الأحد 14 تموز (يوليو) 2013

الإسلام السياسي حين تخذله السلطة

بقلم:سليمان تقي الدين
الأحد 14 تموز (يوليو) 2013

بادر «الإخوان» إلى العنف ضد مؤسسات الدولة والمدنيين. لجأووا إلى السلاح والاغتيال وهدّد مسؤولوهم بنشر الفوضى حتى عودة الرئيس المصري المخلوع إلى السلطة. لا يسلّمون بفشلهم ومعارضة أكثرية الشعب لهم ولا يرضخون للمسار الديموقراطي مجدداً. ما يصفونه بالانقلاب هو نفسه المسار الذي قادهم إلى السلطة. لم يفعل الجيش أكثر من دور «الحكم» للحفاظ على سلمية الثورة. اقترع الشعب المصري ضد «الإخوان» بأشكال مختلفة كان آخرها الطوفان البشري في الميادين. مَن يرفض الديموقراطية هو الطرف الذي رفض نتائج هذا الاستفتاء غير المسبوق. أخذ «الإخوان» فرصتهم وهدروا رصيدهم سريعاً. لكن الأهم من ذلك أنهم يثبتون أن مشروعهم لا يأتلف مع «الحرية والعدالة والديموقراطية».
لا نعرف حجم استعدادهم لتوسيع نطاق العنف والقيام بأعمال تخريبية. لكن دعواتهم إلى العنف ورفض الحوار والمصالحة والمشاركة تؤكد خيارهم هذا. ولا ننسى الدعم السياسي الذي يأتيهم من الموقف الأميركي أو التركي ومن أقرانهم في العالم العربي. ما يحفزهم على العنف أنهم فقدوا مصداقيتهم وفقدوا الكثير من قدرتهم على المناورة وممارسة العمل السياسي المفتوح. إذا لم يبادروا إلى المراجعة والقبول بكونهم طرفاً من أطراف الحياة السياسية فهم يغرقون البلاد بالأزمات السياسية ويعطلون الاستقرار الضروري للنهوض بالمشكلات الاقتصادية والاجتماعية السابقة والحالية. في كل الأحوال لن يتحول «الإخوان» إلى ضحية كما يدّعون. الجميع يطالبهم بالانضمام إلى العملية السياسية والمشاركة.
ينجح الإسلام السياسي في التحريض والتعبئة وفي الجمع بين التنظيم السري الفعال ومخاطبة المشاعر الإيمانية. الإسلام السياسي ليس مجرد حركة دعوية أو تبشيرية أو وعظية ولا هو حركة جدل فكري. انه شبكة عصبية مغلقة تسبح في الوجدان التاريخي للشعب وتتوسل بعض النشاطات الخدماتية والثقافية والاجتماعية. في أساس نشوئه تأصيل العنف. العنف المعنوي الهادف إلى تغيير الفطرة الإيمانية والتقاليد المكتسبة، والعنف المادي لجعل منظومته السياسية الخاصة مرجعية الإيمان وهدفه ومثاله.
لا يتصالح الإسلام السياسي مع السياسة بمفهومها الحديث ومع الدولة بقواعدها وركائزها. انه مشروع سلطاني مقلوب. كانت «الدولة الإسلامية» في التاريخ «دولة سلطانية»، تحررت تدريجاً من الوجه السلطاني لمصلحة الحاجات المعاصرة. فقدت تدريجاً هويتها الدينية أو قناعها الديني.
يريد الإسلام السياسي حكماً سلطانياً بقناع ديني. لا يملك الإسلام السياسي إلا ان يعدنا بحكم «الخلافة والإمامة». هو فعلاً لا يريد حكم الجماعة ولا تطلعاتها. يريد للجماعة أو الأمة أن تكون رعية طائعة للخليفة والإمام. لا يرفض الإسلام السياسي التقدم التكنولوجي أو الصناعي. يستخدم المنجز التكنولوجي بمعزل عن بيئته. ما يرفضه الإسلام السياسي هو الفكر الإنساني الحديث. على المجتمع أن يخضع لمنظومة أفكاره وطقوسه لا إلى القيم الكبرى والمبادئ الإنسانية والكونية التي ساهم فيها الإسلام كما سواه. لم ينتج الإسلام السياسي فكراً حديثاً أو «إسلاماً معاصراً» بل أنتج فقهاء لسلطان لم يجدوه في الدولة الحديثة فحاولوا أن يجدوه بمعزل عن كل التطور التاريخي الاجتماعي والمدني. يعيش الإسلام السياسي دائماً في بيئة حربية. يقوم أساساً على مقابلة «دار الإسلام ودار الحرب». شأنه بذلك شأن الصهيونية التي هي أيديولوجية دينية سياسية كفاحية وجدت لمشروع مستقبلي كل ما حوله أعداء. بين الإسلام السياسي وكل الثقافات الحصرية عناصر مشتركة في طليعتها الاستبداد. كل النماذج التي نعرفها الآن نماذج حربية إمبراطورية توسعية، الأصل فيها بناء «سلطة الإسلام السياسي» لا بناء مجتمع المسلمين الأحرار. ينجح الإسلام السياسي كما نجحت بعض الدول العقائدية في البقاء لفترة من الزمن ما دام يقيم دولة مقفلة. لا يستطيع ان ينافس في الفكر والمشروع ولا أن يتسامح مع التعددية. لا يستطيع ان يقبل وحدة المسلمين برغم ان هذه المقولة أساسية في تفكيره. المسلمون هم جماعات وتيارات ومذاهب وفئات اجتماعية متعارضة الأهواء والمصالح. الوحدة في الإسلام هي نسخة عن الفكر القومي الفاشي والشوفيني. ينجح الفكر الفاشي في السيطرة على مجتمعات بسيطة التكوين وموحدة المكونات أو هو يسعى إلى إزالة التنوع فيها. الإسلام السني في أساسه متعدد المذاهب الفقهية ومع ذلك تحول في السياسة إلى سلطة سياسية ذات فقه ومذهب رسمي واحد. كان ذلك في عالم أكثر انفصالاً وتماثلاً في الكيانات السياسية. الإسلام السياسي اليوم يخوض معركة مستحيلة في عالم منفتح معولم تعددي فلا مستقبل له في صورته الراهنة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 4 / 2185525

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2185525 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40