السبت 2 حزيران (يونيو) 2012

انتخابات مصر: المفاجأة ـ الكارثة

السبت 2 حزيران (يونيو) 2012

بعد إعلان نتائج الدورة الأولى من الانتخابات، لم يرَ معظم الصحافيين الأميركيين والبريطانيين «فسحة أمل»، ولو صغيرة، يطلّون منها على مستقبل مصر السياسي. بين محمد مرسي «الإسلامي» وأحمد شفيق «الفلول»، احتار المحللون في رسم المشهد السياسي لمصر في أول انتخابات رئاسية بعد الثورة، وتراوح الخيار بين «الأسوأ والأسوأ»: أن يحكم «الإخوان المسلمون» مصر، رئاسياً وبرلمانياً، هي كارثة بحدّ ذاتها بالنسبة إلى البعض ممن يتخوّفون من أسلمة الدستور المصري والتزام الشعارات المعادية لـ «إسرائيل» وللغرب التي أطلقها مرشحو «الإخوان» في حملاتهم الانتخابية، أو أن يحكم أحد رموز النظام المخلوع مصر مجدداً هي كارثة أخرى؛ إذ إنه سيعيد أسس النظام السابق ويقوّي سلطة المجلس العسكري على حساب النهوض بالبلاد ديموقراطياً. ورغم أن شفيق ابتعد عن الشعارات الدينية وعن المواقف المعادية للغرب، إلا أن المحللين يخشون أمراً آخر، هو جوّ معارض عام سيؤدي إلى عدم استقرار وفوضى ستؤثر على عملية إنقاذ الاقتصاد المصري وإعادة إنعاش الحياة المعيشية في البلد.

كيف يجب أن نختار إذاً؟ أميركياً، دعا بعض الصحافيين إدارة باراك أوباما إلى الانتظار وعدم دعم أي من المتأهلين الآن، فيما هوّل البعض الآخر من مجيء رئيس إسلامي على رأس البلاد، في محاولة لتبرير تفضيل خيار شفيق على مرسي. أما آخرون، فحسموا أن العلاقات المصرية - الأميركية لن تعود كالسابق بغضّ النظر عن هوية الرئيس المقبل.

بريطانياً، كانت حدّة التهويل والتخويف من الإسلاميين أقلّ نسبياً؛ إذ برزت تحليلات صحافية تقول إن وصول «الإخوان المسلمين» إلى الرئاسة المصرية ليس أمراً مفاجئاً ولا كارثياً إذا أدركوا أنهم لا يستطيعون حكم البلاد وحدهم.

«هي نتائج مرّة بالنسبة إلى معظم من شاركوا في ثورة إسقاط نظام حسني مبارك»، تقول افتتاحية «ذي واشنطن بوست» الأميركية. وتضيف: «إن الخيار بين مرسي وشفيق لن يكون سارّاً». لكن الافتتاحية قرأت في النتائج الأخيرة للجولة الأولى من الانتخابات أن المصريين ليسوا مقسومين فعلياً بين مرسي وشفيق؛ لأن النسب التي حصل عليها كل منهما لم تكن ساحقة. «بوست» تذكّر بأن «الإخوان المسلمين» كانوا قد وعدوا بـ«حكم ديموقراطي والحفاظ على حقوق النساء واعتماد اقتصاد السوق المفتوح والإبقاء على السلام مع إسرائيل»، لكن الصحيفة تلفت من جهة أخرى إلى أن مرسي «كان قد أقسم على حكم البلاد وفق الشريعة الإسلامية». الافتتاحية تتابع بأنّ على مصر أن تتلقف فرصة إجراء الانتخابات واختيار رئيس جديد، ثم تحديد مهماته وفق دستور جديد للبلد لا يحصر كامل السلطة بيد رئيس الجمهورية. «عندها، أيّاً يكن الرئيس المنتخب، حتى لو كان سيئاً، سيقود البلاد والمنطقة نحو مرحلة جديدة تنمو فيها الديموقراطية».

ومن «المرارة» التي تحدّثت عنها «بوست» إلى «أسوأ تركيبة انتخابية» قد تشهدها مصر، حسب ما وصفها مارك لينش في مجلة «فورين بوليسي». لينش، «يبرر» النتيجة الكارثية بالقول إنه «نظراً إلى المسار المضطرب الذي شهدته مصر في مرحلة ما بعد الثورة الانتقالية، يبدو أن من الصائب التوصل إلى نتيجة كهذه». الكاتب يلفت أيضاً إلى النسب التي حصل عليها أبرز المرشحين وما قد تعنيه، مشيراً إلى أن النسبة العالية التي حصل عليها شفيق «تدلّ على أن شريحة كبيرة من المواطنين أنهكتهم الثورة». لينش يرى أن «الكارثة الأكبر» تمثّلت بأحزاب الوسط المصري «الذين فشلوا في التوحد حول مرشح واحد، ما أدى إلى إضعاف جميع مرشحيه».

ماذا الآن؟ يسأل الكاتب، ويجيب بأنّ «من الصعب جداً التنبؤ الآن بالمنحى النهائي الذي ستتخذه الانتخابات». ويضيف: «هل سيجرؤ أحد على نشر ترجيحات انتخابية قبل التوجه إلى صناديق الاقتراع؟». لينش يشرح أن «أخطاء الإخوان المسلمين السياسية في الفترة الأخيرة وتخلّيهم عن بعض وعودهم والخشية من سيطرة حزب واحد على السلطات في البلد والتخوّف من التعصّب الديني ستدفع بعض المؤيدين للثورة إلى التصويت لشفيق».

لكن الصحافي يرى أن التهويلات التي يطلقها البعض على سيناريوات الحكم بعد فوز أحد المرشحين هي «مبالغ فيها». لماذا؟ لأن «شفيق لن يحكم بقبضة من حديد كما وعد، بل سيكون الرئيس الضعيف أمام مجلس عسكري تتعاظم قواه». أما عن حكم مرسي، فيقول لينش: «أشكّ في أن يفرض مرشح «الإخوان» الشريعة ويحكم بها». لينش يضيف أنه «رغم الأخطاء التي ارتكبها «الإخوان» أخيراً، إلا أنهم براغماتيون. ومعظمهم يدرك أن إيجاد حلّ للأزمة الاقتصادية ومعالجة مشاكلها هي الأولوية الآن». وعن دور الولايات المتحدة في الانتخابات وفي المرحلة المقبلة، يقول الصحافي إن «وضع الولايات المتحدة صعب؛ فالكلام على تحالف مع «الإخوان المسلمين» مبالغ فيه، والمجلس العسكري خلال حكم شفيق لن يقوم بأي إصلاحات». لينش يردف قائلاً: «أعتقد أن الولايات المتحدة كانت تدعم عمرو موسى بالسرّ، وذلك يظهر مدى انعدام تأثيرها على الانتخابات المصرية التي رفعت بنحو شبه كلي شعارات معادية لها».

وعن مستقبل العلاقات الأميركية - المصرية والتخوف من مصيرها في ظل حكم مختلف ورئيس جديد، يقول ستيفن كوك وحسيب صبّاغ، على موقع «مجلس العلاقات الخارجية»، إنه «بغض النظر عن هوية الرئيس المقبل، لن تكون العلاقة مع الولايات المتحدة كما كانت في عهد مبارك. وإنه لمن غير البراغماتي أن يتحالف «الإخوان» مع الولايات المتحدة بعد سنوات من انتقاد العلاقة الأميركية - المصرية في العهد السابق». لكن الكاتبين يلفتان إلى أن «الإخوان» قد يتعاونون مع الولايات المتحدة في المرحلة الأولى، نظراً إلى ضعف الاقتصاد المصري والحاجة إلى الدعم الأميركي في هذه المرحلة. كوك وصبّاغ يشيران أيضاً إلى أن «إسرائيل ليست محبوبة على الإطلاق في مصر ولدى الطبقة السياسية المصرية، وخصوصاً الإخوان».

إيريك تراغر يشرح، من جهته، في «ذي نيو ريبابليك»، القدرة التنظيمية الهائلة التي يتحلى بها «الإخوان»، راسماً هيكلية الحركة وتقسيماتها، ومبيّناً سبب نجاح «الإخوان» في التوحد حول قرار واحد ومرشح واحد وموقف واحد، من خلال تعميم القرار على كل المستويات داخل الحركة، وصولاً إلى القاعدة الشعبية. تراغر يلفت إلى دعم المسيحيين لشفيق وتصويت بعض الرافضين لعودة الحكم السابق لمرسي، لكنه يشير أيضاً إلى فئة ستمتنع عن التصويت «ما سيصب في مصلحة مرشح «الإخوان»؛ لكونها الجهة الوحيدة المنظمة التي تمتلك ماكينة انتخابية في البلد».

بريطانياً، رأت افتتاحية صحيفة «ذي غارديان» أن نتائج الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية المصرية أنتجت «مفاجآت بالجملة»، لكنها «ليست كوارث». الافتتاحية تشير إلى أن إحدى أبرز المفاجآت هي صعود نجم مرشح «الإخوان» محمد مرسي على الشخصية الأكثر كاريزماتية خيرت الشاطر. لكن «ذي غارديان» تشبّه وضع الاثنين بالرئيس التركي عبد الله غول ورئيس وزرائه رجب طيب أردوغان اللذين «تبادلا الأدوار» في حكم تركيا، «وهذا ما قد يحصل بين مرسي والشاطر في مصر». الافتتاحية البريطانية ترى أنّ «على الطبقة الوسطى المصرية أن تتقبل أن «الإخوان» هم القوة الوحيدة التي تستطيع إبقاء النظام السابق خارج المشهد السياسي المصري». «ذي غارديان» تضيف أن «الإخوان» «سيدركون أنهم لا يستطيعون الحكم وحدهم، وهم قد يعينون أشخاصاً مثل حمدين صباحي في مواقع مهمة في السلطة». وتختم: «إن هذه النتيجة ليست كارثية، رغم أنها تبدو كذلك للبعض في الفترة الأخيرة».

[rouge]

فوضى، عدم استقرار، واقتصاد متردٍّ

[/rouge]

تناول عدد من المحللين فترة ما بعد الانتخابات الرئاسية في مصر، واتفق بعضهم على أن حالة من عدم الاستقرار ستسود في البلاد. مارينا أوتاواي، من معهد «كارنيغي»، تقول إن معركة حقيقية ستخاض على وضع الدستور الجديد. أما إيريك تراغر، من «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى»، فيرى أنّ «من غير المرجح أن تعيد الانتخابات الاستقرار السياسي إلى البلاد». ويشرح أنّ «صلاحيات الرئيس الجديد ستبقى غير محددة في ظل عدم وجود دستور جديد، وسيخوض صراعاً على السلطة مع البرلمان الذي يهيمن عليه الإسلاميون ومع المجلس العسكري». كذلك لن توقف الانتخابات انزلاق مصر نحو الإفلاس أيضاً، يردف تراغر. الكاتب يدعو واشنطن إلى «الضغط على المجلس العسكري لكي يتبنى عملية موثوقة لصياغة الدستور بدلاً من إصدار إملاءات تضمن دوراً رائداً للجيش». وإذا لم يحدث ذلك، فإن الجيش سيمهِّد لجولة جديدة من احتجاجات شعبية، من شأنها أن تعرقل الجهود الرامية إلى استعادة الأمن والنهوض بالوضع الاقتصادي المتردي.

[rouge]-[/rouge] [bleu]المصدر : جريدة «الأخبار» اللبنانية | صباح أيوب.[/bleu]



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2182362

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المرصد  متابعة نشاط الموقع صحف وإعلام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2182362 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40