تصوير الأمور وكأن الوفد (ومع التقدير والاحترام لرئيسه وأعضائه ودوره وجهوده المبذولة) سيحمل معه البلسم الشافي الكلي لأزمة الانقسام الفلسطيني الداخلي. وتم تحميل الوفد ما لا يحتمل. فما هي حكاية الوفد الفصائلي إلى قطاع غزة؟

لقد تشكل وفد رام الله إلى قطاع غزة برئاسة منيب المصري وكلٍّ من (فدوى البرغوثي، محمد إشتيه، عبد الرحيم ملوح، حنا ناصر، مصطفى البرغوثي، غسان الشكعة، هاني المصري، قيس عبد الكريم السامرائي، ناصر الشاعر، حنان عشراوي)، والذي أقرت تشكيله اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير باقتراح مباشر قدّمه بعض أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح من الذين حضروا اجتماع اللجنة التنفيذية، حيث يلاحظ بأن غالبية أعضائه من المنضوين في مسار وسياسات سلطة رام الله، ومن الفصائل السائرة في فلكها، باستثناء نسبي لكل من عبد الرحيم ملوح ممثل الجبهة الشعبية في اللجنة التنفيذية، ومصطفى البرغوثي رئيس المبادرة الوطنية المنشقة عن حزب الشعب الفلسطيني (الشيوعي سابقاً). وهنا يخطئ من يعتقد أن جميع القوى في رام الله في سلة واحدة، فهذا أمر يجافي الحقيقة والمنطق. فهناك أطراف وفصائل وأجنحة، ما زالت على التزامها الوطني، وتجتاحها رغبة حقيقية في استعادة الوحدة واستئناف الحوار، على أن صوتها والحق يقال، هو صوت الأقلية في المقاطعة، حيث اليد العليا لأنصار «المفاوضات حياة» وأصحاب خطاب «القطع والقطيعة» مع حركة حماس، الذين راهنوا كما كشف نبيل شعث نفسه، على الحصار الإسرائيلي وسيلة لحسم الخلاف مع حماس وأداة للإطاحة بحكومتها.

وعليه، إن تكليف وفد منيب المصري، ومع كل الاحترام والتقدير لشخص منيب المصري، يحمل دلالة على عدم الجدية. فالسيد منيب المصري الذي بذل جهوداً مقدرة لاستئناف الحوار واستعادة الوحدة، يأتي من خارج أطر الفصائل والمنظمة وحتى السلطة في رام الله، وليس لديه أي تفويض أو أية صفة تجعله الشخص الأنسب لقيادة وفد بهذا المستوى. وبالتالي فإن الوفد الفصائلي المقترح إرساله إلى غزة برئاسة المصري، لم يكن مخولاً بإجراء حوارات أو التمهيد لتسويات أو العمل لتذليل العقبات، رغم مكانته الرفيعة شكلاً، وعظمة المهمة الموكلة إليه مضموناً، لا تفويض شفهياً أو خطياً من هذا النوع، الأمر الكفيل بتحويل الوفد، أي وفد، إلى «جاهة» أو «عراضة» ستذهب إلى غزة لالتقاط الصور التذكارية لأعضائها مع أركان حكومة هنية وممثلي الفروع الغزية للفصائل ذاتها، وتتصدر واجهات الأخبار وتعود إلى «قواعدها سالمة».

أما حين يتعلق الأمر بمضمون مهمة الوفد، وهذا هو الجزء الأهم من المسألة برمتها، فإنه لا يدعو للتفاؤل، فقد أجمعت العديد من المصادر المتابعة، بأن الوفد كان مكلفاً بالطلب إلى حركة حماس توقيع الورقة المصرية، كما هي من دون زيادة أو نقصان، وهو الأمر الذي رفضته حماس وهي في أصعب ظروف وأقساها، ودفعت ثمن رفضها من كيس علاقاتها مع مصر وحلفائها، فلماذا الافتراض بأنها ستقبل به الآن، ولماذا الافتراض بأن حماس كان يمكن أن تقبل بـ«بيع» هذا الموقف إن جاز التعبير، لوفد فلسطيني غير مفوض، علماً بأنها قادرة في أي وقت على «بيعه» للرئيس مبارك أو رجب طيب أردوغان أو الملك عبد الله بن عبد العزيز أو الرئيس الروسي ميدفيدف!

فحركة حماس، ومع احترامها الشديد لدور وشخص الأستاذ منيب المصري، كانت تتمنى أن يكون الوفد برئاسة رجل في موقع القرار والمسؤولية من حركة فتح، ويحمل التخويل الذي يمكّنه من وضع خطوط التوافق الفلسطيني على أرض الواقع، وإعطاء الوفد صيغته الجدية. فلماذا لم يكن الوفد برئاسة أحمد قريع (أبو العلاء) أو محمد راتب غنيم (أبو ماهر) على سبيل المثال.

من هنا، فإن حركة حماس التي كانت ومازالت ترى ضرورة أن يتصدر العمل من أجل إنجاز المصالحة الفلسطينية سلّم الأولويات لدى جميع القوى والفصائل والشخصيات والمؤسسات، من أجل تقوية الموقف الوطني في مواجهة سياسات الاحتلال الإسرائيلي، أبلغت ترحيبها بالوفد المنوي وصوله إلى غزة برئاسة منيب المصري، لإجراء محادثات معها للبحث في مسألة المصالحة الوطنية، في الوقت الذي يعمل فيه وعلى السكة نفسها وفد آخر من الشخصيات المستقلة في قطاع غزة برئاسة ياسر الوادية والنائب جمال الخضري رئيس اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار.

مع هذا وذاك

ومع كل هذا وذاك، إن ملف المصالحة الفلسطينية بات يمر الآن (قياساً بالمرحلة الماضية) بمنعطف إيجابي شيئاً ما، حيث تشير العديد من المصادر بأن القاهرة تلقت دعماً عربياً وصف بـ«القوي» لتحريك الجمود في ملف المصالحة الفلسطينية المتعثرة. ومنها جاءت المبادرة المصرية بفتح معبر رفح الحدودي في خطوة إيجابية ولتقريب وجهات النظر مع حركة حماس والوصول إلي صيغة توافقية في ملف المصالحة وكافة الأمور العالقة التي تتعلق بالحصار الإسرائيلي وملف الأسير الصهيوني جلعاد شاليت لدى المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة. فيما أفادت المصادر ذاتها أن القاهرة باتت تقبل من ناحية مبدئية الاقتراح الذي قدمته مجموعة من الشخصيات الفلسطينية المستقلة، وينص على أن تقوم حركة حماس بالتوقيع على الورقة المصرية، على أن يتم إرفاق كل ملاحظاتها على الورقة في وثيقة مستقلة لتصبح جزءاً من الاتفاق.

أخيراً، على كل الحريصين على وحدة الصف الفلسطيني التحرك من أجل إعلاء صوت الوحدة الوطنية قولاً وعملاً، والتوحد في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وعدم إعطائه أي عذر لمواصلة اعتداءاته وجرائمه.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 5 / 2182902

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع تفاعلية  متابعة نشاط الموقع ريبورتاج   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2182902 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40