الأحد 23 حزيران (يونيو) 2013

الكيان الصهيوني «ينتزع»حق الفيتو من مصر.. ويسيطر على حوض النيل

بقلم:عدنان محمد العربي
الأحد 23 حزيران (يونيو) 2013

تحشر “إسرائيل” أنفها في كل ما يتعلق بمجرى نهر النيل، وفي الاتفاقيات المنصوصة حول توزيع حصص المياه، وكأنها إحدى دول الحوض، أو كأن النهر ملك حصريّ لها، أو رصيد استراتيجي لوجودها، ولمجالها الحيوي في المنطقة، ويهدف دخول الكيان الصهيوني على الخط مرحلياً إلى تقوية موقف الدول التي تطالب بزيادة نصيبها من مياه النيل على حساب حصة مصر، ليس حباً بهذه الدول أو دعماً لمشاريعها التنموية، بل لإزالة كل العقبات التي تحول دون جعله سيد الموقف، وصاحب حق الفيتو في التصرف بمياه النيل بدلاً من مصر.

صحيح أن الحكومة المصرية الحالية ليست مسؤولة وحدها عن وصول الوضع إلى هذا الحد المزري، ولكن الحزب الذي يدعمها لم يطرح مشكلة تهديد مياه النيل بجدية وهو خارج السلطة، ولا يبدو أنه يتفهم عمق المشكلة وهو على رأسها، فقد بدأت المشاريع المشبوهة ضد مصادر مصر المائية منذ نشأة الكيان الصهيوني، ولم تكلّ جهود الحكومات “الإسرائيلية” المتعاقبة من السعي الدؤوب لامتلاك أحدث التقنيات في مجال المياه وتطويرها، بغية التحكم بمياه المنطقة، خصوصاً من خلال رسم المشاريع المشبوهة، في دول حوض النيل الإفريقية، والإشراف، المباشر وغير المباشر، على تنفيذها.

وقد حرصت “إسرائيل” على دعوة رؤساء هذه الدول لحضور جميع المعارض الدولية التي تنظمها الدوائر الصهيونية سنوياً حول “تقنيات المياه ومراقبة البيئة”، ويلاحظ أن مصر تتعامى عن التحركات “الإسرائيلية” في أفريقيا عموماً، بحجة اتباع “الدبلوماسية الصامتة”، بينما تغض الطرف، قبل عهد الرئيس حسني مبارك وبعده، عن المشاريع المائية في دول الحوض، وتعترف بعجزها عن “استمالة” حكوماتها، أو التأثير فيها خلال المفاوضات التي تجري لإقرار تعديلات بشأن اتفاقيات استغلال المياه المشتركة.

لم تعد حكومة أثيوبيا اليوم تكترث بالمخاوف المصرية، الشعبية والرسمية، وهي تكتفي بالتطمينات غير المسندة بالوقائع، بأن بناء سد النهضة لن تنتج عنه أضرار على مصر، في الوقت الذي يصادق فيه البرلمان الأثيوبي على وثيقة عينتيبي التي ترفض الاعتراف بحقوق مصر التاريخية، وتلغي حقها بالفيتو على كل مشاريع المياه في البلدان المتشاركة في النهر، ويكشف هذا التصرف مدى الاستهتار بمعارضة الحكومة المصرية للمشروع، وبتصريحات مسؤوليها، ومساعيهم الدبلوماسية، وتهديداتهم باستخدام القوة، لأنها، بنظر أثيوبيا وبقية الدول المعنية، مجرد فقاقيع هواء.

ثمة وجهان لمشكلة مشروع بناء السد، أولهما البدء بتنفيذه في وقت تشهد فيه مصر انحلال مؤسساتها، وتفتيت كياناتها السياسية، وانهيار بناها الاقتصادية والاجتماعية، بحيث أصبحت حكومتها عاجزة تماماً عن صد الأخطار المحدقة بها، وثانيهما، أن جميع الأطراف المعنية تقلل من أهمية بعض الحقائق العلمية، التي يؤكدها جميع خبراء المياه، المصريين والمحايدين على السواء، بأن بناء السد، بمواصفاته المعلنة والمخالفة لقوانين الطبيعة والبيئة، يشكل بالفعل بداية النهاية لوجود دولة مصر، ولطبيعة وادي النيل برمته، كما عهدناهما من قبل.

وعليه، فإن المشكلة أكبر من كل التطمينات، والتهديدات، والمماحكات السياسية، والنكايات الدبلوماسية، والاستهتار، وما شابه، فالأطراف المهتمة بالمشروع، والتي تروج له وتبرره، إضافة إلى الكيان الصهيوني، تتشكل من مستثمرين يرون فيه فرصة ذهبية لجني الأرباح، وعلى رأسهم، مع الأسف، الممولون العرب من دول الخليج، ومن حكومات تأمل بمنافع “خاصة وضيقة”، كما في السودان وغيره من البلدان المجاورة، والشركات المتعاقدة التي تزوّر الدراسات الجيولوجية والبيئية، وتتورط بتنفيذه دون أن تتحمل تبعات نتائجه المدمرة على المديين القريب والبعيد.

إن حكومة الرئيس المصري؛ محمد مرسي، ترى خطر خسارة مياه النيل بأم العين، وتستسلم أمام إصرار أثيوبيا على تنفيذه كأنه قدر محتوم، فبدلاً من وضع المشكلة في قمة الأولويات، ردت الحكومة المصرية بجدل سياسي مخجل، وهددت كلامياً باستخدام القوة، بينما يجري تجريد الجيش الوطني من جميع مقوماته وقدراته العسكرية والمعنوية.

إنها مهزلة أن تشهد الأمة هذا المستوى المتدني من الانحطاط والتخلف، ففي الوقت التي تهدد فيه أثيوبيا “قطع” مجرى النيل عن “هبة النيل”، يتباهى الرئيس المصري بقطع علاقاته الدبلوماسية مع دولة كان يمكن أن تقف إلى جانبه ضد ما يهدد أمن مصر ووجودها، ويؤكد تحالفه مع دول خليجية تموّل المسلحين الذين يعملون على تدمير سورية، كما تموّل مشروعاً لا غرض منه سوى تدمير دولة عريقة وحضارة عمرها آلاف السنين.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 9 / 2182557

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2182557 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40