بينما تفتقر الاقتصادات العربية حاليا في أغلبيتها إلى نسق مشترك في مواجهة التحديات الخطيرة التي تتعرض لها، أقول بينما تعاني هذا الافتقار، تظل في ذات الوقت ضمن مشتركات من الهموم الكبيرة المتعلقة بوجود عدد من التحديات التي تفرض عليها توجهات تضامنية لمواجهة هذا الواقع المرير بحكم الوعاء الإقليمي الذي يجمعها، وتشابه المشاكل والتطلعات التي يمكن أن تخدم قضايا التنمية القومية، ولعل من أكثر المظاهر وضوحًا في هذا الجانب هيمنة ظاهرة العجز في أغلب ميزانياتها العامة.
لقد اشتد هذا العجز خلال السنة الحالية بعد التراجع الكبير في أسعار النفط وما حتم على بعض الدول النفطية البحث عن قروض، وإيجاد مكونات ائتمان تعوض هذا التراجع، في حين أن دولًا عربية أخرى تعاني عجزًا مماثلًا نتيجة إخفاقات في المنافسة التجارية.
ومن المشتركات الأخرى في الاقتصادات العربية خلال عام 2015 ما يكمن في معدلات النمو المتقاربة من حيث تواضع هذه المعدلات، الأمر الذي يعكس وحدة التحديات التي تعاني منها، ولكن رغم ذلك لم تمتلك الدول العربية حتى الآن، ما يحثها على أن تلتقي لمعالجة أوضاعها التنموية، سواء أكان الأمر خلال اللقاءات التي تجمع المسؤولين العرب على طاولة المشاكل الاقتصادية العربية أو التي تجمعهم على طاولات المجتمع الدولي، وقد تبين ذلك بشكل واضح في مؤتمر دافوس وفي المؤتمرات الخاصة بمعالجة المشاكل التي تناقشها منظمة التجارة العالمية، بل إن الوضع انعكس حتى في مؤتمر قمة المناخ التي انعقدت في باريس خلال الأسبوع الماضي.
وطبقًا لتحليلات على درجة من الدقة أن أحد إحباطات الاقتصادات العربية وقوع بعضها ضمن دائرة الاعتقاد أن فرصتها هي خارج المجموعة العربية، بالرغم من عوامل عديدة تدعو إلى ضرورة أن تكون هناك خريطة طريق لصياغة منظومة علاقات من شأنها أن تنتزع هذه الاقتصادات من حالة التشرذم الذي تعاني منه، مع العلم أن العالم قد اتجه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية إلى إقامة تكتلات إقليمية وقارية، بل وعابرة للقارات لدعم الأسس المشتركة بين دول تجمعها مشاكل وتطلعات متشابهة.
لقد نشأت السوق الأوروبية المشتركة في عقد الخمسينيات من القرن الماضي على هذا الأساس، وتحولت بعد ذلك إلى ما يعرف الآن بالاتحاد الأوروبي، ونشأ تحالف النافتا الذي يضم كندا والولايات المتحدة والمكسيك بذات الاتجاه، كما نشأت منظمة دول آسيان ومجموعة شنغهاي، وكذلك مجموعة دول البريكس، ومجموعة دول غرب إفريقيا، وما جرى أيضًا بين دول أميركا الجنوبية، يؤكد الحاجة إلى تلك التكتلات، في حين عانى العرب وما زالوا يعانون من أسباب الافتراق الاقتصادي بينهم على الرغم من وجود عناوين مؤسسية تابعه لجامعة الدول العربية تنص على ضرورة التضامن؛ ولذلك سيظل أغلب الدول العربية على ما هو عليه من تراجع وتذبذب ونقص في أصول التنمية، إن لم يقع الأسوأ من ذلك، إذا بقيت هذه الاقتصادات متباعدة بينها.
وهكذا، إذا كانت خواتيم عام 2015 قد كشفت عن قائمة من تلك النواقص فلا مجال لهذه الاقتصادات أن تنتصر على التحديات التي تواجهها خلال عام القادم 2016 ما لم يلتقِ المسؤولون العرب على طاولة يناقشون فيها من الذي يمكن لهم أن يفعلوه بصورة مشتركة لحماية اقتصاداتهم. إنه استدراك جوهري يجب أن يشغل النخب السياسية والاقتصادية العربية، وإلا فإننا سنرث للعام القادم إضافات (نوعية) تديم حالة التراجع الذي تعاني منه.
الجمعة 18 كانون الأول (ديسمبر) 2015
من خواتيم عام 2015 عربيا
بقلم: عادل سعد
الجمعة 18 كانون الأول (ديسمبر) 2015
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
3 /
2182364
ar في هذا العدد وجهات العدد ? | OPML ?
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
19 من الزوار الآن
2182364 مشتركو الموقف شكراVisiteurs connectés : 25