الكدمات التي ظهرت على وجه الفتى الفلسطيني طارق أبو خضير سرعان ما تندمل بفعل الزمن، أما الندوب التي انحفرت في وجه الكيان “الإسرائيلي” فهيهات أن تمحى، وستبقى وصمة في سجل العار الطويل الذي ارتكبه هذا الكيان ومازال، ومع كل مطلع شمس سيروي حي شعفاط بالقدس المحتلة القصة المريعة حتى يستكمل الدهر دورته ويتم إنصاف الضحية من المجرم .
يوم تم إعدام الفتى محمد أبو خضير بحرقه حياً في جريمة على طريقة “الهولوكوست”، لم يكن بوسع القتلة المسعورين أن يبتعدوا كثيراً عن مسرح الجريمة ولا عن ذوي الدم، فسارعوا إلى ارتكاب جريمة لا تقل وحشية عن الأولى، وإن لم تنته بالإعدام ركلاً ولكماً، ولكنها أفزعت كل من شاهد الفيديو المسرب لوقائعها . وبمعزل عن اعتبار طارق أبو خضير حاملاً للجنسية الأمريكية، فإن الاعتداء يستحق ملاحقة على أعلى المستويات ويسجل جريمة منظمة بحق فتى قاصر غير مكتمل الشخصية قانوناً .
محمد وطارق من آل أبو خضير عنوانان لجريمة واحدة ستظل وزراً على الاحتلال “الإسرائيلي”، ولكنها في ذات الوقت ستظل تضحية تزيد أهلها بأساً وإصراراً على قضية يراد لها أن تصفى وينفض من حولها أبناؤها تحت الترهيب والترويع وتقطيع الأوصال بطرق شتى . ويتغابى الصهاينة كثيراً حين يظنون أن التفنن في الإجرام والإرهاب سيخضع الضحية حتماً، ويتناسون أنه بقدر ما يحملون من حقد وكراهية وإمعان في الاستئصال، يأبى الفلسطينيون الاستسلام، بل إن شناعة الجرائم لم تزدهم إلا نرجسية واعتزازاً بالذات وإيماناً بقضية من أجلها بقوا شعباً شيمته الصبر وإرادة البقاء .
وفق هذه المعادلة، كانت الجريمة وكانت ردود الفعل التي تلتها . ومقابل الغضب الذي التهب في القدس المحتلة واجتاز الجدار العنصري إلى أراضي ،1948 كان الكيان المحتل مستعداً لارتكاب جرائم جديدة، ولم يتردد سفاحوه في محاولات خطف قصر في مناطق مختلفة، وتمكن مستوطن من دهس عاملين استشهدا على عين المكان قرب حيفا، بينما نالت غزة نصيبها من العدوان وبدأ عداد الشهداء يحصى خلف الغارات، وقد لا يتوقف لأيام عديدة، طالما ظلت نذر انتفاضة جديدة تخيم على المناطق المحتلة وفي صدارتها القدس . وفي ظل ما تشهده المنطقة من تقلبات، يبقى كل شيء ممكناً، فبعد نحو تسع سنوات من انتهاء الانتفاضة الثالثة لم يجن الفلسطينيون شيئاً، بل إن الخيبة التي تستبد بهم حالياً لم يسبق لهم أن عاشوها، وما يجري في المنطقة وفي طوق الأراضي المحتلة تحديداً لا ينطق إلا باليأس والإحباط .
بعض الفلسطينيين يتخوف من انتفاضة جديدة بحجة أن موازين القوة ليست في صالحهم، وكأن موازين القوة السابقة قد خدمتهم ووفرت لهم مكاسب . ففي الوقت الحاضر تغير العالم العربي إلى الأسوأ وتغيرت “إسرائيل” إلى ما أسوأ، بل إن وجهها الإجرامي ازداد قبحاً، ومثلما لطخته في مطلع الانتفاضة الثانية بجريمة قتل الشهيد الطفل محمد الدرة وقبلها بجريمة قتل الطفل حاتم السيسي في اندلاع الانتفاضة الأولى، لن تكون جريمة قتل محمد أبو خضير والاعتداء على ابن عمه طارق إلا قادحاً لانتفاضة ثالثة، وإن لم يكن، فلتحرك يزخر بالتضحيات ويخرق هذا الانكماش .
الثلاثاء 8 تموز (يوليو) 2014
ندوب في وجه الكيان
الثلاثاء 8 تموز (يوليو) 2014
par
مفتاح شعيب
مقالات هذا المؤلف
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
43 /
2197588
ar أقسام الأرشيف أرشيف المقالات ? | OPML ?
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
19 من الزوار الآن
2197588 مشتركو الموقف شكراVisiteurs connectés : 21