الخميس 18 نيسان (أبريل) 2024

طوفان الأقصى والجبهة الأردنية!

الخميس 18 نيسان (أبريل) 2024 par رنا علوان

في صبيحة السابع من اكتوبر المجيد ، وبعد ان اطلّ علينا القائد العام لكتائب القسام /الذراع العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) محمد الضيف ، اتجهت الأنظار الى الجبهات التي ذكرها في مناشدته ، وبالتأكيد كان من بينها جبهة الأردن.

فالجبهة الأردنية تعتبر من أهم الجبهات ، وتنبع أهميتها من أبعاد سياسية وجغرافية وديمغرافية ، إذ لديها أطول حدود مع فلسطين المحتلة ، تبلغ (300) كم ، كما يرتبط الأردنيون بروابط وثيقة بفلسطين ، بحكم التاريخ والجوار وتداخل العائلات ، ذلك كون الملايين منهم لجؤا اليها من فلسطين بفعل عدوان الاحتلال الإسرائيلي عامي 1948 و1967 ، ناهيك عن ان الأردن أصله أرض فلسطينية ، فصلتها بريطانيا سنة (1946) من فلسطين المُحتلة
كما تمثل العشائر في الأردن إحدى ركائز النظام الاجتماعي والسياسي والأمني في البلاد ، ولدى العشائر موقف تاريخي يساند الفلسطينيين منذ نكبة 1948 ، وخلال فترة وحدة الضفتين شارك أبناء العشائر في الحروب ضد العدو الإسرائيلي.

اما الجديد اليوم في “الخطاب العشائري” مع أحداث غزة كان الموقف المساند لحماس بشكل عام ، ولكن مع تخصيص وتأييد واضح لشخصية محمد الضيف الذي تردد اسمه كثيرًا في الخطاب الاحتجاجي ، منذ بدء الحرب بين غزة والعدو الإسرائيلي.

ولا ننسى ، أن احتلال الضفة الغربية عام 1967 ، حصل في ظل اندماجها دستوريًا مع الأردن ، وهو ما رتّب مسؤولية تاريخية لاستعادتها “يستشعرها” الأردنيون عمومًا ، ويعبّر عنها ملوك الأردن المتعاقبون ، وخصوصًا فيما يتعلق بوجود دور خاص لهم في الوصاية على المسجد الأقصى ، والذي يُعد أحد روافع الشرعية السياسية لهم ، وعليه ، ان هذه العوامل التاريخية والديموغرافية والاجتماعية [تشدُّ الشعب الأردني إلى فلسطين بقوة ، ولا يمكن فصلها عنه]

في المقابل ، يرتبط الأردن بمعاهدة سلام مع العدو الإسرائيلي ، وبإتفاقيات “اقتصادية إستراتيجية” ، كإتفاقية استيراد الغاز ، وإتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة التي تضم مصانع مملوكة في الأردن ، واتفاقية مبدئية لتبادل المياه من الاحتلال بالكهرباء من الأردن ، فضلاً عن العلاقات الوطيدة مع الغرب منذ نشأته ، بدءًا من التحالف مع بريطانيا ثم الولايات المتحدة ، كما يرتبط أيضًا بإتفاقية التعاون الدّفاعي مع واشنطن ، التي بدء العمل بها في مارس/آذار 2021 ، والتي تتيح للجيش الأميركي وحلفائه استخدام الأراضي الأردنية بحريّة واسعة ، ويتلقى دعمًا عسكريًا واقتصاديًا وسياسيًا من الإدارات الأميركية المتعاقبة مقابل هذا التحالف ، وهذه الحال شبيهة أيضًا بعلاقاته مع الدول الأوروبية المؤثرة والكبيرة كبريطانيا وألمانيا وفرنسا.

هذا التناقض الحاصل خلق مُعضلة حقيقية ، لدى كل من الشعب الأردني الشريف والسلطة الحاكمة ، اذ يضع تحالف “الأخيرة” تحت عدة التزامات بينها وبين تلك الدول في ظل رفض وغضب شعبي كبير.

وبألم شديد يمكنني القول ، أن ما يقدمه النظام الأردني للكيان الصهيوني وعلى حساب المصلحة الأردنية والقضية الفلسطينية لا يمكن ان يقدمه نظام عاقل ، فهو حتمًا يعاني من تشوش في الرؤيا ، فلو انه التفت لبرهة صغيرة الى مخطط جابوتنسكي الذي كان دائمًا يقول ان “هناك ضفتان للاردن ، هذه لنا … وتلك ايضًا لنا” لأعاد النظر في جميع حساباته.

جاء طوفان الأقصى وسلّط الأضواء على هذه المعضلة ، ورفع من مستوى التحدي ، بفعل حالة الغليان الشعبي تجاه مجازر العدو الإسرائيلي غير المسبوقة على قطاع غزة ، وما يقابلها من قيود سياسية واقتصادية مرتبطة بقرارات اتخذها الحُكم تجاه دولة الاحتلال منذ عقود ، والتزامات مع الحليف الخارجي الأهم ، وهو الولايات المتحدة ، لذلك هو مُلزم على امتصاص غضب الشارع وبخطوات سياسية وإعلامية “لا تخرج عن اعتبارات التحالف مع الولايات المتحدة وحدود المقبول لديها في تعامله مع دولة الاحتلال” بُغية مراعاة التوازن الديمغرافي بين مكونات المجتمع الأردني كونه أمرًا ذا حساسية بالغة

ولكن ما حدث هو انه لم يتم مراعاة ولو جزء من هذه الحساسية فعليًا ، حيث ازداد تصدير الخضروات من الأردن إلى الكيان الإسرائيلي الغاصب في ضوء النقص الناشئ عن تراجع قطاع الزراعة عند الأخير بفعل الحرب ، إضافةً إلى تسيير خط إمداد بري من الإمارات إل العدو الصهيوني عبر أراضي السعودية والأردن في ضوء منع جماعة أنصار الله الحوثيين السفن الإسرائيلية من عبور مضيق باب المندب ، وهما أمران أخلت الحكومة مسؤوليتها تجاههما ، وربطت أولهما بقرارات للقطاع الخاص ، وثانيهما بإتفاقات المرور الحرّ للبضائع ، كحجة اقبح من ذنب.

ومن الواضح أن مواقف كهذه لا ترضي الشعب الأردني الذي أظهر استطلاع للرأي في الأردن -أجراه مركز الدراسات الإستراتيجية في الجامعة الأردنية- أنه أكثر الشعوب العربية تأييدًا للمقاومة ولطوفان الأقصى ، فمنذ بداية الحرب ، لم يهدأ الحراك الشعبي الرافض للعدوان والمطالِب برفع سقف مستوى الرد الرسمي إلى إلغاء معاهدة السلام ودعم المقاومة الفلسطينية ، [وإخراج القوات الأميركية التي توجد بصفة غير دستورية على الأرض الأردنية ، إذ إن الاتفاقية التي توجد بموجبها لم تُعرض على مجلس النواب لإقرارها خلافًا لما ينص عليه الدستور]والسؤال الأهم ، بأي حق تبرم حكومة الاردن اتفاقًا على تواجد أمريكي داخل الأراضي السورية قرب حدودها ؟!؟

نذكُر انه بعد الإعلان الأميركي عن مقتل جنود في قاعدة حدودية داخل الاردن ، خرج نفي أردني على لسان الناطق بإسم الحكومة قال فيه إن الهجوم استهدف قاعدة التنف وهي خارج حدودنا، من ثم عدلت الحكومة الأردنية من تصريحها لتقول : “إن الهجوم الذي استهدف قاعدة التنف كان على الحدود السورية الأردنية والوجود الأمريكي بالقرب من الحدود الأردنية يأتي في سياق اتفاقية التعاون بين البلدين”.

[الحكومة الاردنية اذاعت بيانًا أمريكيًا ، لا يعبر عن حقيقة ما جرى]
وفي عملية [وعده صادق ] فتحت الأردن الأجواء لعمليات التصدي لحق الرد الإيراني على الضربة الإسرائيلية التي استهدفت القنصلية الإيرانية بدمشق ، كونها تقع في “مجال حيويّ” عند أي مواجهة إيرانية/إسرائيلية ، وممرًا إلزاميًا لطائرات وصواريخ العدو الإسرائيلي نحو إيران وبالعكس، وعليه فقد ابلغت الجمهورية الاسلامية الإيرانية بصورة حاسمة أن كل دولة تقدم تسهيلات عسكرية لصالح الردّ الإسرائيلي على إيران “كرد على الرد” ، سوف تكون هدفًا مشروعًا هي أيضًا وداخل الحسابات الإيرانية.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا ، كيف ستتصرّف الأردن عندما يقرّر “العدو الإسرائيلي” الردّ ويطلب تسهيلات أردنية لعبور طائراتها؟!؟

فإذا سمحت الأردن لطائرات العدو الإسرائيلي بإستخدام أجوائها لضرب الجمهورية الإيرانية ، من المؤكد أن إيران لن تتسامح وسوف تعتبر ذلك مشاركة في استهدافها.

والسؤال الآخر ، هل يملك الأردن من خلال السيطرة الأميركية عبر قواعد جويّة وشبكات صواريخ ثاد وسواها على الأجواء الأردنيّة ، قدرة التحكم بالأجواء بحيث يقول نعم أو لا للعدو الإسرائيلي؟!؟

بصراحة وبأسف شديد أقول ، ان هذا النظام هو أكثر أنظمة العرب التابعين للشيطان الأكبر وابنه اللقيط ، رضوخًا وضعفًا ، فلو انها نأت بنفسها ، لكان خيرًا لها

ختامًا ، رغم صعوبة تداعيات الحرب في غزة على الأردن ، فإن التحديات الكبرى ترتبط بتوسّع دائرة المواجهة بين الاحتلال والفلسطينيين في الضفة الغربية ، وهذا ما قد اشار إليه مسار الأحداث منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 ، وتم اخذ ذلك كذريعة لابقاء الموقف الأردني تجاه الحرب في غزة في مرحلة رد الفعل الديبلوماسي على الأحداث الجارية.

كما تُبرر السياسة الخارجية الأردنية تعاملها مع ملف الحرب القائمة ، على أنها مرحلة استباقية (لمرحلة التوسع في رقعتها من غزة إلى الضفة الغربية) ، وانه قد يحدث ذلك في أي لحظة، كما أن هناك تنسيقًا وتقاسمًا للأدوار على ما يبدو بين الأردن ومصر ، بحيث تكون غزة شأنًا مصريًا بالدرجة الأولى ، وتكون الضفة كذلك بالنسبة للأردن الذي يخشى من سيناريو “الترانسفير” الذي يعتبره تعديًا على الأمن القومي ونهاية فكرة دولة فلسطين.

ولكن ما يجب ان يعيه كل متخاذل [ ان التبرير سلاح العاجز ونتيجته مـرة على صاحبه ، فهو بمداومته على فعل التبرير ينصرف عن إصلاح ذاته ، كما ينصرف عن تفقد عيوب نفسه ، وبالتالي يرى أنه دائما على خير وصواب ].

لقد وضعنا طوفان الأقصى امام اكبر امتحان للشرف والكرامة ، وما هو متعارف عليه انه [ عند الإمتحان يُكرم المرء او يُهان ]



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2186370

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع مقالات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2186370 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40