الجمعة 8 نيسان (أبريل) 2011

تفكيك صالح

الجمعة 8 نيسان (أبريل) 2011

- [**بقلم / مي يماني*]

انتهى علي عبدالله صالح كرئيس لليمن . فقد اتسعت الاحتجاجات الديمقراطية الشعبية التي بدأت على نطاق ضيق في منتصف شهر فبراير/ شباط خارج جامعة صنعاء لتشمل البلاد بالكامل . وتشير استمرارية وقوة المظاهرات بكل وضوح إلى إن أيام النظام أصبحت معدودة . فقد انضم زعماء القبائل إلى المحتجين . حتى أن بعض أقرب الحلفاء من قبيلة حاشد التي ينتمي إليها صالح ذاته، مثل علي محسن الأحمر، تخلوا عنه . والآن يبدو أنه حتى الولايات المتحدة، التي وفرت له الحماية لمدة طويلة، بدأت تتخلى عنه .

إن صالح، الذي تولى السلطة منذ عام ،1978 يدرك الآن أن زمنه قد انتهى . ولقد علقّ مؤخراً على المنشقين على نظامه قائلاً: “إنهم يتساقطون كأوراق الخريف” . كما زادت الاستقالات: من سفراء، ووزراء، وشخصيات إعلامية بارزة، وجنرالات الجيش .

والواقع أن المجموعة الأخيرة كانت الحاسمة: فحينما يتخلى كبار المسؤولين العسكريين والأمنيين عن نظام استبدادي في مواجهة ضغوط شعبية، تصبح أيام هذا النظام معدودة . ورغم ذلك فإن صالح لا يزال محتفظاً بولاء وزارة الداخلية، والحرس الجمهوري، وجزء من القوات الجوية . إلا أن الاشتباكات بين الجيش وقوات الحرس الجمهوري تؤدي بشكل أكبر إلى تآكل ما تبقى من تماسك النظام .

ومثله كمثل غيره من الحكام في سكرات موتهم السياسي الرئيس المصري السابق حسني مبارك، والعقيد الليبي معمر القذافي على سبيل المثال حَذر صالح من المخاطر التي ستواجه العالم إذا أرغم على الرحيل: مثل الإخوان المسلمين، وهجمات القاعدة، والهيمنة الإقليمية الإيرانية، وتفكك اليمن . وفي اعتقادي أن هذا هو كل ما يستطيع أن يسوقه من مبررات لاستمراره في الحكم .

في غمرة من اليأس أمر صالح بشن هجمات قاتلة ضد المحتجين، ومن والواضح أنه تصور أن مهارته الكبيرة في المناورة السياسية كفيلة بإبلاغه مقاصده بسلام . ولكن منذ إعلانه لحالة الطوارئ في الثالث والعشرين من مارس/ آذار، تضاعفت أعداد المحتجين في الشوارع . ونظراً لافتقار نظامه للشرعية بوضوح فإن صالح يمارس لعبة خطيرة، وكلما سارع بالرحيل كان ذلك أفضل لاستقرار اليمن وأمنه .

والواقع أن كل اليمنيين الحوثيين، والحراك اليمني الجنوبي، بل وحتى الحاشديين يظهرون اتحادهم في معارضتهم لنظام صالح المريض وفي سعيهم إلى الحصول على حقوقهم المدنية والإنسانية . ولقد أقام المئات من رجال القبائل الخيام في “ساحة التغيير” في صنعاء . ولعل الأمر الأكثر لفتاً للنظر أن المحتجين، في دولة تحتوي على أكثر من 12 مليون سلاح ناري، لم يطلقوا رصاصة واحدة .

ثم في عشية “جمعة الرحيل” التي خططت لها المعارضة اليمنية في أواخر مارس/ آذار، ردت الولايات المتحدة الحياة لحكم صالح، عندما أعلن وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس أن “سقوط صالح من شأنه أن يفرض مشكلة حقيقية بالنسبة للعمل الأمريكي في مكافحة الإرهاب” . وسرعان ما ظهر صالح، الذي تشجع بتصريحات غيتس، على شاشات التلفاز ليأمر كل المعارضين بالرحيل عن اليمن . وكأن الملايين من اليمنيين قد يهجرون بلدهم ببساطة، ويتركونه هو وأفراد أسرته يعيشون في سلام .

منذ عام ،2009 دأبت الولايات المتحدة على إمطار حكومة صالح بالمساعدات العسكرية . ولكن الولايات المتحدة تدرك أن تنظيم القاعدة يشكل عدواً مريحاً لصالح، وأن التهديد الذي قد تتعرض له مصالح الولايات المتحدة برحيل صالح مبالغ في تقديره . إن الديمقراطية لا تتعايش مع القاعدة . بل إن الأمر على النقيض من ذلك تماماً فالتهديد المتزايد المتمثل في التطرف ينبع في الأساس من تأخير رحيل صالح .

لقد بلغت مصداقية أمريكا، المتدنية في اليمن بالفعل، أدنى مستوياتها الآن؛ ولم تعد الكلمات الواردة على لسان زعمائها تؤخذ على محمل الجد . والواقع أن الفجوة بين خطاب الولايات المتحدة وسياستها اتسعت إلى حد كبير . فقد اعتمدت إدارة أوباما على لغة حقوق الإنسان في ليبيا، ولكنها كانت راضية بتجاهل المطالب الديمقراطية التي ينادي بها الملايين من اليمنيين .

وأخيراً، يبدو الأمر الآن وكأن الولايات المتحدة أدركت أن إعادة نظام صالح إلى الحياة باتت مستحيلة . والواقع أن التدبير الأكثر تعاطفاً والذي ينبغي على الولايات المتحدة اتخاذه الآن هو شكل من أشكال القتل السياسي الرحيم . ولقد عبر أحد المحتجين الشباب اليمنيين عن هذه القضية بإيجاز: “أمريكا، أوقفي جهاز دعم الحياة الذي تزودين صالحاً به وتعاملي معنا مباشرة . فاليمن هو الشعب اليمني، وصالح ليس أكثر من خدين لك” .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 7 / 2182768

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2182768 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 25


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40