الأربعاء 29 أيلول (سبتمبر) 2010

أخطأت «السلطة».. ولم تصب «حماس»

الأربعاء 29 أيلول (سبتمبر) 2010 par عبدالباري عطوان

الصمت المريب الذي نراه حالياً تجاه مهزلة المفاوضات «الفلسطينية ـ الإسرائيلية» المباشرة، وما يدور حولها من اختزال للحقوق الفلسطينية في مسألة تجميد الإستيطان، امر يبعث على الغثيان.

فمن المؤسف ان رد الفعل الفلسطيني، سواء ذلك المتعلق بـ «السلطة» و«رئيسها» محمود عبّاس في رام الله، او بحركة «حماس» وبعض الفصائل الفلسطينية الأخرى، مخيب للآمال، ولا يرتقي الى مستوى الأخطار التي يمكن ان تستهدف عصب القضية الفلسطينية.

«الرئيس» محمود عبّاس الذي اقسم بأغلظ الأيمان بأنه لن يستمر في المفاوضات يوماً واحداً اذا استمرت الحكومة «الإسرائيلية» في مخططاتها الإستيطانية بعد السادس والعشرين من الشهر الحالي (يوم الأحد الماضي) فإنه سينسحب منها، ما زال يتفاوض وينتظر غطاء عربياً للإستمرار في التفاوض في ظل الإستيطان مثلما فعلت «سلطته»، وبإشرافه شخصياً، منذ توقيع اتفاقات اوسلو قبل سبعة عشر عاماً الذي كان مهندسها.

الأصل ان يستمر «الرئيس» عبّاس في المفاوضات والإستثناء هو الإنسحاب، نقول هذا من تجارب سابقة، وحتى لو انسحب فسيكون انسحاباً شكلياً قصير الأمد، فالجميع داخل «سلطته» يرددون هذه الأيام نغمة «انعدام البدائل»، و«عدم تكافؤ القوى» و«غياب الدعم العربي» و«الإنحياز الأمريكي لـ «إسرائيل»»، وهذه ليست لغة من يبحث عن البدائل او حتى يفكر فيها، بل هي لغة من يريد الإستمرار في المفاوضات الى الأبد. ألم يقل «الرئيس» عبّاس ان الإنتفاضة المسلحة دمرت الفلسطينيين ولا يمكن العودة اليها بأي حال من الأحوال، ونسي ان شمعون بيريس رئيس «إسرائيل» كان يتوسل الفلسطينيين اثناءها وقف «الجنازات» لمدة اسبوعين حتى يتسنى له تطبيق «خريطة الطريق»؟ ألم تدمر هذه الإنتفاضة الإقتصاد «الإسرائيلي» وصناعة السياحة احد اعمدته الرئيسية؟، ألم تخفض معدلات النمو الى اقل من نصف في المئة سنوياً بعد ان كانت اكثر من سبعة في المئة؟، ألم تخلق حالة من الرعب والهلع وعدم الأمان بالنسبة الى معظم «الإسرائيليين»؟

لا نستغرب مواقف «سلطة» رام الله فقد تعودنا عليها ولكننا نستغرب «صمت» حركة «حماس» وقيادتها على المفاوضات المباشرة، وحتى لو كانت هناك اصوات معارضة فهي خافتة للأسف. وليقل لنا قادة «حماس» في دمشق عن الحكمة في استقبال وفد من «السلطة» في دمشق بالأحضان والإبتسامات لبحث المصالحة الفلسطينية، واطلاق تصريحات بازالة معظم العقبات من طريقها، بحيث بات التوقيع على ورقة الإتفاق المصرية وشيكاً.

فاذا كانت الحركة ضد المفاوضات المباشرة، ونهج «السلطة»، وتشكك في شرعية تمثيلها للشعب الفلسطيني والتفاوض باسمه، وهي محقة في ذلك، فلماذا تستقبل وفدها في هذا التوقيت بالذات، وتبحث معه المصالحة، وتضفي الشرعية على «السلطة» التي يمثلها.

نحن مع المصالحة الفلسطينية، ومع وضع حد للإنقسامات على الساحة الفلسطينية بأسرع وقت ممكن، ورص الصفوف في خدمة الأهداف السامية للشعب الفلسطيني والأمتين الإسلامية والعربية، ولكن نريد ان نعرف على أي ارضية ستقوم هذه المصالحة... على ارضية المقاومة أم ارضية المفاوضات، وهل سمعت حركة «حماس» من الوفد الزائر رغبة في المصالحة على ارضيتها... وهل نرى استئنافاً للمقاومة بأشكالها المتعددة من الطرفين «حماس» و«فتح» في الأيام المقبلة؟ نأمل ذلك، وان كنا نشك في امكانية حدوثه.

المفاوضات الحالية مباشرة او غير مباشرة، في ظل استمرار الإستيطان او تجميده، هي خدعة لكسر الحصار عن «إسرائيل»، وتسهيل خطواتها لتبييض وجهها الذي تلطخ بدماء شهداء قوافل الحرية والحرب الأخيرة الدموية على قطاع غزة.

الإدارة الأمريكية تبذل جهود اللحظة الأخيرة لإنقاذ اكثر من «ماء وجه» بحثاً عن صيغة لإبقاء المفاوضات مستمرة، انقاذ ماء وجهها، وماء وجه «السلطة»، وماء وجوه وزراء خارجية عرب، او ما تبقى منها. فقد اتصلت بالمعنيين في لجنة «مبادرة السلام» من العرب طالبة او ضاغطة لتشجيع «الرئيس» عبّاس على البقاء في المفاوضات، واوفدت مبعوثها السناتور ميتشيل الى كل من القدس المحتلة ورام الله لإلهاء المنطقة بجهوده واطلاق بالونات أمل، والحيلولة دون فراغ يمكن ان يؤدي الى تسلل بعض التطرف الى «السلطة» ورئيسها.

فرص نجاح الإدارة الأمريكية في نحت صيغة مضللة تبدو كبيرة بالقياس الى تجارب سابقة، فإملاءاتها تقابل دائماً بالطاعة من العرب و«السلطة»، فقد طلبت مفاوضات غير مباشرة وكان لها ما ارادت، واعلنت الإنتقال الى المباشرة دون تحقق أي تقدم في الأولى، وفي حضور نتنياهو، ولم يعترض الوزراء العرب، بل هرعوا لعقد لقاء في الجامعة للبصم على هذا الطلب، و«تحليل» هذه المفاوضات وبذل السيد عمرو موسى امين الجامعة جهوداً خارقة في تسويق هذا التراجع ببلاغته اللغوية.

لم يطالب احد «الرئيس» عبّاس بأن يقسم على المصحف الشريف بانه «لن» يذهب الى المفاوضات المباشرة طالما لم يتم تحقيق تقدم في غير المباشرة، ولم تطالبه أي مؤسسة وطنية فلسطينية بأن يصدر «لن» أخرى مشددة بعدم الإستمرار في المفاوضات المباشرة يوماً واحداً اذا لم يتم تمديد اجراء تجميد الإستيطان، وها هو يحنث بالقسم، ويتراجع مجدداً عن «لناته» وهذا ليس جديداً على أي حال.

الدكتور صائب عريقات الذي لا يتوقف دقيقة واحدة دون الإدلاء بتصريحات للصحف ومحطات التلفزة، ادرك فضيلة الصمت بدوره، ولم يقل لنا ماذا سيفعل في ظل هذا الموقف «الإسرائيلي»، وما هي خياراته، وهل سيكون من بينها خيار «حل السلطة» مثلما لوح وهدد اكثر من مرة؟

كثيرة هي المنعطفات الصعبة التي مرت بها القضية الفلسطينية، ورغم كراهيتنا لإستخدام هذا التعبير المستهلك، إلا أننا نقول دون تردد بأن الفلسطينيين بمختلف إنتماءاتهم يقفون امام اختبار «إسرائيلي» هو الأكبر. فبعد ان نجحت حكومة نتنياهو في كسب معركة الإستيطان، وثبتت تهويد القدس المحتلة من خلال فرض مبدأ تبادل الأرض على «السلطة»، تقترب الآن من انتزاع التنازل الأكبر، وهو اجبار «السلطة» على القبول بـ «يهودية دولة «إسرائيل»» حتى تتخلص من مليون ونصف مليون عربي مسيحي ومسلم في المناطق المحتلة عام 1948، وتلغي حق العودة نهائياً، والأخطر من ذلك الإنتقال من مسألة تبادل الأرض الى تبادل السكان، أي المستوطنين بالسكان العرب الأصليين من «مواطني» الدولة «الإسرائيلية».

نتنياهو اقنع الإدارة الأمريكية بالقبول بـ «يهودية «إسرائيل»»، واوباما قال بذلك علناً في خطابه امام الجمعية العامة الأسبوع الماضي. و«الرئيس» عبّاس يسير على الدرب نفسه، ويمهد لهذا الإعتراف تدريجياً، فقد بشّر يهود نيويورك الذين التقاهم قبل أيام بأنه يعترف بـ «إسرائيل»، وعليها ان تسمي نفسها ما تشاء : يهودية.. علمانية.. هذا شأنها وليس هذا شأناً فلسطينياً.

عندما يقول الرئيس اوباما بأنه يتوقع أن يرى ممثلي دولة فلسطين يجلسون على مقاعد الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها القادمة، فهذا يعني ان هناك «طبخة ما» يجري الإعداد لها. فليس صدفة ان السقف الزمني للمفاوضات المباشرة مدته عام، والدكتور سلام فيّاض يحتاج الى عام لإكمال البنية التحتية لهذه الدولة. كيف ستكون هذه الدولة.. «نصف كم».. ربع.. حكماً ذاتياً مضخماً ومزوراً.. حدوداً هلامية.. منزوعة السلاح والدسم والكرامة..؟

عمليات التبرير للمضي قدماً في المفاوضات حتى في ظل استمرار الإستيطان جزئياً او كلياً بدأت منذ زمن بعيد، فالنغمة السائدة حالياً على ألسنة المقربين من السيد عبّاس تقول بإنعدام الخيارات، وغياب الدعم العربي الرسمي، والخلل الواضح في موازين القوى، وضرورة الإلتزام بما يريده العرب، لأن العمق العربي ضروري. واحترام القرار العربي مسألة مقدسة.

نسأل اصحاب هذا التبرير ما اذا كانت موازين القوى لصالح المقاومات اللبنانية والجزائرية والليبية والمغربية والسورية، عندما قررت اللجوء الى خيارها المقاوم، ثم لماذا لم يحترم «الرئيس» عبّاس وسلطته القرار العربي عندما تفاوض سراً من وراء ظهر العرب في اوسلو ووقع اتفاقاً دون التشاور مع احد؟ لماذا لم يكن الرأي العربي مقدساً في حينها؟

نضع ايدينا على قلوبنا مرة أخرى هذه الأيام. فدول الممانعة والإعتدال تلتزم «الصمت»، وعدم المعارضة لهذه الكارثة الزاحفة إلينا المتمثلة في «طبخة اوباما» بالتنسيق مع عبّاس ونتنياهو.

يوم الإثنين المقبل، حيث ستجتمع لجنة متابعة مبادرة السلام العربية في مقر الجامعة، قد يدخل التاريخ على أنه نقطة الإنطلاق لنكبة أخرى، تسدل الستار على قضية فلسطين وثوابتها التي نعرفها، وتثبت «يهودية دولة «إسرائيل»» العنصرية وعاصمتها «اورشليم» حيث معبد سليمان او الهيكل المزعوم.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 17 / 2182419

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

27 من الزوار الآن

2182419 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40